القتل بأراضي الـ48.. جرائم ترتكبها “عصابات منظمة” فمن يزودها بالسلاح؟

الناصرة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

<p “=””>لا تكاد تمر عدة أيام على الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، إلا ويستيقظون على وقع جريمة قتل أو اعتداء، قبل أن يمسوا على أصوات إطلاق نار أو أعمال تخريب، ليبقى التساؤل المطروح: من يقف خلف تلك الجرائم؟!

ينتشر السلاح بين أيدي مجموعات كبيرة تعرف بين فلسطينيي الـ48 باسم “العصابات”، مسؤولة عن معظم حالات القتل التي تتم، فمن يزودها بالسلاح؟ المتمعن والمطلع على واقع القبضة الأمنية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، يدرك أنه لا يمكن له أن يسمح بوجود قطعة سلاح واحدة بين الفلسطينيين إلا إذا كانت تحقّق له أهدافا كضرب النسيج المجتمعي للعرب.

أدلة كثيرة على وقوف الاحتلال خلف ارتفاع معدل الجرائم، أولها أن هناك 1388 حالة قتل حدثت منذ عام 2000 لم يتم الكشف عن الجناة أو تقديمهم للقضاء، بعكس ما يحدث إن كان القتيل إسرائيليا؛ فسرعان ما يتم الكشف عن الجناة والقبض عليهم.

على مدار أسبوعين، استمر تبادل إطلاق النار بين عائلتين في بلدة عارة شمال أم الفحم، في حين كانت دوريات شرطة الاحتلال المدججة بالسلاح والجنود تقف على بعد مسافة آمنة عن الشجار، إلى أن انتهى المشهد بقتيل يدعى محمد حمدان (21 عامًا)، الجمعة الماضية، وإحراق منزل، وفق إفادة الناشط السياسي لؤي الخطيب لصحيفة “فلسطين”.

ومن القتل إلى محاولات الاغتيال، اعتبرت الحركة الإسلامية في مدينة الرملة محاولة اغتيال رئيسها، الشيخ علي الدنف، فجر السبت الماضي، تجاوزا لكل الخطوط الحمراء، وحملت حكومة الاحتلال ووزارة الأمن الداخلي فيها المسؤولية عما يحصل في الأراضي المحتلة، وخاصة في المجتمع العربي.

وأشار بيان صادر عن الحركة، إلى أن الدنف قد تعرض لإطلاق النار قبيل فجر السبت، بينما كان يركن مركبته لأداء الصلاة بالجامع الكبير في الرملة، ما أدى إلى إصابته في البطن والقدم.

وكذلك حالة طعن لشاب بمدينة الناصرة، وإطلاق نار، وهجوم مئات الأشخاص على مبنى مجلس “كفر مندا” والاعتداء على أعضاء مجلس إدارته بمنطقة الجليل، وعدة جرائم قتل، كلها أحداث وقعت الأسبوع الماضي فقط بالداخل المحتل، عدا عن المخدرات، واقتحام مجموعات مسلحة المحال التجارية طالبة مبلغا ماليا مقابل ما تسميه تلك المجموعات “الحماية”، وإذا رفض صاحب المتجر دفع المبلغ المالي فإنه يعرض نفسه وعائلته وممتلكاته للخطر.

3 أقسام للجرائم

ومنذ بداية العام الجاري، بلغ عدد ضحايا جرائم القتل 57 في أراضي الـ48، ما يعني أن معدل الجريمة 1.8 أسبوعيا، فيما قتل العام الماضي 76 مواطنا عربيا في جرائم قتل مختلفة، بينهم 14 امرأة، فيما قتل 67 مواطنا عام 2017.

المختص في الشأن الإسرائيلي صالح لطفي، يقول: إن أسباب الجريمة في أراضي الـ48 منقسمة إلى ثلاثة أقسام، الأولى: منظمة يقف خلفها رجال عصابات عرب، والثانية: متعلقة بالشجارات العائلية والعنف، والثالثة: تتعلق بمصالح عامة وقسم منها له صلة بالعمل السياسي.

وأكد لطفي في حديثه لصحيفة “فلسطين” أن معظم الجرائم التي تحدث في أراضي الـ48 مرتبطة بالجرائم المنظمة، عبر مجموعة من “العصابات” تدار من شبكات معروفة، تسعى للسيطرة على مقدرات العرب المادية والاقتصادية، بدعم صامت وغير مباشر من الاحتلال.

