30 عامًا على رحيل الشاعر الفلسطيني عصام العباسي بقلم: شاكر فريد حسن


ماذا نكتب، وماذا نقول في ذكرى مرور 30 عامًا على رحيل الشاعر والكاتب والصحفي والمثقف والمناضل الفلسطيني عصام نور الدين العباسي، الإنسان المتواضع، دمث الأخلاق، الذي عمل طيلة حياته من أجل وطنه فلسطين وشعبها ولم يرجُ منها لا مالًا ولا جاهًا ولا شهرة.
وكيف يمكن أن نتحدث عن أشعاره الوطنية وقصائده الثورية ومواقفه السياسية وأنغامه الفكرية ومعزوفاته الكفاحية، وتحديد موقعه الريادي في الخريطة الثقافية الوطنية الفلسطينية والشعر الوطني الفلسطيني المقاوم.
فعصام العباسي واحد من أعلام ورواد الفكر الفلسطيني والثقافة الوطنية الفلسطينية الملتزمة المعاصرة، ، الذين تركوا بصمة واضحة، وأسهموا في رفد المشهد الادبي الفلسطيني بإبداعاتهم الشعرية والنثرية والفكرية متنوعة المواضيع والاغراض، التي تصب في رافد المقاومة والكفاح.
كان عصام العباسي ابنًا بارًا لشعبه الأصيل، فلسطينيًا حتى الثمالة، كابد اللوعة في وسط الظلام مع اترابه ورفاق دربه الأبرار، ممتلكًا أدوات الصمود وما بعد الصمود، وكان قلبه يتمزق لما أصاب شعبه من مآسٍ وويلات ومذابح وتهجير وتشريد في كل اصقاع الدنيا.
لمع عصام العباسي في مجال الشعر والأدب والصحافة، عمل في عهد الانتداب بمهنة المتاعب – كما كان يقول دائمًا، في صحف المهماز والشعب وفلسطين، وبعد النكبة عمل في “الاتحاد” و”الجديد” و”الغد”، ونشر فيها قصائد شعرية ومقالات سياسية وأدبية.
وكان عصام ناشطًا سياسيًا من خلال عضويته في الحزب الشيوعي طيلة ايام حياته. اشتغل مدرسًا للغة العربية في مدرسة الفرير ومدرسة ما يوحنا الانجيلية في حيفا. وبعد انتقاله للإقامة في القدس عمل في عدد من المجلات والصحف العربية التي كانت تصدر آنذاك، بعدها عمل في جمعية الدراسات العربية لمؤسسها المرحوم فيصل الحسيني.
أحب عصام العباسي الغناء والموسيقى الكلاسيكية، وأعجب بغناء عبد الوهاب وحليم الرومي وسحرته فيروز بصوتها المخملي.
قرض عصام العباسي الشعر في الكثير من الموضوعات التقليدية المعروفة، غير أن الشعر الوطني والسياسي والنضالي، قد طغى على غيره من اغراض الشعر بسبب الاوضاع السياسية والظروف الاليمة التي مرّ بها شعبه ولا يزال، فصدح بأناشيده الوطنية وغنى لوطنه أعذب الألحان، واجمل القصائد، وتألق في فن الإلقاء، وكان يدغدغ مشاعر واحاسيس الجمهور حين كان يقرأ قصائده على مسامعه.
جسدّ في شعره التجربة والمعاناة الفلسطينية، معتزًا بهويته الوطنية والطبقية الفلسطينية. ورغم سعة مساحة الشعر الوطني في بيدره الشعري وحقله الإبداعي إلا انه اتسع لأشعار الحب والغزل والحنين والاغتراب، وعرف كيف يكون الهوى والعشق للمرأة والوطن معًا، وفي الوقت نفسه عرف الطريق الذي يصل بينهما، فسار على ذلك قلبه المرهف وهو مفعم بالألم والعذاب والوجع الفلسطيني والانساني.
عصام العباسي أحب الحبر والورق والشعر والنوادر، امتلك حساسية شعرية وفكرية وثقافية، وعزف نشيده على أوتار شجية، بلغة شعرية جميلة عميقة المعنى حادة النبرة، متوهجًا بكلماته وحروفه الندية وكبرياء الشعر، ومات بالمرض العضال قبل أن يتحقق حلمه بصدور ديوانه ” لهب القصيد ” تحية منه لصديقه الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
عصام العباسي سيبقى شامخًا وساطعًا، وتبقى ذكراه وتراثه خالدين في ذاكرتنا الوطنية وافئدة شعبنا، فقد كان نموذجًا للمبدع والمثقف المشتبك الملتزم فكريًا، ونذر حياته وشعره في خدمة قضايا شعبه ونضاله الوطني التحرري، ولم تغير مواقفه ومبادئه النوائب والعواصف السياسية والفكرية.
عصام العباسي المعدن الاصيل لن يموت، وسيظل خالدًا، أما غبار الطريق فتذروه الرياح.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .