عمان : قصة الشابة نور التي تعرضت للتحرش لمدة (8) سنوات من قبل احد اقاربها الذي قررت فضحه امام اهله

سرايا ـ تروي “نور” وهو اسم مستعار، معاناتها الطويلة التي بدأت عندما بدأت تتعرض في طفولتها إلى تحرش من قبل قريب لها استمر في فعل ذلك أعوام عدة، لكن الشابة الثلاثينية الآن، ما تزال تعاني تبعات ما حدث معها، والذي كان وما يزال “كابوسا” يلاحقها ويعيقها عن المضي قدما وبشكل طبيعي في حياتها.

فقد اختارت نور الخروج إلى العلن للحديث عن معاناتها أملا في أن تسهم قصتها في رفع الوعي تجاه مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال، تحديدا من قبل الأقارب، حيث تسعى الشابة (والتي تعرضت لتحرش من قريب من الدرجة الثانية في منزل جدها طيلة 8 أعوام)، إلى إطلاق حملة توعوية للحد من التحرش الجنسي الواقع على الأطفال من خلال رفع الوعي لدى الأهالي بكيفية التعامل مع أطفالهم، وتوعية الأطفال بكيفية حماية أنفسهم، والتبليغ في حال تعرضهم إلى أي شيء قد يشكل مصدر إزعاج لهم.

تقول نور، “تعرضت للتحرش الجنسي في المرة أولى عندما كنت في الرابعة من عمري ولا أذكر الكثير من التفاصيل لكني كنت أشعر بعدم ارتياح عندما كان أحد أقاربي يلاعبني، فقد كان تعامله مختلفا عن بقية أقاربي البالغين، ولم أكن حينها أستوعب طبيعة الأفعال لكنني كنت أشعر أن شيئا ما خطأ يحدث خصوصا أن أفعاله جميعها كانت بالخفاء وكان يهددني بضرورة أن أبقى صامتة”.

وتضيف، “مع الوقت زاد التحرش وحينها شعرت أني غير قادرة على التراجع، كنت أتعرض لتهديدات من قبل المتحرش بأنني في حال أخبرت أي من أفراد العائلة، بأنه سيخبرهم أنني كاذبة وأنهم لن يصدقونني، وبعدها استمر بالتحرش بي حتى بلوغي سن الثامنة، وبعد ذلك سافر وتزوج لكنه عندما عاد إلى الأردن وتحرش بي مجددا، واستمر الأمر حتى بلغت سن الـ12 عاما، وعندها غادر البلاد”.

وتتابع نور بالقول، “رغم أن تلك الحادثة كانت بداية مقاومتي لسلوكه لكنها أيضا كانت نقطة انكسار في حياتي، فقد تغير سلوكي كثيرا وكذلك وضعي النفسي، ولم أفصح يوما لأحد بما يحدث ولم تكن عائلتي قادرة على استيعاب سبب التغييرات النفسية والسلوكية لدي”.

مع بلوغها سن الـ12، تقول نور، “أصبحت ألجأ لإيذاء نفسي، فقد قمت المرة الأولى بضرب يدي بالمطرقة عدة مرات حتى كسر العظم، وأعطاني ذلك الألم شعورا بالراحة، وهو شعور لم أتمكن من تفسيره، لكنه كان البديل أمام عدم قدرتي بالإفصاح عما مررت به”.

وتضيف، “عاهدت نفسي أمام الله أن يأتي اليوم وأقول به كل شيء لمن حولي، أكملت دراستي المدرسية والجامعية، لم تكن الدراسة مسألة سهلة كما لم أتمكن من تكوين صداقات رغم أنني كنت محبوبة من قبل زملائي، لكنني لم أكن أرغب في أن أكون قريبة من أحد”.

بعد ذلك، استمرت نور بحياتها ودخلت سوق العمل بعد التخرج بوظيفة جيدة، كما تعرفت على شاب وجمعت بينهما قصة حب تكللت بالزواج، وقبل الزواج أخبرت نور خطيبها عن ما مرت به خلال طفولتها وكان مساندا لها، لكن الصدمة التي واجهت نور كانت عدم قدرتها بعد الزواج على إقامة علاقة زوجية طبيعية مع شريكها ليكون الانفصال الودي هو الحل الذي اتفق عليها الزوجان بعد مرور عام على زواجهما.

وأعلنت نور لعائلتها عن السبب وراء طلاقها وعن الأعوام التي بقيت بها عرضة للتحرش من قريبها، لكن حديثها هذا قوبل بالصدمة من قبل العائلة التي طالبتها بالصمت تجنبا للعار.

حاولت نور أكثر من مرة الانتحار خلال تلك الفترات، كما تكررت ممارسات قيامها بإيذاء نفسها، تحديدا محاولة كسر وجرح يديها، فيما يبدو أنها محاولة للتخلص من ذكريات معينة، كما راجعت نور عدة أطباء ومراكز للعلاج النفسي.