ويعمل الإجرام المنظم، كما يعتقد لطفي، تحت حماية شرطة الاحتلال، وجهاز الأمن العام التابع له “الشاباك”؛ بهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني وضربه من الداخل لإشغاله بنفسه وبث الرعب في صفوفه، وجعل أسره وعائلاته بين فكي كماشة، كي تذهب لشرطة الاحتلال وتطلب الحماية.

وقال: “إننا في الداخل المحتل نعيش في أكبر أزمة، فما لم تستطع المؤسسة الإسرائيلية عبر أجهزتها الأمنية فعله لكسر أبناء الشعب الفلسطيني، فعلته هذه المجموعات وضربت العمق العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة”.

ويصف لطفي ما يحدث بـ”الفوضى العارمة”، فيما تحاول شرطة الاحتلال استغلال هذا الوضع لتعزيز وجودها داخل المناطق العربية، مبينا أن العرب يدركون خطورة فتح مراكز شرطية؛ لأنها ستضم أقسام استخبارات تقوم بعملية إسقاطهم.

ويرجح وجود خمس عصابات، بحسب تقارير إسرائيلية، تتوزع واحدة بالنقب، وثلاثة بمنطقة المثلث، وواحدة بمنطقة الجليل، تضم كلّ مجموعة مئات الأفراد، وجميعهم معروفون لأبناء الداخل المحتل ولجان الإصلاح وشرطة الاحتلال كذلك، مشيرا إلى أن الأخير يحاول إشغال العرب بمشاكلهم الداخلية لإبعادهم عن المطالبة بحقوقهم.

أبعاد اجتماعية

وتربط الاختصاصية بالمجال النفسي والاجتماعي رولا نصر، ارتفاع حالات الجرائم بإجراءات الاحتلال بحق فلسطينيي الـ48 التي خلقت أوضاعا تصعب الحياة معها، من خلال الانتقاص من حياة الفلسطينيين كي يعيش الإسرائيليون حياة مرفهة.

وتوضح نصر لـ”فلسطين” أنه رغم التكاثر السكاني للعرب، إلا أن البلدات الفلسطينية ظلت على نفس المساحات منذ عشرات السنين، الأمر الذي خلق أبنية متلاصقة، وسبب ازدحاما بالسير، وهذا ما يخلق مشادات ومشاكل اجتماعية، تصعّب الحياة اليومية.

ولفتت إلى أن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من السكن في 460 تجمعا إسرائيليا تسمى “كيبوتسات” ذات مساحات واسعة ومتنزهات، كما يسيطر على محتوى المناهج التعليمية التي يبث فيها الرواية الإسرائيلية ويشطب حق الفلسطيني بأرضه.

من أين يأتي السلاح؟ تتساءل نصر، موضحة أن هناك مصدرا وحيدا يقف وراء السلاح وهو جيش الاحتلال وشرطته، اللذان يسمحان بتسريبه للعرب وإشهاره على بعضهم البعض، لافتة إلى حدوث 1388 حالة قتل منذ عام 2000.

وتقول: إن دولة الاحتلال هي المجرم الأكبر، وهي من تسرب السلاح للمجرمين والعصابات، ولذلك لا يقوم القضاء الإسرائيلي بفتح هذه الملفات بل يتم إغلاقها ولا يتم محاسبة الفاعلين، لكن حينما قُتل إثيوبي إسرائيلي قامت الدنيا وحدثت مظاهرات، مشيرة إلى أن شرطة الاحتلال تتواجد بين العرب فقط لمنع التظاهرات والاحتجاجات والوقفات التضامنية مع الأسرى.

اتهامات جاهزة

من جانبه، قال الناشط السياسي لؤي الخطيب: إن الاتهام الإسرائيلي جاهز للعرب بعد كل جريمة قتل بأنهم “عنيفون”، فرغم أن جرائم القتل التي تحدث في أراضي الـ48 سنويا متساوية بالأرقام مع أعداد الجرائم بالإقليم، إلا أن الأمر المختلف أن هناك تتم محاسبة المجرمين، بينما هنا لا يحاسب القاتل ويبقى طليقا.

والأمر المؤكد كما تحدث الخطيب لـ”فلسطين”، أن هناك توجهًا لتصعيد الجرائم وسيطرتها على المشهد العام.

وأمام الظروف الحالية وانعدام الأمل أمام أهل الداخل المحتل، فإجراءات كثيرة تتخذها سلطات الاحتلال، منها الحرمان من العمل، وإخطارات هدم المنازل، وعدم منحهم تراخيص بناء أو شراء أراضٍ، وفق الخطيب، مبيناً أن الهم الأساسي بات أمامهم الحفاظ على أمنهم وحياتهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .