(دراسة)
- الوقفة الأولى… مع مَدخل
تناولت موضوع السلوك الانتخابيّ للعرب الدروز أكثر من مرّة وانطلاقا من إن العرب الدروز بعد ال-48، كما هو معروف، هم حالة خاصّة في المشهد العربي الفلسطيني في بلادنا، ناتجة عن سياسة مؤسساتيّة مورست عليهم بتعاون الرجعيّة بينهم منذ عام ال-1948، وبلغت الأوج عام ال-1956 حين نجح مخطط المؤسسة وأَبطلتْ عنهم الإعفاء من الخدمة العسكريّة الإجباريّة الذي كان ساريا قانونيّا على كل من هو غير يهودي وعلى اليهود المتديّنين-الحريديم.
وقد تتابعت حلقات مخطط العزل والفصل وضرب الهويّة وانعكس ذلك على مجمل الحياة وبضمن ذلك سلوكهم الانتخابي، وإن لم يختلف هذا السلوك عن بقيّة العرب جوهريّا في العقود الأولى، إذ صوتوا بغالبيّتهم للقوائم العربيّة المشتركة (سنّي- مسيحي- درزي) حينها والمرتبطة بحزب “مباي-العمل” الحاكم، إلا أنهم ظلوا بغالبيتهم خارج تبلور التمثيل العربيّ (الوطني): الحزب الشيوعي بداية ولاحقا الأحزاب العربيّة المختلفة. وما زال سلوك الغالبيّة منهم اليوم انتخابيّا خارج القوائم العربيّة، إذ تتقاسم الأحزاب الصهيونيّة غالبيّة أصواتهم لدرجة أن تندّر أحدهم ساخرا: “لو أن حمير اليهود أقاموا حزبا لوجدوا لهم بين الدروز مرشّحا ومصوّتين لهم!”.
هذا مؤشر غربة فاقعة وعزلة ساطعة عن فضائهم وعن أي انتماء مبدئي، يطول الحديث في الخلفيّات والأسباب وليست هي في سياقنا الآن، اللهم إلا الإشارة إلى ظاهرة بين طبقة بينهم، لسخرية الأقدار كلها من المتعلمين، تتبارى وتتنافس في شبك علاقات مع شخصيّات سياسيّة حزبية يهوديّة، فلكل عضو كنيست يهودي في حزب، تابعٌ له من أولئك؛ “رجل تراه كالنخل وما أدراك ما بالدّخْل”، مقاول أصوات يجرّ معه عائلته وأقرباءها تصويتا لهذا العضو في الانتخابات التمهيديّة ومن ثمّ البرلمانيّة وكلّ منهم يرى نفسه، على الأقل، عضو كنيست مفترضًا.
لقد عالجت هذا السلوك الانتخابيّ دراسيّا عقب انتخابات ال-2006 وانتخابات ال-2009 وعلى خلفيّة النتائج غير المسبوقة التي حققها حينها التجمع الوطني الديموقراطي وازدياد قوة الجبهة وخلصت إلى:
“المعطيات جديرة بدراسة موضوعية لدى القوى الوطنية بعيدة عن ” العوم على شبر ماء” ومن منطلق أسبابها ومنطلقاتها وضرورة وإمكانية الحفاظ عليها لتحويلها من مؤشر إلى بداية تحول، إلى تحول. فنسبة التصويت في الوسط العربي الدرزي عادة هي من الأعلى في البلاد وأكثر من الوسط اليهودي، وذلك ناتج عن التصويت الشخصي، فالعرب الدروز الذين صوتوا للأحزاب الصهيونية لم يصوتوا مباشرة لها وإنما انطلت عليهم مؤامرة التصويت لمرشحين دروز في هذه الأحزاب، أو اليوم ونتيجة لوجود “أتباع” من القرية أو العائلة لهم مصالح في الأحزاب وعادة وظائف، الأمر الأساس الذي رفع نسبة التصويت بينهم.
وظل مدى تأثير القوى الوطنيّة العربية بينهم محدودا لأسباب موضوعية أحدها أنها لم تلق الدعم الكافي المنهجي من الأحزاب العربية التي نشطوا فيها. فما معنى أن يمتنع عن التصويت حوالي نصف الدروز رغم أن الأحزاب الصهيونية شملت كذلك هذه المرة (عام- 2006) مرشحين دروزا في قوائمها، هكذا فعل حزب كديما وحزب العمل.”.