وأخيرا، اختارت نور أن تتحدث عن معاناتها علنا أملا منها في أن يساهم ذلك برفع الوعي بين الأهالي والأطفال من خطورة التحرش الجنسي الواقع على الأطفال، فتقول هنا، “على الأهل أن يعوا أن التحرش قد يكون من قبل أقرب المقربين، وليس بالضرورة أن يكون شخصا غريبا وعليهم تقع مسؤولية حماية أطفالهم من الإساءة، وعلى الأهل أن يتنبهوا من أي تغيير في سلوك أبنائهم، كما أنه يجب تثقيف الأطفال بأهمية التمييز بين اللمس الآمن وغير الآمن، وأهمية تبليغ المقربين منهم في حال تعرضهم لأي تصرف غير مريح من قبل أي شخص محيط”.

من جانبها، تبنت مجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان”، مبادرة نور بإطلاق الحملة، حيث إنه وبحسب المحامية لبنى دواني، التي عملت مع نور منذ خمسة أعوام، فإن “المبادرة يتوقع إطلاقها في شباط (فبراير) المقبل”، مبينة أن “قصة نور هي انعكاس لواقع العديد من الأطفال الذين يتعرضون للعنف الجنسي غير المعلن عنه”.

وتلفت دواني إلى “المخاطر والتبعات السلبية للعنف الجنسي الواقع على الأطفال والتي غالبا ما يكون لها أثر نفسي سلبي على الطفل في المستقبل”، مبينة أن “الخوف والتهديد من قبل المعتدي هو السبب الذي يدفع بغالبية الأطفال إلى اختيار الصمت وعدم التبليغ عن الإساءة”.

وترى أنه “من المطلوب أن يكون هناك جهود أكبر في التوعية من هذه المشكلة نظرا لآثارها السلبية الكبيرة على الطفل من الناحيتين النفسية والجسدية، إلى جانب أنها مشكلة غالبا ما تكون في الخفاء خلف الأبواب المغلقة”.
ووفق دواني، فإن “الحملة تستهدف طلبة المدارس والأهالي من خلال عقد ندوات توعوية، وبروشورات ومطويات تستهدف الأهالي إلى جانب تخصيص نشاطات للأطفال تتناسب مع فئاتهم العمرية بحيث يتم إيصال الأفكار بطريقة بسيطة مناسبة الحديث عن التعامل مع الغرباء، دائرة الأمان للطفل، أجزاء الجسم الخاصة، التمييز بين اللمس الآمن وغير الآمن، وغيرها من الموضوعات”.
وتدعو دواني منظمات المجتمع المدني المعنية والنشطاء والخبراء في مجالات الطفولة والحماية إلى الانضمام للحملة ومساندتها لضمان وصولها إلى أن أكبر عدد ممكن من العائلات والأطفال.
وبحسب آخر إحصائيات إدارة حماية الأسرة، بلغ عدد قضايا العنف الجنسي الواقعة على النساء والأطفال 1196 حالة، تم تحويلها إلى القضاء.
كما تشير الإحصاءات للعام 2017، إلى أن عدد الحالات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال والمحولة إلى القضاء بلغ 846 قضية اعتداء جنسي، منها 369 واقعة على ذكور، و514 واقعة على إناث.
من جانبه، يؤكد استشاري الطب الشرعي، المستشار لدى منظمات الأمم المتحدة للحد من العنف ضد الأطفال، هاني جهشان، أن آثار العنف الجنسي على الأطفال، كالعواقب الجسدية والمتعلقة بالإصابات بالمناطق التناسلية وإمكانية الإصابة بالأمراض الجنسية المعدية، تصل أحيانا إلى الوفاة إن كان بالقتل خلال الاعتداء عليه لإخفاء التعرف على القاتل أو لدوافع نزوات شاذة، أو خلال الإجهاض غير القانوني للفتاة الحامل أو الوفاة بسبب انتحار المراهق الناتج عن الكآبة كأحد عواقب العنف الجنسي.
كما تشمل العواقب، وفق جهشان، عواقب نفسية، إذ يرافق جميع حالات العنف الجنسي ضد الأطفال حصول عواقب نفسية وسلوكية إلى جانب الإشكاليات المتعلقة بالصحة الإنجابية وإمكانية تعرض الفتيات اليافعات للحمل.
ويرى جهشان، أنه كنتيجة لتلك العواقب، فإن التعامل مع العنف الجنسي يوجب الوقاية منه قبل حدوثه بتوعية عموم المجتمع بكافة المراحل العمرية، وتقديم برامج خاصة لفئات المجتمع المعرضين للخطر أكثر من غيرهم للحيلولة دون وقوعه.
الغد

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .