حسين مهنّا
خمسُ سنواتٍ مَرَّتْ بأصيافِها وأَشتِيَتِها وأَنتَ مُسَجّىً بتُرابٍ طالَما ناضَلْتَ من أَجلِ أن يظَلَّ طاهِرًا لا تَطَؤُهُ قَدَمٌ هجينَةٌ.. أَدري أَنَّكَ أَحبَبْتَ أَنْ تُدْفَنَ في سَفحِ حيدَرَ، رِفيقِكَ في حياتِكَ لتُقيمَ ما أَقامَ في مَماتِكَ.. سَبَقَكَ الى ذلكَ جَدُّكَ امرؤُ القيسِ، فهو أَيضًا مُقيمٌ ما أَقامَ عَسيبُ.. مَعَ فارِقٍ كَبيرٍ إذْ ماتَ طَريدًا شَريدًا، وأَنْتَ فارَقتَ الحياةَ بينَ أُناسٍ لو طَلَبْتَ مِنْهُم أَنْ يُضيفوا من أَيّامِهم الى أَيّامِكَ لما بَخَلوا.
ولكنْ ما يُحزِنُني أَنْ لا سَقْفَ فَوقَكَ يَقيكَ حَرَّ الصَّيفِ وبَرْدَ الشِّتاءِ! ولعلَّكَ تَقولُ وبَسْمَتُكَ المُحَبَّبَةُ تُضيءُ ظُلْمَةَ قَبْرِكَ، لا يا صَديقي! لا تَحْزَنْ.. فَأَنا لا أُريدُ أَنْ تَحْجِبوا شُروقَ الشَّمسِ عَنّي، لا ولا طَلَّةَ القَمَرِ لا بِسَقيفَةٍ ولا حَتّى بِظِلِّ دالِيَةٍ أَو ياسَمينَةٍ؛ دَعوا رَمْسي مَحَطًّا لِليَمامِ ولِلعَنادِلِ ولِلشِّحاريرِ، فَهيَ أَنيسي في وَحْدَتي، وجليسي حينَ أَحتاجُ الى جَليسٍ، إذْ لا وَرَقَ عِندي ولا قَلَمَ أَبُثُّهُ لواعِجَ صَدري فأَكْتُبُ نَشيدًا قد يَكونُ الأَجْملَ في ما كَتَبْتُ أُهديهِ لِوَطَنٍ يَضُمُّني الى صَدْرِهِ، ولِشَعْبٍ لَفَّني بِكَفَنٍ مِنْ مَحَبَّةٍ فوقَ كَفَني.. وإِنْ كانَ لا بُدَّ مِنْ سَقْفٍ فوقي فَلْيَكُنْ سَقفَ مَكْتَبَةٍ بِقاعَةٍ مُتَواضِعَةٍ يَؤُمُّها الصِّغارُ، أُولئِكَ هُم أَحْبابي، أُولئِكَ هُم حُرّاسُ المُستَقْبَلِ؛ ولَيسَ بَعيدًا أَنْ يَظْهَرَ واحِدٌ مِنْهُم يكونُ امتِدادًا لي.. هذا وَطَنٌ مُحاصَرٌ يَحتاجُ الى شاعِرٍ عَينُهُ عَينُ حارسٍ وقَلبُهُ قلبُ فارِسٍ…!