- الوقفة الثانية… مع بداية التغيّر في السلوك الانتخابيّ:
تمّ اختراق هذا السلوك نسبيّا على يد الحزب الشيوعي في العام 1969 عندما صوّت المئات من العرب الدروز للحزب، ممّا حدا بصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن خرجت، تعليقا، بعنوان: “حتّى أنت يا بروتوس؟!”. إلا أن هذا الاختراق عاد وتقلّص لاحقا رغم الازدياد الإضطرادي ولكن الطفيف في عدد “البروتوسيّين” المصوتين للحزب الشيوعي. عادت دالة الاختراق وارتفعت في انتخابات عام 1999 وارتفعت أكثر عام 2006 ومثالا حصد التجمع في:
بيت جن: 21% والبقيعة: 21%، (منها 91% من العرب الدروز). وساجور: 25%. وجولس12%. بلغ ما حصل عليه التجمع الوطني الديمقراطي على حوالي 5000 صوت، ورغم قلة نسبة التصويت في البلدات الكبيرة إذ وصلت في الدالية إلى %47 وفي المغار %46 ويركا %51.
لا شك أن دخول التجمع الوطني الديموقراطي بتحالفه مع حركة الوحدويّين الوطنيّين (مجموعة قطريّة كانت خرجت من صفوف الجبهة وكان الكاتب مرشّحها) إلى الساحة العربيّة الدرزيّة سنة 1999 (للذكرى وللتذكير: التجمع خاض انتخابات 1999 بتحالف مع الحركة وتحت اسم مشترك “التجمع الوحدوي الوطنيّ” انضم لاحقا إلى هذا التحالف الطيبي)، هذا الدّخول إلى الساحة وتحقيق هذا التحالف إنجازا انتخابيا من المرّة الأولى، (وقبل أن يحصل السفر إلى سوريّة)، إذ نال في بيت جن 528 صوتا، هذا الدخول ونتائجه أوجدا نوعا من المنافسة مع الجبهة شحذت همم القوى الوطنيّة التجمعيّة والجبهويّة وازداد التصويت للقوّتين مع ميل بدأ يتسع للتجمع الوطني الديموقراطي بعد أن امتزجت حركة الوحدويّين في صفوفه، اتساعا له أسباب عدّة ليس الآن المكان للخوض فيها.
يمكن اعتبار انتخابات ال-2006 نقطة بداية هامة في التحوّل في السلوك الانتخابي للعرب الدروز إذ حصل التجمع الوطني الديموقراطي كما أسلفنا على قرابة ال-5000 صوت ونسبة فاقت ال- 20% في بعض القرى وحصلت الجبهة على حوالي ال-2000 صوت. هذه الأعداد وأخذا بالاعتبار نسبة الامتناع غير المسبوقة إذ لم تتعد نسبة المشاركة ال-50% في المغار ويركا والدالية وعسفيا التي تكوّن معا 60% تقريبا من عدد الدروز، نسبة امتناع ما زالت كبيرة وللمثال في ال-2013 لم تتعد النسبة في المغار ال%39 أيضا.
هذان الأمران لا شك كانا بداية تحول له مدلولاته من ناحية ومن ناحية أخرى يضع مسؤوليّة تاريخيّة على القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة، والعربيّة عامة إذا أرادت أن تصلح خطأ تاريخيا وغُبنا تاريخيا لحقا بنا كأقليّة قوميّة في هذه البلاد تصبو لتكاملها ولاعتراف بحقوقها القوميّة الجمعيّة.
- الوقفة الثالثة… مع؛ هل كانت انتخابات ال-2009 تراجعا؟
حقيقة هي أن حصول الكائن الحيّ المسمى “ليبرمان” في هذه الانتخابات على آلاف الأصوات من العرب الدروز ليس فقط لأنه رشح درزيا وإن كان مغمورا، على قائمته الانتخابيّة، تثير مثل هذا التساؤل أو السؤال وخصوصا وأن التجمع رغم وجود مرشح “درزي” في مكان متقدم تراجع ليس بشكل كبير ولكن تراجع عن الانتخابات السابقة، والجبهة حققت بعض التقدم لكن ليس بالكبير وبالأساس على حساب التجمع (المغار والبقيعة ولأسباب انتخابيّة محليّة) ما عدا في موقع واحد هو بيت جن لم يتراجع فيه التجمّع بل تقدّم.
