أقام نادي حيفا الثقافي مؤخرا أمسية ثقافية تم فيها إشهار ومناقشة إصدارات الكاتبة الفلسطينية ابنة مدينة عكا، المقيمة في النرويج حنان بكير.
استهل الأمسية بالترحيب رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة،
ثم تطرق لظاهرة العنف المستشري في مجتمعنا مؤكدا على أهمية إقامة الأمسية رغم إعلان الإضراب والمظاهرة ، أن اللقاءات الثقافية هي وسيلة أخرى للرد على العنف ومقاومته، فحريّ بنا أن نقيم أمسية ثقافية ما دام هدفها كهدف الاضراب.
ودعا الجميع لدرء العنف بالمشاركة بنشاطات ثقافية ولقاءات توعوية تربوية علّ وعسى يستبدل السلاح بالكتاب في مجتمعنا.
ثم تحدث بعدها عن مشاركته ورفيقة دربه سوزي في معرض عمان الدولي للكتاب ولقائه بالنقاد والأدباء والشعراء من العالم العربي.
ولم ينس أن يهنئ الصديق هشام عبده على إصداره الجديد “الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن” والذي ستقام له أمسية إشهار في نادينا لاحقا.
دعا بعدها الموهبة الواعدة في فن الخطابة، الطالب طارق محمود سرية، ليلقي خطبة بموضوع الساعة وكل ساعة عنوانها “تقبل الآخر- كن انسانا”.
فكان حضور طارق على المنصة لافتا للغاية، وبسنواته العشر بدا معتدا بنفسه، واثقا. أما إلقاؤه وطريقة عرضه للمضامين من حيث لغة جسده، تواصله البصري، جَهْوَرَة صوته، سلامة لغته حتى عفويته البريئة… كل هذا جعل الحضور ينبهر به وبما قدم متوسمين فيه مستقبلا واعدا ومتمنين أن تنتقل عدوى ثقافة الكلمة لأكبر عدد من الطلاب جيله – جيل المستقبل – ونراهم يزينون المحافل الأدبية .
اعتلت بعده المنصة الناشطة الثقافية، خلود فوراني سرية لتدير الأمسية وتتولى عرافتها، فأهّلت بالمشاركين والحضور، تطرقت بعدها لوصية الأديب المربي – طيب الذكر- خليل السكاكيني من خلال رسالة مؤثرة كتبها لابنه يوصيه فيها أن يتمسك بالعلم.
وكان لا بد من كلمة لها عن مدينة عكا، مسقط رأس الكاتبة الذي يسكنها ولم تسكنه يوما، فكان مما قدمته العريفة: “وأنت على أسوار المدينة تمعن النظر بالبحر وأمواجه العاتية تقارع الصخر المشرئب من الأعماق، تعود بك الذاكرة إلى فترة الحروب الصليبية، إلى الغزاة، يوم حوصرت عكا وعلمونا في كتب التاريخ أن أسوارها هي التي عجّزت نابليون بقبعته، ولم يعلمونا أن إرادة أهلها، وبصمودهم الباسل كان لا بد من اختراق الحصار.
لتعلم الغزاة، أن من نجا من غضب البحر لن ينجو من مقاومة سكان مدينة البحر.
في عكا الكنفاني وسميرة عزام تساءلتَ تساؤل محمود درويش:
” لماذا نحاول هذا السفر؟
وكل البلاد مرايا
وكل المرايا حجر.”
وختمت، “يا لعكا وللمدن القديمة. إن الأذان جزء منها فكيف تبدو هذه المدن بلا أذان الفجر.
سلاما عكا وألف سلام”.
أما في تقديمها للكاتبة: “الفلسطينية حنان بكير تحارب من أجل قضيتها بالقلم والكلمة، بالمقالة والرواية والقصة، في البحث في ثنايا الذاكرة الشعبية.
وأضافت، يلاحظ قارئ بكير أنّ الكاتبة مسكونة بمدينتها عكّا وبوطنها فلسطين مع أنّها لم تسكنها، لكن عذابات اللجوء، والحنين إلى الوطن المفقود، ومآسي النّاس البسطاء تؤرّق ذاكرتها، فاعتمدت على تجاربها الشّخصيّة وعلى الذّكريات التي سمعتها من المرحوم والدها، ومن أصدقائه وأترابه، فأصبحت ذاكرتها مثقلة بهموم وطنها وشعبها، وقد عاشت جزءا من هذه المعاناة واكتوت بنارها”.
كانت بعدها مداخلة قدمها الأستاذ يعقوب حجازي- مؤسس وصاحب دار الأسوار العكية. فتحدث عن حنان بكير ابنة البلد والصديقة الانسانة، عن تجربته معها في إعادة نشره لكتابها “أجفان عكا” وعن محطات في سيرتها الأدبية متناولا بعضا من نصوصها .
تلاه د. صفا فرحات بمداخلة أجرى خلالها مقاربة نقدية في كتاب ” أجفان عكا” فنوّه لأسلوب المفارقة في الأدب بأنّه وسيلة من وسائل البيان، ويعبّر عن حالة التّناقض للأشياء وخروج الأمر عن المعهود.
وهو ببساطة أن تتوقّع شيئا ما، لكنّك تتفاجأ بعكس ما توقّعته.
وتحثّ المفارقة القارئ على التّفكير، فهي مكوّن هامّ من عناصر الأدب وكما قال جاكوبسون فإنّها تنطوي على مبدأ التّضاد والتّنافر والتّوازي وعدم التّوقّع.
وقد تماهت مدينة عكّا مع كلّ المدن والقرى الفلسطينيّة، تأكّدت لدينا القناعة بأنّ روح القضيّة لم تعد كما كان من المفروض أن تكون، بعد أن تخاذلت الدّول العربيّة تجاهها، وبعد أن نكّل بحاملي لوائها وبعد العداوة الضّارية بين فصائلها.
وفي النّظر إلى الرّواية من مفهوم المفارقة، نجد أنّ الكاتبة استغلّت هذه الموضوعة لتعبّر من خلالها عن حالة التّناقضات الّتي تعيشها القضيّة الفلسطينيّة. ثم تناول ملامح المفارقة في الرواية مستهلها بعنوان الرواية ” أجفان عكا” ورمزيته. ثم المفارقات المرتبطة بالذّاكرة الفلسطينيّة المطعّمة بالنّقد العاتب على الدول العربية وجيوشها. والمفارقة بين المنشود والموجود، بين العزم الكبير على التّصدّي والمقاومة وبين قلّة ما ملكه المقاومون من عتاد، وبين رغبة العودة بعد أيّام من النّزوح عن المدينة وبين واقعيّة الألم المرير بالاقتلاع والاغتراب في مخيّمات اللّاجئين.
وختم، كثيرة هي المفارقات المبثوثة في ثنايا الرّواية، ولها دور فاعل في تطوير أحداثها لأنّها نابعة من خصوصيّة العمل الّذي بنته الكاتبة على الغوص في الذّاكرة الفلسطينيّة متّكئة على النّقد الذّاتيّ.
تلاه د. أليف فرانش بمداخلة حول كتاب ” تراتيل عشق” وهو مقالات أدبية ناطقة باسم البُسطاء الذين نذروا عشقهم للأرض. وهي هديّتهم للوطن.
فتناول موضوع الكتاب ورمزيته. ثم تحدث عن نصوص الكتاب بمضامينها، خلفيتها، تداعياتها وقوتها في نقل ألم الكاتبة وعذابات شعبها في اللجوء والشتات فالحنين.
يجدر بالذكر أن للكاتبة أيضا رواية توثيقية عن “قصة الثائر محمد محمود أبو جلدة”، وقد صدرت عن “دار نلسن للنشر- السويد . ومجموعة قصصية وصور قلمية بعنوان “إبحار في الذاكرة الفلسطينية” عن مؤسسة الرحاب الحديثة” بيروت – لبنان.
بقي أن نذكر أنه استضاف النادي الفنانة التشكيلية سونيا عزَب من بلدة أم الفحم بلوحاتها الفنية التشكيلية التي زينت القاعة.
وأن الأمسية أقيمت برعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني- حيفا، مشكورا.