مؤخرًا، كشف مراقب الدولة في تقريره حول عمل السلطات المحلية عن أسباب فشل السلطات المحلية العربية في تطبيق قرارات الحكومة التي جاءت للتعامل مع أزمة السكن في البلدات العربية، وهي سوء التخطيط وسلسلة من الإخفاقات في التنفيذ. أقرّ مراقب الدولة أن المعيق الأساسي في تطبيق هذه القرارات الحكومية هو غياب النجاعة والمهنية في عمل السلطات المحلية العربية.
المشكلة التي يعرضها مراقب الدولة لا تقتصر فقط على مجال السكن، فالسلطات المحلية العربية ما زالت تتأخر عن سائر السلطات المحلية وذلك بسبب توزيع غير متساوٍ للموارد، إضافة للإدارة السيئة التي تسيّرها القوة الانتخابية للحمائل بدلاً من إدارة مهنيّة تتبع نهج الإدارة السليمة. لسنوات عديدة حاولت الدولة تقديم حلول مختلفة بهدف تدعيم الإدارة السليمة وتعزيز سلطة القانون لكنها لم تستطع حتى اليوم إيجاد حل جذري.
في عام 2015 اتّخذت الحكومة قرار رقم 922، والّذي بموجبه تم تخصيص موارد ماليّة لم يسبق لها مثيل للمجتمع العربي في عدة مجالات مثل التعليم والثقافة، المواصلات العامة، المسكن، البنية التحتية، الأمن والحكم المحلي.
بموجب هذا القرار، السلطات المحلية تعمل بمثابة “مقاول منفذ” للحكومة، بما معناه أنها تحصل على الأموال المخصصة للاستثمار وفقًا للأهداف التي تحددها الوزارات المعنيّة.
للأسف، آلية العمل هذه تتجاهل بالكامل المشاكل الجسيمة التي تعاني منها السلطات المحلية العربية، إذ أنها لا تحفّز السلطات المحلية على تحسين الأداء في مجالات الإدارة السليمة، سلطة القانون، الشفافية ومشاركة الجمهور ولا تقدم حلولاً للقصور المتكررة. بعد مرور أربع سنوات من البدء في تنفيذ قرار الحكومة 922، يعتبر نجاحه في موضع شك ما لم تقدم إجابة لإشكالية الإدارة السليمة.
السلطات المحلية العربية تعاني من مشاكل عديدة، يمكن اختصارها في خمسة قصورات أساسية.
أوّلها تضارب المصالح والتوظيفات غير القانونية المتمثلة بتوسيد الأمر لغير أهله من ذوي الكفاءات والاستناد إلى اعتبارات انتخابيّة وعائليّة; ثانيها التهاون في تطبيق القانون في مجالات شتى مثل جباية الضرائب و الحفاظ على البيئة وترخيص المصالح التجارية ونحو ذلك; ثالثها غياب الديمقراطية، هيمنة كبار السن من رجال الحمولة واستثناء الشباب والنساء; رابعها انعدام الشفافية في اتخاذ القرارات وفي عمل السلطات ككل- الأمر الّذي يضعف الرقابة العامة ويحول دون نقد جماهيري جديّ; وخامسها هشاشة الرقابة الداخلية، فحتى اليوم ما زالت بعض السلطات تتجاهل الواجب القانوني بتعيين مراقب، وفي سلطات أخرى يتعرض المراقبون الداخليون لهجوم مستمر بسبب دورهم المركزي والمصيري في لجم الخروقات القانونية والماليّة وانتقاد تقصير السلطة في عملها.
هذه القصورات تعيق عمل السلطات، بما في ذلك تحول دون تنفيذ قرار الحكومة 922 على النحو الّذي خطط له، وتنعكس سلبًا على مستوى الخدمات الّتي يتلقاها المواطنين وعلى جودة الحياة في البلدات العربية.
إن القصور والإخفاقات في السلطات المحلية العربية كبيرة وعديدة ولن تزول من تلقاء نفسها. نظرًا لدور السلطات المحلية الرئيسي في تنفيذ قرار الحكومة 922، هنالك احتمال جدي أن يتحوّل القرار من فرصة ثمينة إلى فشل تاريخي. في حال لم تعطى إجابة منهجيّة لقصور السلطات المحلية، فلن يحدث أي تغيير مهم وملموس على المدى البعيد، حتى لو تدفقت الميزانيات والموارد للسلطات.
كان حريّا بالحكومة استغلال الخطة لمعالجة المشاكل المذكورة، أو التعاطي معها على الأقل. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: إمكانية تخصيص قسم من الميزانيات لضمان إقامة مواقع الكترونية للسلطات وحتلنتها بالمواد، اشتراط القيام بواجبات قانونية مختلفة مثل تعيين مراقب داخلي ومسؤول حرية معلومات كشرط للحصول على هبات معيّنة، رصد قسم من الميزانيات لتطوير جهاز تطبيق القانون في مجالات ترخيص المصالح والرقابة عليها ومكافحة المخالفات في مجال البيئة وإساءة استخدام الحيّز العام.
في الفترة القريبة سيتم فحص إمكانية اتخاذ قرارات أخرى تتبع قرار الحكومة 922. أمامنا مفترق طرق مهم، إذ من المهم أن تعي الحكومة بأنه لا يكفي ضخ الميزانيات للسلطات المحلية، ولكي نلمس تغييراً في وضع المجتمع العربي يجب إيجاد حلول لمشاكل الإدارة السليمة وسلطة القانون.
المحامي نضال حايك، مدير عام ومؤسس جمعية محامون من أجل إدارة سليمة الّتي تعمل لتطوير الإدارة السّليمة في السّلطات المحلّيّة العربيّة.