لسنا الآن في صدد دراسة تراجع التجمع والتقدم الطفيف للجبهة عام 2009 مع أن الاثنين حققا معا نسبة لا بأس بها قياسا للسنوات التي سبقت ال-2006 وهذا بحد ذاته أمر جيّد. رغم ذلك فبداية التغيّر في السلوك الانتخابي للدروز الذي بدأ أو على الأصح برز في انتخابات ال-2006 استمرّ في ال-2009، ومعالمه:
أولا: الامتناع الكبير الذي فاق ال-50% في التجمعات العربيّة الدرزيّة الكبرى كما ذكر، والذي لا معنى له إلا نزع للثقة عن الأحزاب السلطويّة ومرشحيها الدروز، فقد حدث هذا الامتناع رغم وجود مرشحين دروز على لوائح حزب العمل وكديما وفي أماكن مضمونة أو متقدمة. فالدروز غير المسيّسين عادة وبسبب اعتبارهم التصويت هو للمرشح الدرزي في هذا الحزب وذاك يصوتون بنسب عالية تبلغ فوق ال-80%، فهبوط النسبة إلى هذا الحد ليس وليد صدفة وإنما فقدان ثقة بالأحزاب السلطويّة ولكنهم لم يرتقوا إلى التصويت للبديل.
ثانيا: ارتفاع نسبة التصويت للتجمع في انتخابات ال-2006 بنسبة 300% ومحافظة الجبهة على قوتها معلمان آخران لا يقلان أهميّة عن الأول بل أكثر أهميّة، وإذا استُثمرا بشكل صحيح وإذا توفرت النيّة لدى الأحزاب العربيّة لتصحيح الخطأ والغبن التاريخيين، فلهذين المعلمين أبعاد كبيرة على مجمل مسيرة عرب الداخل الوطنيّة والحياتيّة.
في انتخابات ال-2009 للكنيست ال-18 حاولت الأحزاب الصهيونيّة التقاط أنفاسها وإعادة العرب الدروز إلى الحظيرة خصوصا وقد شهدت الفترة البينيّة أحداثا هامّة في البقيعة وفي قضيّة أراضي الكرمل وأراضي يركا وفك الدمج بين عسفيا والدالية وكان عنوان كل هذه القضايا “عضو الكنيست العربيّ الدرزيّ- الكاتب”، عملت هذه المؤسسة موجهة من المخابرات على إعادتهم للحظيرة عبر وضع أربعة مرشحين على لوائحها في أماكن مضمونة أو قريبة، ولكن كل هذا لم يستطع أن يغيّر من الحقيقة الأولى: “نسبة الامتناع” لا بل فإن النسبة ازدادت.
ففي المغار بلغت النسبة 34% فقط وبالذات بين الدروز، وفي الدالية وعسفيا بلغت النسبة 44% وفي الكثير من المجمعات الأخرى لم تتعد ال-51% عدا القلّة ك- بيت جن ويركا وشفاعمرو وحرفيش. وبالمجمل كان عدد المصوتين الدروز الكلّي 65540 مصوت صوّت منهم 33620 مصوت أي فقط %51 منهم.
والأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الصهيونيّة هذه المرّة لم تزد لا بل نقصت بسبب ازدياد نسبة الامتناع وكل ما كان هو تبادل أرقام فيما بينها فأصوات الكائن ليبرمان هي من كديما والليكود وذلك كتصويت فرديّ للمرشح، ولكن الحقيقة التي غابت عنّا ويجب أن نتحمل مسؤولية ذلك، أن ليبرمان دخل الساحة الدرزيّة طريقة الخاصرة الضعيفة للمجالس بالنشاطات الشبابيّة والمنح الدراسيّة والدورات التدريبيّة عن طريق جمعيّة كان يرأسها مرشحه شكّلت أكبر حركة شبابيّة هي “الشبيبة الدرزيّة”!!!
- الوقفة الرابعة… مع انتخابات ال-2013.
لم ترق الأحزاب العربيّة إلى التحدّي المطلوب الذي ظهر أو انتجته انتخابات العامين 2006 و2009، فالجبهة لم تستثمر الأمر كما يجب وإنما جزئيّا ورغم ذلك ضاعفت قوتها وكان بإمكانها كثيرا أكثر، أمّا التجمّع فقد استعاض عن العمل المبدئي بين العرب الدروز بعمل انتخابيّ فوظّف مركزّا للدروز (يذكرنا باللواء الدرزي في حزب العمل) (راجع بيانا صدر حينها عن “جماعة التجمع الدروز” نشر في موقع بكرا يؤكد ذلك وعلى لسانهم)، أمّا الموحدة فغائبة كليّا عن هذه الساحة وأسبابها معروفة ومؤسفة في آن.
