كان الصديق الكرملي هادي زاهر قد أهداني مشكورًا، مجموعته الشعرية ” تعويذة الحب والياسمين ” الصادرة عن دار الفاروق في نابلس .
وهادي زاهر ليس اسمًا جديدًا في المشهد الأدب والثقافي في هذه الديار، فقد عرفناه قصصيًا وروائيًا وكاتب مقالات سياسية منذ فترة طويلة، وصدر له عددًا من الكتب والأعمال الإبداعية في مجالات متعددة، وهي : ” الفخ ( مسرحية )، في مواجهة النص ( خواطر ساخرة )، الطبل والأفاعي ( مسرحيات )، أمطار أبابيلية ( خواطر ساخرة )، نقطة ضوء ( مقالات نقدية )، المغلوبون على أمرهم ( دراسة )، القاتل المجهول ( قصص قصيرة )، السر الدفين ( رواية )، الرقص على الحبال ( قصص قصيرة )، عبد الناصر وجمهورية الطرشان ( دراسة )، وكيف تواصل التنكيل بالطائفة الدرزية “.
ومجموعته ” تعويذة الحب والياسمين ” هي قصائد نثرية، جاءت في ١٢٥ صفحة من الحجم المتوسط، واهداها إلى روح المسعفة الغزية الشهيدة رزان النجار. ومما كتب على الغلاف الأخير للمجموعة: ” الأديب هادي زاهر من الأدباء الذين خاضوا التجربة الأدبية في كافة فروعها، فقد سبق وأن كتب في المقالة والقصة والمسرحية والرواية، وها هو اليوم يخوض تجربة القصيدة النثرية، عله يحقق بها رغبة كامنة في أعماقه كانت قد برزت في بعض من ابداعاته السابقة “.
وتتدفق البساطة والسلاسة واللغة الشاعرية من نصوص هادي زاهر، ويعبّر عما يختلج في وجدانه من مشاعر وأحاسيس وعواطف وأفكار بأسلوب نثري ترتكز على الاحساس والعاطفة والدلالات والاشارات والايحاءات والايماءات العميقة.
وتتضمن قصائد المجموعة مواضيع مختلفة، تأتي انعكاسًا للواقع السياسي والاجتماعي، بما فيه ايجابياته وسلبياته، فضلًا عن قصائد غزلية ورومانسية وتأملية تدل على أفق واسع وخيال مجنح، تتوشح بالوجع والألم والحزن والفرح والحنين المتوهج بألق الحب والعشق والذكريات. ونلمس الجانب الغزلي الواضح الذي يعكس روحه المتقدة بحب الحياة ورؤيته الواسعة للتأمل في جماليات الطبيعة بكل كائناتها، في قصيدته ” عبق الروح ” حيث يقول:
تعالي أقاسمك ورد الحبِ
فإن عبيره فوق احتمالي
أصوّب نبضي على غصنه
لأكون مثل هذا العبق المتعالي
……….
قلبي به أشتم الحياة
وأعلو به
وأسمو به
حقيقة نبضه خيالي
………..
أحبك يا عبق الروح
يا قطن كل هذه الجروح
ولا شيء ينقصني سوى أنتِ
ونقصي فيه اكتمالي
…………….
كم أنت بعيدة
وأقرب من قصيدة
إذا همست بها
يفيض بروحي نيلُ
مكتمل الجمالِ
والكثير من قصائد المجموعة هي قصائد سياسية ذات دلالات وطنية وروح قومية، فيحاكي بلاد الرافدين العراق، وسورية الشام، ويعبر عن مدى حزنه لأنهر الدم التي سالت فيهما، ويتجلى ذلك في قصيدته ” أبي العاصي وأمي الفرات “:
أنا العراق.. أنا سوريّا
أنا سورّيا.. أنا العراق
سيل الرافدين وبردى
أرض الحضارة أمّنا
وهذه الأنهر دمنا المراق
الذي يلتحف المدائن والقرى
حنّاء أصابع الجنّة
ورغم كل شيء فهادي زاهر يؤمن بأن الشمس ستتدفق من كل نافذة في النهاية:
رغم ما فاض من دم العروق
على هذا التراب
ما زال هذا الطريق هو الطريق
وكل شيء سواه
لا يعنيني ولا أراه
تدفقي أيتها الشمس من كل نافذة
ومن كل باب تقدسّي
تقّدسي يا عتبات العراق
وعلى سورّيا سلام العشاق
وفي نصوصه اعتزاز وفخز بعروبته، فهي زمرة دمه وشهيقه الذي يتنفس، وهواءه الأنقى والأقدس، ونستشف ذلك في قصيدته ” شربت من دمي ما يشبع ذئاب الأرض “، وكذلك هنالك غضب وتمرد وثورة على الواقع، نستشفه في قصيدته ” أنا الذي يزلزل جسد العروبة “.
