كانت الصديقة الكاتبة الفلسطينية المقدسية من أصل فحماوي، الطالبة الجامعية رهف عز الدين السعد “، أهدتني مشكورة، باكورة أعمالها الروائية بعنوان “ليت”، الصادرة عن مكتبة ودار نشر ” كل شيء ” في حيفا، لصاحبها الناشر صالح عباسي. وقد شدتني حكايات وشخوص الرواية وتطورات الاحداث فيها، وأسلوبها المشوق ولغتها الرشيقة.
تقع الرواية في 197 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل غلافها لوحة للتشكيلية صفاء دبس، والتصميم لشربل الياس. وكتب مقدمة لها الأديب ابراهيم جوهر، الذي كان قد درّسها موضوع اللغة العربية، مقدمًا تلميذته صاحبة الموهبة، ومعرفًا بها، ومفسرًا معنى عنوان روايتها “ليت”.
تتناول الرواية هموم المجتمع، وتطرح قضايا وموضوعات اجتماعية من الواقع الحياتي المعاش في المجتمعين الفلسطيني والعربي، وتدور أحداثها حول الصراع بين الخير والشر، بين الحب والكراهية، دون ذكر للزمان والمكان، وتنتهي بانتصار الحب على الكراهية، والخير على الشر.
شخوص الرواية تتداخل فيما بينها، وتتبادل الأدوار والقصص والحكايات، وتتراوح بين الشخصية السلبية والايجابية. وأبطالها هم: راضي (الأب)، صابرين (الأم)، حسام وشريف (الأخوين)، دلال وناي (الأختين)، داغر (العم)، ورياض شديد (الجد). وتنجح رهف في اعطاء كل شخص الدور الملائم المنوط به، الذي يناسب تطورات الاحداث في الرواية.
وتحتوي الرواية على غالبية العناصر الروائية، وفيها نفس طويل، وهي ذات طابع سردي، وتدل فكرتها ولغتها على سعة ثقافة رهف السعد، وعلى نضوجها الفكري والعاطفي والذهني، ومعايشتها للأحداث، وفهمها وادراكها الواعي لما يجري في محيطها الاجتماعي من مشاكل وصراعات وأزمات اجتماعية عميقة.
تلجأ رهف السعد إلى أسلوب الرسائل الورقية بين عدد من شخوص الرواية، وتستخدم الكثير من المحسنات البلاغية، وتكتب بلغة فصيحة بليغة باذخة مطعمة بالقليل من العامية، وتوظف التناص الأدبي، وتجيد اختيار بعض المقطوعات الشعرية لتخدم الغرض والهدف المنشود، للشاعر الفلسطيني سميح القاسم.
ويستمتع قارئ الرواية بالنسج الشائق واللافت لصيرورة الأحداث، وتزاحم الصور، وقوة اللغة، ودقة الوصف، وجمال التراكيب، والأسلوب الماتع المكتنز بالعبارات البلاغية والمحسنات البديعية.
ورغم بعض الهنات، وقلة السرد، وكثرة الحوار في الرواية إلا انها تبقى تجربة ناضجة في مجال الكتابة الروائية، وخاصة أنها العمل الإبداعي التجريبي الأول. ويمكن القول أنها نجحت في تقديم رواية اجتماعية واقعية، تصور وتجسد واقعًا إنسانيًا ضمن حياتنا الاجتماعية وحياة مجتمعات أخرى.
إنني إذ أهنئ الصديقة رهف ابنة صديقي الشاعر المبدع عز الدين السعد، وكما يقال فرخ البط عوام، وهذا الشبل من ذاك الأسد، أتمنى لها النجاح والتوفيق في أعمالها القادمة، فقد أثبتت بعملها الروائي “ليت”، أنها موهبة تمتلك الأدوات واللغة والعناصر الفنية، التي تؤهلها أن تكون كاتبة ناجحة في المستقبل، ولها مني كل التقدير، وقدمًا إلى أمام.