كمال إبراهيم بين الكم والكيف.. وقفة قصيرة مع (اشعاره) بقلم :  هادي زاهر

*سأكون صريحا مع الأخ العزيز ـ كمال ـ والذي يتميز بالغزارة بحيث لا تستيقظ صباحا إلا وقد صفعك بمقطوعة اطلق عليها صفة الشعر*

سؤال يطرح دائما في اوساطنا الأدبية: هل هناك من نقد في بلادنا؟ وإذا كان، هل هذا النقد يشير إلى نقاط الضعف في العمل الادبي، كي يستدرك الكاتب ولا يقع في نفس الخطأ في العمل القادم، قد نختلف في وجهات النظر لا سيما وان هناك من يقول بان هناك النقد الأكاديمي، لكن هذا النقد يقتصر على شريحة معينة، نحن نعلم بانه كانت هناك محاولات ولكنها توقفت نظرًا لشبكة العلاقات الاجتماعية، وهنا قد يستمر البعض ممن يكتبون دون ان ينطلقوا إلى الامام بحيث تجد انتاجهم الأول على نفس مستوى انتاجهم الأخير حتى لو كان الإنتاج الأخير يحمل رقم 20؟!! وهنا نقول لهؤلاء الاخوة، حرام تضيع الوقت دون الاندفاع المستمر إلى الامام، وقد قال المثل الشعبي: “صديقك من يبكيك وليس من يضحكك” ونحن لا نريد ان نبكي الأخ العزيز كمال لا سيما وانه لا يستحق غير كل خير، ولكننا في نفس الوقت لا نريده أن يغني مع عبد الوهاب : “انا من ضيع بالأوهام عمره نسي التاريخ أو أنسي ذكره ” وانما ما نريده هو ان ترافق اشعاره الزمن، لتحفظها الأجيال، لا ان تموت قبل بزوغ الفجر، وهنا سأكون صريحا مع الأخ العزيز ـ كمال ـ والذي يتميز بالغزارة بحيث لا تستيقظ صباحا إلا وقد صفعك بمقطوعة اطلق عليها صفة الشعر، ولعل غزارة انتاجه من بين الأسباب الرئيسية لركاكة ما يكتبه، وتعالوا لنقف مع (قصيدته) الأخيرة والذي نشرها من خلال الشبكة العنكبوتية ( نصا وبالصوت والصورة) كما يحلو له ان ينشر.

عنوان (القصيدة) “يُؤلِمُنِي” والتي قد لا تكون الأخيرة عند نشر ملاحظاتي هذه لان العجل لديه يستدير بسرعة متناهية،   وإلى القصيدة كنموذج مما يكتبه:

يُؤلِمُنِي ظُلْمُ الحاكِمِ حَتَّى الوَرِيدْ

فأكْتُبُ شِعْرًا مُرَدِّدًا بَيْتَ القَصِيدْ

اين الشعر في هذه الجمل النثرية، هل القافية جعلت منها شعرًا؟ وإلى ان يقول:

أكْتُبُ عَنْ عُنْجُهِيَّةِ طَاغٍ فَاسِدٍ زَهِيدْ

اعتقد أن الكلمات المستعملة ناشفة للغاية، انتبهوا إلى كلمة عنجهية، والكلمات المتلاحقة، طاغ فاسد زهيد، كان على الكاتب ان يصور مدى ظلم الحاكم بوسطة الوصف من خلال صورة، وليس دفع كلمات إلى ان تنتهي الجملة بكلمة تنتهي بحرف الدال، ثم ان كلمة زهيد غير مقنعة في هذا السياق، ويكمل الأخ كمال بالقول:

يَسْلُبُ مَالَ الشَّعْبِ وَيَحْرِمُ الطِّفْلَ الشَّرِيدْ

يَسِنُّ قَوَانِينَ جَهَنَّمِيَّةً بِنَهْجِهِ التَرْوِيعَ والتَّهْدِيدْ

اعتقد بان الجملة هنا غير متماسكة جيدًا، خاصة عند القول” “بنهجه الترويع والتهديد” ويواصل السيد كمال:

لكِنْ هَيْهَاتَ أنْ يَنَالَ مِنْ شَعْبٍ صامِدٍ عَنِيدْ

إرادَتُهُ تَبْقَى هِيَ الأقْوَى مجْبُولَةً بالصَّخْرِ والحَدِيدْ

هل هناك شعرًا في هذا الكلام أم أنه كلام كأي كلام، يعبر عن موقف إنساني اتجاه القضية، نستطيع أن نقول له كل الاحترام على موقفك ولكن هل هذا يصنع من الكاتب شاعرًا؟ ونهاية الجملة – مجبولة بالصخر والحديد – يبدو لي إن هذه الجبلة غريبة، فهل إذا قلنا ” وشعبنا الصنديد سينتصر بالتأكيد” نكون قد كتبنا شعرا؟، لماذا لا يطلق كاتبنا على ما يكتبه، لقب سجيعة او نثيرة؟!!