ويخاطب هادي زاهر عددًا من المناضلين والأسرى، منهم المناضلة بشيرة محمود المستبشرة المبشرة، عطر الروح وبلسم الجراح والنجمة المنيرة، وعميد الأسرى صدقي المقت منديلا سوريا القابع في سجون الاحتلال، حارس الحلم الذي يشدّ أزر القبيلة ويعيد لها المكانة، والبوصلة والطريق، وسعيد نفاع الذي زرع الكبرياء في النفوس، ابن بلادنا المقدسة وأميرها الشجاع.
ويكتب هادي زاهر كذلك عن الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، وعن عهد التميمي، والمرحومة ايمان جميل حلبي. ويكرس قصيدة للمسعفة الغزية ” رزان النجار “التي استشهدت برصاص الاحتلال، فيها الكثير من معاني ومشاعر الحزن والأسى والشجن:
هي ” رزان ” الرزينة
حين يقرع جرس الجريمة
تراها في كل أزقة المدينة
تضمد الجراح تطهرها
من سموم الأنياب اللئيمة
” رزان ” الجميلة الوسيمة
ابنة بلادي الحزينة
سقطت شهيدة فوق التراب
من سرق الحياة منك يا عروس
وأنت منذورة لإضاءة القنديل
في هذا الليل الطويل
لك الآن تنحني كل الرؤوس
على عتبات العالم المنحوس
وفي قصيدة ” ثمة أيام سعيدة ” يرسل بطاقة حب للشاعر العراقي الغاضب مظفر النوّاب ، الذي اشتهر بوترياته الليلية، ويبوح له عن حال أمتنا المجيدة وما وصلت اليه من تردٍ، فلنسمعه يقول :
يا مظفر النصر وانتصار القصيدة
جئت كي أبوح لك .. إن هذه الامة المجيدة
كم هي بحاجة لصوتك العذب
لقاموس بوحك .. لنهاوند صدحك
لهذا الثنائي البهي الخصب
يا مظفر النصر وانتصار القصيدة
جئت كي أرفع صوتي
في غروب حياتي
في شروق موتي
بالله قل لي : متى تنهض أمتنا الشهيدة
وترفع بيرقها العالي فوق الثرى
على الهضبات والمنحدرات
على سطوح المدن وشرفات القرى
وفي المجموعة أناشيد حب للوطن ومدنه الجميلة، الذي تعمد بالدماء وظل كما أنجبته السماء، المكلل بالجمال، وللقدس الجريحة، ولعكا مدينة الأسوار، خاصرة البلاد وروح الوطن، البعث والحياة، التي يصفها قائلًا:
وتشهد الخليقة.. يشهد الكون
أنها لم تتغير ولم تبدّل اللون
كنعانية الحواري والأزقة
عربية الهوى والانتماء
كبغداد .. كدمشق .. كمكة
فنارتها دليل المرافئ
بوصلة التائهين في أرض الغربة
ومناراتها تضيء الشواطئ
بالنور والمحبة
ويوظف هادي زاهر في قصائده أسماء ورموز وأمكنة ومواقع تاريخية لتخدم غرضها ورسالتها وأبعادها، كصلاح الدين ومانديلا والمسيح وكنعان وداحس والغبراء ومكة وبغداد ودمشق وبردى وغير ذلك.
وتتراوح قصائد المجموعة في طولها ونفسها ومستوياتها، بين الضعف والقوة، وبين المزاجية الانفعالية والتأثر والتلقائية والعفوية. ولكنها تبقى قصائد خفيفة الظل، واضحة، من السهل الممتنع، بسيطة، بدون تعقيدات ولا فذلكات لغوية، لغتها رشيقة، وبأسلوب عذب.
وفي الاجمال يمكن القول أنها فعلًا تعاويذ حب وياسمين، وهمسات ناعمة، ونفحات أنفاس غاضبة، وترانيم وهتافات في عشق الوطن، تنوعت في غاياتها وتباينت بوضوح نزعاتها.
تحية للصديق ابن عسفيا، الشاعر والكاتب هادي زاهر، مع أجمل التهاني، وأطيب الأمنيات بالتوفيق والعطاء والابداع.