قضت المحكمة الابتدائية بالرباط، بسجن الصحفية هاجر الريسوني لمدة عام بتهمتي الفساد (ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج) والإجهاض. كما حكم بالسجن النافد لمدة عامين على الطبيب الذي أجهضها، والسجن النافذ لمدة عام أيضا على خطيبها الحقوقي السوداني رفعت الأمين، والسجن لعام مع وقف التنفيذ على طبيب التخدير، والسجن لثمانية أشهر مع وقف التنفيذ على سكرتيرة في العيادة.
وقد خلف الحكم استياء منظمات حقوقية ونشطاء تضامنوا مع الصحفية المغربية.
فمن جهته، كتب أحمد بنشمسي مسؤول هيومن رايتس ووتش على تويتر “إنه ظلم صارخ، وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان وهجوم مباشر على الحريات الفردية، إنه يوم مظلم للحرية في المغرب”. ووصفت منظمة العفو في بيان لها الحكم الصادر بـ”ضربة مدمرة لحقوق المرأة في المغرب”، وقالت أنه “يتعين على السلطات إلغاء العقوبة والأمر بالإفراج الفوري وغير المشروط عنها”.
وصرحت ابتسام لشكر إحدى مؤسسات الحركة البديلة للحريات الفردية “ندرك جيّداً أنّ هذه مسألة سياسية، لكن كحركة نسوية، نشعر بالقلق إزاء الدوافع، حيث غالباً ما تكون النساء ضحايا قوانين التحرّر”. في نفس السياق قال التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا إنَّ التُّهمَ الموجّهةَ إلى المدافعةِ عن حقوقِ الإنسانِ هاجر الريسوني “ليست إلا محاولة لتأجيجِ المجتمعِ ضدّها، إذ إنَّ الثقافة الأبوية تعمد إلى تجريدِ المدافعاتِ من شرعيتِهن وأحقية عمَلِهن عبرَ توجيه تهم لها طابعٌ ذكوري بامتياز، تهدف إلى معاقبة المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ، ومنعهن منَ الوجود والعملِ في المجالِ العام، والتأكيدِ على تقييد أجسادِ النساء، وتشويهِ سمعتِهِن بحسبِ المعايير التي تفرضُها الثقافة الأبوية.. “.
أما الكاتبة المغربية ليلى السليماني، فقالت: “حزينة من أجل المغرب، ومن أجل عائلات المدانين، الذين أعرف أن ما وقع يمكن أن يهدم حياة البعض منهم”. وتابعت.. “كمواطنة، وكامرأة، وكشخص متشبث بحق النساء في أجسادهن، وكديمقراطية، أنا حزينة جدا من أجل هاجر، من أجل زوجها، من أجل الطاقم الطبي الذي تعرض بدوره للإدانة”.
طبيب شرعي يفجر مفاجأة حول مدى قانونية الخبرة
من جهته قال الدكتور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي ابن رشد بالدار البيضاء، وأستاذ بالمعهد العالي للقضاء في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه اختار أن لا يتحدث في الموضوع إلا بعد صدور الحكم الابتدائي في القضية، مؤكدا أنه لن يخوض في الاعتبارات الأخلاقية بالملف والتي كانت كافية لكي يرفض الطبيب إجراء هذه الخبرة، مفضلا التركيز على قضية القواعد الإجرائية في الخبرة.
وأشار في هذا الصدد إلى أن “الطبيب الذي أنجز الخبرة ملزم باتخاذ عدد من الإجراءات التي ينص عليها القانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب والتي بدونها تصبح الخبرة باطلة، وأولها إطلاع الشخص الخاضع للخبرة قبل إجرائها على الغرض منها والإطار القانوني الذي تمارس فيه، ثم أخذ الموافقة منه”. وتساءل “هل أبلغ الطبيب هاجر بالمهمة المنوطة به وبالحقوق التي تتمتع بها هي في هذا الصدد؟ وهل أبلغها بحقها في رفض الخضوع لهذه الخبرة وكذا الإجابة على الأسئلة أثناء مقابلته معها؟”، مؤكدا بأن “هذه الموافقة لم تتم من طرف هاجر التي كانت رهن الاعتقال، ولا من طرف محاميها”.
وأضاف الدكتور بنعيش، أن هذه الخبرة التي لم توافق عليها هاجر جاءت بإيعاز من خصمها ممثل الادعاء، مؤكدا أن هذه الحالة تخل بالضمانات التي يوفرها الدستور والقانون الجنائي لضمان المحاكمة العادلة، خصوصا وأن الخبرة ستكون حاسمة في تحديد نتائج المحاكمة.
واستنكر بنعيش أن تتغاضى النيابة العامة التي تلقت تقرير الطبيب عن انتهاك السرية الطبية، بل الأكثر من ذلك تأخذ هذه المعطيات وتعرضها على وسائل الإعلام.
وعبر في الأخير عن أمله بأن تدرك محكمة الاستئناف حجم الانتهاكات التي تعرضت لها هاجر في الحصول على محاكمة عادلة، مضيفا : “ما وقع لهاجر لو تمّ في دول أخرى لأمكن اعتباره تعذيبا أو على الأقل سوء معاملة إذا ما ارتبط بعدم الموافقة على الخبرة”، مشبها إجبارها على إجراء الخبرة بأنه “اغتصاب”.
وأضاف بأن “النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية أو المرضى حينما يخضعن لفحص مماثل يكون ذلك بهدف استعادة حقوقهن أو لمعالجتهن، أو لمنع حدوث ضرر أكبر، لكن في هذه الحالة فإن الضحية تعرضت لفحص جراحي بهدف تمكين النيابة العامة من إثباتات ضدها”.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدخل على الخط
أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان بلاغا، على أعقاب النقاش الجاري حول الحريات الفردية والإجهاض الذي أثاره اعتقال الصحفية هاجر الريسوني. وقد سجل البيان “تفاعل شتى المواقف والأفكار التي عبر عنها الرأي العام حول مسألة الحريات الفردية والحياة الخاصة، وأضاف أنه “على أمل أن يتم الإفراج سريعا عن هاجر الريسوني وشريكها”، ينتظر أن يكون هذا التداول العمومي “نقطة تحول لإنهاء تردد الفاعلين السياسيين بخصوص ملاءمة الإطار التشريعي لبلدنا مع أحكام الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية وتكييف هذا الإطار مع الممارسات المجتمعية.”
(المفكرة القانونية)