ويقول:

فَشَعْبُ الجَبَّارِينَ سَيَسْحَقُ جَأشَهُ

اعتقد بأن كلمة – جأشه – لا تؤدي معناها هنا بشكل جيد، واخيرًا يقول:

مُعْلِنًا الاسْتِقْلَالَ وَالحُكْمَ العَتِيد

تركيب واضح، الجمل ليست شعرية ولم تتدفق من الداخل بمعنى انها تخلو من العاطفة المطلوبة شعرياً ولو جاءت جملة واحدة ركيكة ثم تلتها جملة تعبيرية قوية لقلنا لا بأس وبررنا ذلك بان الجملة الأولى جاءت للتحضير لما هو قادم، ولكن ان تكون كل الجمل ركيكة فهذا غير مقبول ابدًا، ثم أن القافية غير مقنعة وجاءت غزيرة ومفروضة، “وكل شيء زاد عن حده قلب ضده” فسكب العطر بشكل مبالغ فيه سيدفع إلى العطس، وكان يمكنه أن يبتعد عن القافية ثم يعود إليها لتنساب إلى موقعها بشكل طبيعي بدون أي تكلف.

اجمالًا أقول بان هذه المادة هي عبارة عن مجموعة شعارات ليس إلا، وهي تفتقد إلى الصور التي هي من السمات الأساسية للقصيدة، ان القارئ عندما يقرأ او يستمع إلى قصيدة يجب ان يرى بعين خياله صورة، واعتقد بان أي طالب ثانوي يستطيع ان يركب جمل كهذه، وحتى أفضل، وتعالوا لنلقي نظرة على هذه المقطوعة في كلمات ضد العنف، والتي يحاول من خلالها ان لا يكثف القافية.

هذا العُنْفُ المُسْتَشْرِي!

وَابِلُ الرَّصَاصِ كَزَخَّاتِ المَطَرْ

يودِي بحَياةِ ضَحِيَّةٍ فِي كُلِّ يَوْمْ

بِغَفْلَةٍ يَسْتَشْهِدُ رَجُلٌ يُذْبَحْ

دُونَ رَحْمَة

دُونَ إشْفَاقْ.

لا نقاش لنا على المضمون ولكن الجمل سردية ليس إلا، وفي (قصيدة) “الزمن المأفون” يقول:

لا راحة بعد اليوم

وَفي عز النومْ

يَرِنُّ الهاتِف النقالْ.

لا هُدوءَ

ففي الشارعِ

وفي المدرسةِ

وحتى في البيتْ

عنفٌ مِنْ قِبلِ الأطفالْ

وَضدَّ الأطفالْ.

ترى هل هي حكاية يقصها علينا؟!! يبدو ان موهبته الصحفية هي الغالبة، انتبهوا إلى الجملة الأخيرة: “عنفٌ مِنْ قِبلِ الأطفالْ وَضدَّ الأطفالْ” اعتقد ان هذه الكلمات لا تمت إلى الشعر بصلة بل ان تركيبها أيضا غير موفقة ابدًا..

لومي على الادباء الذين يجب ان يشيروا له بان ما يكتبه ليس شعرا.. لا لزوم لمنح الجوائز وإقامة الحفلات التكريمية لمجرد شبكة العلاقات الاجتماعية، أن ما هو مطلوب إقامة امسيات أدبية يتخللها تشريح النصوص، ليستفيد صاحب النصوص والحضور، كي لا يعتقد أي كاتب انه فلتت زمانه لان له عدد كبير من الإصدارات، لا سيما ونحن نرى عقدة النرجسية تسيطر على الكثير من الكتاب، أقول للأخوة الكتاب، أنتم تخدعون الكاتب، بصمتكم احيانًا، وممارستكم  للدبلوماسية مفرطة، قولوا له ان كيفك دون المستوى المطلوب، ولا اريد ان اتحدث عن حجم الكُتيبات وعن عدد صفحاتها القليلة ولا عن ترتيب الكلمات القليلة بشكل عمودي، اعتقد انه لا لزوم للإصدار كل عام، انصحوه بالاقتضاب والتكثيف، أرشدوه إلى كيفية خلق الصورة، جندوه بالآليات التي من شانها أن تدعمه بدلا من يُضيّع العمر هدرًا، ان الأستاذ كمال يمارس الصحافة بشكل بارع جدًا، بحيث يحبك الأسئلة بشكل فني وشامل، وقد نقلت عن صفحته في الفاسبوك إلى صفحتي مقابلة صحفية اجرها مؤخرا مع النائب الجديد جابر عساقلة، تقديرا مني لشموليتها ولموهبته في مجال الصحافة، وفي النهاية اسأل: لماذا هذا اللهاث وراء لقي شاعر؟!! هل إذا حصل الكاتب على لقب اديب لا يكفي؟!! لا سيما وان لقب اديب يشمل اداء ألوان ادبية كثيرة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .