أقام نادي حيفا الثقافي يوم الخميس 10.01.19 أمسية إشهار كتاب ” لن يتغير ما نحن فيه ما لم نغير ما بأنفسنا” لكاتبه ابراهيم مالك ابن قرية كفر ياسيف الجليلية.
كانت بداية الأمسية لمسة وفاء للشاعر المرحوم مفيد قويقس الذي فارقنا مؤخرا، قدمها صديقه وتوأم روحه الشاعر أنور خير وذلك من خلال قصيدة رثاء ألقاها بعد أن قدم كلمة موجزة عن سيرته الأدبية. وختم المرثية بوعد تخليد شعره مذهبا وكتابا.
وبطلب من رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة وقف جميع الحضور دقيقة صمت عن روحه.
قدم بعدها كلمة الافتتاحية شاكرا فيها المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني على دعمه غير المشروط لأمسيات النادي ونشاطاته الثقافية. ثم استعرض أمسيات النادي المقبلة داعيا لحضورها.
أما عرافة الأمسية فقدمتها الشاعرة سلمى جبران وكانت عرافة سلسة مهنية تليق بالأمسية.
وفي مداخلة رئيسة قدمها الناقد د. محمد هيبي عنوانها “ابراهيم مالك والخوف من ضياع الذاكرة” جاء، الكتابة فعل تحرّر وخلاص، ولكن يظهر أنّ الشعر عندنا، أصبح عاجزا عن القيام بهذه المهمّة، وأنّ قَدَرَ شعرائنا في الآونة الأخيرة، أن لا يجدوا كفايتهم وخلاصهم في الشعر، فيتحولوا إلى النثر، وإلى السرد بشكل خاص. وهذا ما حدث أيضا للمحتفى به، خاصة في إصداره الأخير الذي وسمه بأنّه جزء أول من عمل نثري شبه روائي، واختار له عنوانا طويلا جدا : “الملقب مطيع وولده، ازدادا قناعة، لن يتغيّر ما نحن فيه ما لم نغيّر ما بأنفسنا!”.
لقد أحسن الكاتب صنعا بالوسم المذكور، إذ إنّ ما بين أيدينا ليس عملا روائيا فنّيا، ولا هو عمل متكامل من حيث المضمون، وإنّما هو عمل سرديّ قصير، لسلسلة من الذكريات التي يبدو من طريقة سردها ولغته، أنّ الكاتب “انهرق” على تدوينها وحفظها خوفا من الآتي. فهو يرى الموت يقترب، وكما يظهر، يرى أنّ انتصاره على الموت والزمن، لا يكون إلّا بإنجاز هذا العمل. وذلك رغم أنّه لا يخاف الموت، لا بل يراه ضرورة حياتية. يقول في مقدّمة كتابه، “الشعر والفنّ كما أفهمهما”: “بدأ هاجس الموت، يُصبح جزءا من أحاسيسي الدائمة. والموت كما أفهمه ليس قدرا مفروضا بل حاجة حياة، ورغم ما فيه من مآسي، هو حياة للآخرين. فالموت، أشعر لحظتها أنّه جميل في محصّلته لأنّه يعني الولادة ويعني تجدّد الحياة” (ص 6).
هذه العبارات، تشي بفكر الكاتب ورومانسيته، حتى في حديثه عن الموت. وبالإضافة إلى ما يُحيل إليه العنوان، تشهد أنّ هدف الكتاب، على المستوى الفردي والشخصي، هو حفظ الذاكرة وخلاص الكاتب من حمولة ترهقه، وعلى المستوى الجمعي العام، هو الخلاص من حالة الجمود التي يتحجّر فيها مجتمعنا منذ قرون.
