تزدحم حدائق الشعر وبساتين النثر في هذه الديار بأسماء مضيئة لافتة، أثبتت حضورها ووجودها ومكانتها في المشهد الشعري، بمقدرتها الابداعية البوحية الإلهامية، وبما تحتضنه نصوصها الأخاذة من المعاني والالفاظ الجميلة الموحية العميقة الدالة والرامزة معًا، التي تتحفنا بها بين حين وآخر، فتنعش القلوب وتروي النفوس بكل صدق وانفعال.
من هذه الأسماء الجميلة المضيئة الملهمة المجيدة، الصديق الشاعر المميز سلطان مي، ابن البروة بالأصل، وابن الجديدة – المكر، وعروس الكرمل حيفا، وهو حالة شعرية لها طابعها وخصوصيتها ونكهتها الخاصة المميزة، وتشكل قصائده القزحية الملونة سمفونيات حب شعورية وحسية، تتدفق بالنبض الانساني العاطفي الوجداني، وتتشح بالجمال، فكرًا وحسًا وعاطفة، وكأنها لوحات فنية إبداعية رسمت بريشة خاصة وكلمات متوهجة بعبق الطيوب والأزهار والأقمار، تتصف بالصدق والشفافية الفواحة، وتزخر بالاستعارات والمجازات والاناقة اللغوية والمحسنات البلاغية البديعية.
فسلطان مي شاعر غزلي وجداني بديع، رقيق العاطفة، جياش الإحساس، باذخ الكلمة، مبدع في الكتابة الشعرية والنثرية، ولا يهمه الشكل الفني بقدر ما يعنيه المضمون، وما تحويه قصيدته من أبعاد وايحاءات، إن كان نثرًا أو شعرًا أو ومضة، المهم أن يعبر عما في صدره ووجدانه وعن حسه وموقفه ويصل إلى عمق القارئ والمتلقي.
هو مجيد وملهم في نصوصه الوجدانية والتأملية ذات الطوابع الفكرية الفلسفية والوجودية، حسية المعنى، في الجانب الوطني والانساني والرومانسي الغزلي بمستوى عالٍ رفيع مدهش، لفظًا ومعنى، ورؤى فنية جمالية، ومواقف اجتماعية وفكرية ووطنية وسياسية. وهو يحافظ على روعة معانيه وسحرها وأخيلته، وجمال صوره الشعرية، وعذوبة موسيقاه، وعباراته المركبة بسهولة وانسيابية وتلقائية، وتدفق تصويري وتعبيري، واناقة متسمة بالمرونة والليونة والسلاسة والألحان الشذية ذات الوقع الماتع والأثر البالغ على نبضات القلب واختلاجات الوجدان. فلنسمعه يقول:
نامي على كَتفي
كَأغنية المسافر للمسافر
نامي كرواية تركت نفسها للروح والريح
نامي لأتعلّمَ العزف بين قصيدتين.
قصيدةٍ نُظِمَتْ
وأخرى أتت لتأخذني
ريثما أنتهي من تزويج نفسي على قيثارةٍ
لا تَعرفُ هويتي الأولى.
نامي ولا بُدّ لروحي من سرير.
وسلطان شاعر حب وغزل مرهف الاحساس، دافئ البوح، جميل الوصف والتعبير، أنيق الحرف، يعتمد المفردة المباشرة والصورة الحسية الايحائية الايقاعية.
وإننا نقف مذهولين أمام ومضاته ونصوصه وخواطره وتأملاته، وتعترينا نشوة ولذة ومتعة وانفعالات تدغدغ مشاعرنا وأفكارنا، ونحس وكأننا بين روضة غناء فيها باقات ياسمين ونرجس وحبق وعطر فواح، مبعثها خلجات النفس الحرى، والروح المرهفة، والوجدان الرقراق، بكل ما تحمله تجربته الابداعية من صور شعرية خلابة مبتكرة، ورموز شفافة، وعفوية في الطرح والأسلوب، واللغة الرشيقة المشوقة الماتعة، بما فيها من جماليات الأشياء، فاضت بها قريحة خضراء، وحاكتها وغزلتها ريشة فنان مبدع وروح إنسان شفاف متوثب متوقد متوحد مع المرأة والوطن ومتطلع إلى التحرر والانعتاق وعالم عامر بالحب والسلام والتفاؤل والفرح والجمال.
لسلطان مي أربعة دواوين شعرية هي: ” نوافذ عبثية، أحلام في ذاكرة الغمام، أوجاع الياسمين، وعلى حافة الريح “. ويطرق فيها أبوابًا وأغراضًا شعرية شتى، تدور حول موضوعات وجدانية وعاطفية ووطنية واجتماعية. فيكتب عن الحب والمرأة والجمال والوطن والأرض والإنسان المعذب المقهور الحالم، وعن المشاعر الإنسانية الجميلة، ويقترب من الخطوط الحمراء، بكل صدق وجرأة وشجاعة، ومن اعترافاته الجريئة قوله في احدى قصائده:
جدتي عدلت نظام المطر
وأمي عَجلت مواسم الحصاد
جدي حمل النهر من مجراه
ليشبع ظمأ الأرض
وأبي بنى بيوتًا من الاسمنت
والرماد
أختي علقت اراجيحها بين أجساد
السكارى
وأنا
أنا مَنْ مارس الحب
مع مومسْ
أنا مَنْ باع البلاد
سلطان مي يتقن فنون اللغة، والبيان والإعجاز، ومتمكن من أدواته الشعرية والفنية، ومن السيطرة على لغته وصياغته بشكل تام وملحوظ، يمتاز بشاعرية متألقة رفيعة المستوى، لفظًا ومعنى، ايقاعًا ونغمًا، ويجمع بين قوة الانفعال بعيدًا عن الافتعال، وشدة الاندفاع، قصائده تصدر من الاعماق في تدفقها وسلاستها ونبض عاطفتها. ومن يقرؤها يعيش في أجواء من الجمال والرومانسية والرقة والحلم والتأمل ودفق الشحنات العاطفية الوجدانية التي تبلغ حد الصوفية.
أنه شاعر مميز، متفرد بصوته ولغته وبوحه وتعبيراته وايماءاته، وشاعرية بلغت مستوى رفيعًا يشهد له الكثير بذلك، يقبض على اللغة، يجدد في مضامينه وافكاره وتأملاته ورؤاه، يستفيد من تجربته ومن تجارب الآخرين، ويأتينا بصور شعرية طلية مبتكرة جديدة، ويحلق جمالية في نفس المتلقي. وقد استطاع، ونجح، ان يرسم لنفسه مكانة في المشهد الشعري الراهن، وفي النثر الحداثي بنكهة مختلفة ومغايرة.
وفي المجمل، سلطان مي شاعر غير متكلف، شفاف، رقراق، رائق المشاعر، حاني اللمسات، يعيش الحب بخياله وروحه ونبضه ومداد يراعه، وبوجد وشوق وذهول، وسلطة الغواية في نصه سلسة، مرنة، مكتنزة، مموسقة، وفق هرمونية الامتداد الشعري وتشكيلاته المتنوعة وانبعاثاته التأملية بكل انسيابية وتلقائية مشحونة ومتوجة بالصدق التعبيري.
فللصديق سلطان مي كل الحب والتقدير، والتمنيات له بالمزيد من التألق المتواصل والتوهج الشعري الإبداعي المستمر. .