قبل ايام، وخلال زيارتي لمدينة استانبول التركية والتجوال في معالمها التاريخية والسياحية والاطلاع على ضخامة واقعها وكونها المدينة الوحيدة في العالم التي تقع ضمن قارتين (اوروبا واسيا). وخلال التجوال وفي اكثر من مكان ضيفونا بالقهوة العثمانية.. فعادت بي الذاكرة الى ما قرأته وسمعته عن الخلافة العثمانية، ودور القائد مصطفى كمال اتاتورك في انهاء ولايتهم، وانشاء الدولة التركية الحديثة..
في هذه الاجواء بلغني عبر الشبكة العنكبوتية، ان الاديب الناقد والكاتب المخضرم عدنان كنفاني، شقيق الشهيد غسان كنفاني، المقيم في سوريا قد رحل الى دنيا الاخرة.. فهزني النبأ وعدت الى الفندق، دون ان تفارقني تلك الرسائل التي تبادلها معي عبر البريد الالكتروني، فرغم مكانته الادبية ودورة الثقافي وتوليه المناصب كان متواضعا وانسانا طيبا، موليا اهتماما خاصا بما ينشر في الوطن الفلسطيني، خاصة عن التراث الفلسطيني او ما يدور في فلك هذا التراث.
نعم، فالإضافة لكثرة اعماله وترأسه للجان التحكيم الادبية وغيرها من مهام كان، ايضا، محررا لموقع “مؤسسة فلسطين للثقافة” وبعد تلك الرسائل التي بادر اليها معي، قام من خلال موقع المؤسسة، وعلى حلقات، بنشر موضوعات كتابي “عيش كثير بتشوف كثير”. كما اختار بعض النصوص من كتابي الاول “هيك الناس”.. وقد استهل نشر الحلقات بمقدمة موقعة باسمه، اعتز بها، وجاء فيها:
“مفيد مهنا، أديب وكاتب فلسطيني من البقيعة، جليل فلسطين، في كتابه الثاني الصادر في فلسطين المحتلّة، ومن مدينة القدس، وطبع في مطبعة الاتحاد بعنوان “عيش كتير بتشوف كتير” يأخذنا عبر أسلوب رشيق ساخر، باللكنة الفلسطينية، والأمثال الشعبية، يرسم بالقلم لوحات معشّقة بكثير من التمزّق والألم والقهر الوطني والاجتماعي عبر محطات ساخرة بل ومغرقة في السخرية، بأسلوب يمكن أن أسميه نوعاً أدبياً جديداً في جنس النثر، يلامس أوجاع الفلسطينيين في الداخل تحت سطوة الاحتلال والمعاناة والقهر، ويقيم طقوساً لا تتبدل لعادات وتقاليد وتراث راسية في قاع التواجد الصعب، في ظروف صعبة لكنها توقد ذلك الصمود الأسطوري لشعب يعشق الحياة.
كوميديا سوداء، لكنها تنبض بقيمة الانتماء للأرض والكلمة والتاريخ والتشبث بالشخصية ذات الخصوصية الفلسطينية.
نقد لاذع، بلهجة وصورة لا تخرج عن همّ الوجع، لكنها تحمل من القيمة بقدر ما تحمل من السخرية المريرة.
ويشرّفني أن أنوّه بأننا سنقوم بنشر مضمون الكتاب المذكور تباعاً على صفحات موقع مؤسسة فلسطين للثقافة، نبدأ بفاتحة الكتاب كما أرادها الكاتب، والنصّ الأول آملين أن يحقق الفائدة”.
عدنان كنفاني