ذكريات إبراهيم مالك، ترتبط فيما بينها بواسطة شخصية الشيخ مطيع وولده سعيد الذي يُمثّل الكاتبَ نفسه، فكلاهما، الكاتب وسعيد، وُلِدا في “سمخ” في العام نفسه. ومطيع وابنه سعيد كسارديْن، يُمثّل كل منهما جيلا عاش نكبته ومنافيه. فالأول يسرد ذكرياته لأولاده كما سمعها منذ طفولته من والده، وكما عاشها فيما بعد. ويُشاركه ويدعمه ابنه سعيد، في سرد ما سمعه من الآخرين، وما عاشه بعد ولادته وتشرّده من “سمخ”. وهذا يُؤكّد أنّ الشيخ مطيع يخشى على ذاكرته أن يأكلها الضبع، ويريد أن يطمئنّ قبل موته، على حفظها في ذاكرة أولاده الذين يُصغون إليه ويسمعونه وينقلون عنه ويُكملون مشواره. لتصبح الذاكرة الفردية قبل موته، ذاكرة جمعية تتناقلها الأجيال. يقول: “كانت ذاكِرَتُهُ تنتعش وتعود، فيَجِدُ نفسه أشبه بذاك الطفل الذي كان يوما، وقد راح يُصغي لما حَدَّثَهُ أبوه، ذات زمن” (ص 4).
الاعتراف أنّ العمل “شبه روائي”، رغم كون المصطلح فضفاضا أو مطّاطيا، يُخفّف عن الكاتب محاسبة النقد له كروائي، ولكنّه لا يُجرّده من مسؤوليته الكاملة عن عمله مهما كان شكله. فهناك الكثير مما يُمكن أن يُقال حول ضعف السرد والحبكة التي تكاد تكون غير موجودة، والشخصيات التي تفتقر لأيّ ملمح روائي فنّي.
الشيخ مطيع، هو شخصية رسمها الكاتب لنقل ذكريات أجيال تواصلت أو تماهت مع ذكرياته شكلا ومضمونا وزمنا، وهي تغطّي فترة زمنية لا تكفيها شخصية واحدة. وقد رسم شخصيات أولاده، وبشكل خاص، ابنه سعيد، ليساعده على السرد، وليضمن امتداده فيمن سوف يحمل الذاكرة لاحقا.
وعودة لا بدّ منها إلى العنوان. العنوان عادة له وظائف ودلالات كثيرة منها أنّه نصّ موازٍ يُشكّل نواة النصّ ومرآته، أو خلاصته. وهذا ما يُحيل إليه عنوان الكتاب لن يتغيّر ما نحن فيه ما لم نغيّر ما بأنفسنا”.
في هذا العنوان، تناصّ واضح مع القرآن الكريم، أذ يُحيل إلى الآية الكريمة: “إنّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم” (الرعد 11). وهذا يؤكّد علاقة حاضرنا بماضينا، وأهمية ما يدعو إليه الكاتب من تغيير.
كانت الكلمة بعدها للمحتفى به، فتحدث عن ضرورة احترام الكتابة بالقراءة معبرا عن احترامه لمن يقرأ ويكتب. ثم تتطرق للحديث عن عمله شبه الروائي معربا عن قلقه كإنسان مما وصل إليه عالمنا من عنف، جشع، كراهية وعنصرية.
شكر بعدها القيمين على نشاطات النادي والجسم الداعم له- المجلس الملّي- وبارك رسالتهم.
يجدر بالذكر أنه زين الأمسية معرض لوحات فنية للفنان محمود جمل، وهو فنان من شعب درس في كلية الجليل الأعلى لمرشد مؤهل للفنون، يدرس للقب أول للفنون في كلية أورنيم. عضو بجمعية نجم الدولية، له لوحات عديدة تميل إلى كل المدارس الفنية كرم أكثر من مؤسسة فنية دولية ومحلية شاركت في العديد من المعارض خارج البلاد، مؤسس لمركز صغير للفنون بشعب يطمح في الوصول إلى العالمية.
بالتقاط الصور كان الختام على أن نعود ونلتقي يوم الخميس 24.01.19 في الأمسية العكاظية الحيفاوية 18، مع الشعراء جميلة شحادة، أميمة محاميد، نصر خطيب، كميل شقور. وعرافة الشاعر أنور خير. يتخلل الأمسية معرض لوحات فنية للمصور يوسف صباح وفقرات فنية مع الفنان والملحن أمين ناطور.