ميساء علي السعدي العواودة وقصيدة ” وطن أسمر ” بقلم: شاكر فريد حسن

 

وأنا أقلب صفحات الفيسبوك لفت نظري وشدني نص للصديقة الشاعرة ميساء علي السعدي، ابنة بلد الرمان، قانا الجليل، كفركنا، التي تشغل أمينة المكتبة العامة في القرية.

والنص بعنوان “وطن أسمر”، حيث تقول:

فوق روابيه شيّدت قصري

وفي هواه لا أملك أمري

له من الأديم سمارا مقدسا

في حضنه تغلغلَ اسمي وجذري

شهيّ الحضور طودا بهامته

اذا ما بدى جثى صغير صدري

ثمار عشقه للروح زادا

ولؤلؤ جبينه في الليل خمري

اذا ما خلدَت الأرواح لمهجع

يثور الحنين اليه في سهري

رفيقا في الدروب دافئا

إذ ما بي تقطّعت يكون جسري

وإن خُيِّرتُ على نفيسٍ أملكَهُ

هل من نفيسٍ أمام بصري

ألا يا معذّبي ومُقيّد معصمي

أتنصفكَ القوافي ودرّ شِعري

ورب السماء تجثو المعاجم

جفّ مدادها عن صِغَرٍ وفقرِ

كيف للمداد نقش حروفك

وأنت السطور واليراع والحبرِ

لاحت الألحان تقصد وصفك

سُلِبَ سحرُ فحواها من الوترِ

ألا يا ثرى الأوطان أسكرني طيبك

أفقدني الرشاد في سيري وفكري

وددتُ التيه فيك يا موطنا

التيه فيك الشموخ وفخري

دعوني استحضر الجوى وصنعه

محيي ومميتا كاويا كما الجمرِ

آهٍ لو يعلم الدهر هويتي

أو يدري بها الجان والبشرِ

يتورّدَ المُحيّا إذ بانت سرائري

أزهو كآسٍ نديّة في الفجرِ

حماك الله وفي حماه أودعتك

يا زاد روحي ومالكا لأمري

والنص بمثابة لوحة فنية وطنت القصيدة بصدق المشاعر والأحاسيس الوطنية الدافئة والشفافية الجميلة، كتبته ميساء بمداد الوطن وعبق سنديانه وزيتونه وصباره، ويمتزج فيه انسياب وصفاء ونبض الروح بجمال الصور الشعرية، ورهافة المعاني، وعمق الدلالات والايحاءات والاشارات، والسلاسة العذبة، بعيدًا عن الافتعال والحشو الكلامي.

والقصيدة مترعة ومضمخة بحب الوطن الأسمر وترابه الغالي، وتزهو حروفها بالأمل والوعي المقترن بالحزن والجوى والتحدي، وتزدهي بصور فلسطينية وإنسانية تحفز إلى البذل والعطاء. وهي كقصائدها الأخرى تزاوج فيها ببراعة الحدث والانفعال الأمر الذي هيأ لها أدوات الفن الشعري الابداعي الملتزم بقضايا وهموم الشعب والوطن، ولا تعوزها الموسيقى ذات النغمات المتماوجة مع تماوج الانفعال.

تتميز القصيدة بخصيصتين اثنتين أولاهما أن ميساء العواودة ذو مقدرة شعرية واضحة وموهبة ينتظرها المستقبل، يتبدى ويتجلى ذلك في عمق تعابيرها وصورها الفنية المشحونة بصدق الانفعال بالواقع، وتفاؤلها الظاهر لا تغالبه أو تداخله السذاجة، إذ انها تدرك أن الفجر قادم يومًا، ولذلك لا تسقط في جب اليأس.

وما يسم القصيدة العفوية والتجربة العميقة وخصوصيتها، وتقوم على شدة وحدة الانفعال بالموقف، ووضوح الرؤيا، وقوة التعبير، واللفظة الموحية والتكثيف الفني.

والتحام ميساء العواودة بالأرض والتراب ذو طابع عفوي شفاف، ووليد العاطفة الخالصة الشديدة والشعور الوطني، وهي تؤمن أن حياتها جزء من وجودها وهذا حسبه يؤكد الصلة الوثيقة بها.

ميساء العواودة اجادت ونجحت في تقديم نص جميل معبر يشير إلى تمكنها من أدواتها التعبيرية وكيفية انتقاء مفرداتها وتوظيفها في جملتها الشعرية.

فللصديقة ميساء العواودة أجمل واعطر التحيات، وتمنياتي لها بمواصلة العطاء، والمزيد من الإبداع والتألق والتميز، وإغناء تجربتها وخطابها الشعري، وإلى الأمام، ونحن دومًا بانتظار الأجمل.

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .