كتب شاكر فريد حسن:
توفيق حلبي شاعر وزجال ، ومن رجالات المنبر الزجلي المتميزين البارعين في القول الزجلي بألوانه المتعددة، يحمل التعبير الشعري المرتجل إلى جمالياته القصوى.
نهض من دالية الكرمل، تعلم في الكلية الارثوذكسية وفي ثانوية الدالية ، وتخرج من جامعة حيفا ، ويعمل ممرضًا مؤهلًا في مستشفى شاعر منشه منذ 28 عامًا . أسس جوقة “الامل” في التسعينيات، ثم فرقة “البيادر”، كُرّمه اتحاد كتاب فلسطين ضمن كوكبة من ثلاثين شاعرًا مجيدًا تركوا بصماتهم على المشهد الثقافي والمسرح الزجلي وأثروا فيه.
ويعد حلبي من المحركين لظاهرة الحفلات والأمسيات الزجلية على طول البلاد وعرضها، وفي الأردن والمناطق الفلسطينية المحتلة. وقد أحيا الكثير من حفلات الزجل في الجليل والمثلث والكرمل وعمان والمغرب، وشارك مع الراحل زغلول الدامور في احياء عدد من الحفلات في الاردن.
وفي أشعاره وأزجاله يتناول توفيق حلبي مختلف المواضيع، ويطرق شتى الأبواب، اجتماعية ووطنية وسياسية وعاطفية وغزلية ورومانسية ووصفية ومناسباتية ورثائية .
غنى للأم، وناجى الفراشات، وحاكى الحب، وهتف للكرمل وعكا الأسوار، وترنم بالميلاد، وهجا داعش ، ورثا الأحبة والمعارف والاصدقاء.
وما يميز أشعاره وأزجاله احتواؤها على الكثير من توصيف مشاهدات الحياة الشعبية، وتعبّر عن إحساس انساني ووطني عالٍ ، ومشاعر حميمة نبيلة .
ويتصف توفيق بالرقة والعفوية وسلاسة التعابير والاصطلاحات والتعلق بالتراث، والارتجال، والبراعة في نقلنا إلى عمق حياتنا وأرضنا وريفنا وعاداتنا الشعبية .
وهو يتعبد الطبيعة ومظاهرها، ويعشق ألوانها وأوجاعها، ويترنم بأناشيدها، ويلتقط الصور كما يلتقط الرسام الماهر أصول لوحاته. كيف لا وهو يعيش في دالية الكرمل الرابضة كالعروس على جبال الكرمل الخضراء، حيث المناظر الطبيعية الخلابة الساحرة، التي تشكل مصدر وحي والهام للشاعر. ونجده يكثر من التغني بالعلم والكرم والكرامة والقيم الايجابية والعادات العربية الأصلية، ويدعو إلى التمسك بها، والى نشر المحبة والوئام بين الأديان.
ومن روائع شاعرنا توفيق حلبي اخترت هذه القصيدة الرومانسية اللطيفة، حيث يقول:
شُفّتكْ طِلوعْ الشَّمسْ أَوَّل شَهِرْ نيسانْ— مِثلْ الفَراشِه الْ ما بَين الزَهر المّنَدّي
تْطيري بِمرِج الصِّبَا وتنفِّضي الجِنْحَانْ—وإنتي بِسِحِرْ الغِوى وْبِالروحْ معتدّي
مَرّه تُغطّي بْهنا، توَعّي زَهرْ غَفْيانْ——ومَرّه صلاة الفَجِر، بِخشوعِك تأَدي
بلّشت أُركض وَرَاكي بْلهفة الصُبيانْ—-وحِلم البراءَه وبِحِضنْ مْروج مِمْتَدّي
بَلكي كَمَشْتك عَ قَصْفة زَهرْ أو رِيحانْ—وصُرتي مَلاكي وعطِر الروح بيندّي
نْهاري قَضَيْتو رَكضْ حتّى صُرت هَلكانْ—طَوّي حِرام الوقِتْ مِدّي بَعدْ مِدّي
اسْتَسْلِمتْ مِثل اليَأسْ عَ مخدِّة الحِرمَانْ—و”رُوحي”بِصَوتي صِحِتْ، والصَوتْ بيوَدّي
ومْسكتْ زَهْرِه حَلاكي الْ عِطرْهَا سَكرانْ—شمّيت مِنْهاَ عَبيركْ و تاعَبَقْ خَدّي
ومَطْرَحْ ما طَيْفِكْ مَرَقْ نِمتْ وأنا قلقانْ—ووِعْيتْ عِيون الهَنا وإلّا شُفتْ حَدّي
أجْمَلْ فَراشِه بِمرج العاَطفه الرَّيّانْ —هدِّتْ عَ زَهْرِة حَنَيني بحُبّ ومْودّي
تناغي بعِيون الوْعي وِبْخَاطري الوِجْدانْ—ويقلّي يَ إبني المَرا بالليّن والشدّي
مثلْ الفراشه الجَميله الْ زاهيه الألوانْ—-كُلمَا وَراها رَكَضِتْ بْروح مِحْتدّي
بِتْغيبْ عَنّك غَصِب غَيبة حِلِم هَربانْ—بتِسْقيكْ كاسْ الجَفاَ وجُرعَاتها الحَدّي
لاكِن تْرِكْها وَقْتْ،يا عاشِق الوَلْهانْ—بترجَعْ بِحُبّْ ورِضَى عَ كِتْفَكْ تْهَدّي
توفيق حلبي فنان مبدع يتمتع بذائقة فنية راقية، في صوته نكهة الجبل، ورائحة السريس، وعبق زجل اللبنانيين، يكرس أشعاره لنشر المحبة والتسامح في المجتمع. رسخ اسمه في وجدان الذائقة الشعبية، وأضاءت كلماته مساحة في القلب، لتحفر عميقًا في الذاكرة والقلوب، وتشكل تجربته الزجلية علامة فارقة في مسيرة الشعر الشعبي العامي والزجلي في بلادنا.
فللصديق الشاعر الزجال الكرملي توفيق حلبي خالص التحيات، والتمنيات بالمزيد من العطاء والانتشار اكثر، وبانتظار أزجاله على صفحته الفيسبوكية على الدوام.