ولعلّ في النتائج في القرى العربيّة الدرزيّة “الصرفة” البيّنة على عدم الرّقي بالتحدّي فجاءت النتائج في هذه الانتخابات مقارنة مع التي سبقتها كالآتي:
بيت جن: التجمع: %21 عام 2006 و%28 عام 2009 و%7 عام 2013.
الجبهة: %2 عام 2009 و%3 عام 2013.
جولس: التجمع: عام 2006 %12 وعام 2009 %8 وعام 2013 %2.
الجبهة: عام 2006 %0 وهكذا عام 2009 وعام 2013 %2.
حرفيش: التجمّع: عام 2006 %1 وهكذا ال-2009 وفي ال-2013 0%.
الجبهة: عام 2009 %1 وعام 2013 %3.
يانوح- جث: التجمع عام 2006 %1 وهكذا العام 2009 وفي العام 2013 %0.
الجبهة: عام 2009 %1 عام 2013 %3.
يركا: التجمع عام 2006 %2 وهكذا عام 2009 وفي العام 2013 %3.
الجبهة: عام 2009 %9 وعام 2013 %39.
طبعا هذه النسب (ال-2013)، عدا في بلدة يركا، هزيلة أصلا بكل المعايير، ولكن الأهم أنها تشكلّ بالمجموع تراجعا في الأصوات للأحزاب العربيّة عن سنوات ال-2006 وال-2009 وهذا هو الأمر المقلق أكثر. ( التجمع نال حوالي ال-800 صوت من العرب الدروز وما نالته الجبهة حوالي ال 4500 صوت).
- الوقفة الخامسة… مع المشتركة 2015!
الأرقام الرسميّة المذكورة والتي ستُذكر واعتمادا على موقع لجنة الانتخابات المركزيّة، في القرى الدرزية “الصرف” وذات الأغلبيّة الدرزيّة العظمى، تشير إلى حقيقتين مهمّتين:
الأولى: التدني في نسب التصويت.
التدني في نسب التصويت والذي بدأ قبل عدة دورات، إلى حدود لم يشهدها الشارع العربيّ الدرزيّ سابقا، فكانت النسب عند الدروز هي الأعلى في البلاد وذلك بسبب التنافس بين مرشحين دروز على لوائح الأحزاب الصهيونيّة بدء بالمرحومين صالح خنيفس وجبر معدّي. ولكن وقبل دورات عدّة ورغم كثرة المرشحين الدروز تدنّت النسب بشكل كبير وغير مسبوق كما أشير أعلاه، وعودة لمثال ذكرناه: ففي انتخابات ال-2006 وصلت في الدالية إلى 47% وفي يركا 51%. وفي انتخابات ال-2009 بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع الدروز 65540 صوّت منهم فقط 33620 أي 51%، تنافس عليها أربعة (4) مرشحين في أحزاب صهيونيّة، ورغم ذلك فقد حصل التجمّع بمرشّحه الموقّع أدناه على آلاف منها وحلّ ثالثا للحقيقة والتاريخ، بفارق قليل عمّن سبقه.
وما كان الحال في انتخابات ال-2015 والمشتركة؟
يركا %65 (منها مرشح-المشتركة)، الدالية %57 (منها مرشحان- الليكود وكحلون)، ساجور %54، عين الأسد %59، بيت جن %53 (منها مرشح- المعسكر الصهيوني)، حرفيش %52، كسرى سميع %65، يانوح جث %53%، جولس %59. (هنالك مرشح إضافي- ليبرمان من شفاعمرو إضافة لكُثر من المرشحين في أماكن غير واقعية في أحزاب أخرى).
أمّا الحقيقة الثانية: التراجع في الصوت الوطني.
بيت جن: انتخابات ال-2006 (التجمع 21%) ال-2009 (التجمع %28 الجبهة %2 ومعا %30)، بينما في ال-2013 (التجمع %7 الجبهة %3 ومعا 10%)، وفي ال-2015 (المشتركة 5.7%).
جولس: انتخابات ال-2006 (التجمع %12) ال-2009 (التجمع %8) ال-2013 (الجبهة والتجمع%4) ال-2015 (المشتركة 5.5%).
حرفيش: انتخابات ال-2013 (الجبهة %3) ال-2015 (المشتركة %9).
يانوح جث: العام-2013 (الجبهة %3) العام 2015 (المشتركة 5.5%).
يركا: العام 2013 (الجبهة %39 والتجمع %3 ومعا %42) العام 2015 (المشتركة %36).
وبمجموع الأصوات: ال-2006 (الجبهة والتجمع 7000-7500 صوت) العام- 2015 (المشتركة 4700-5000 صوت ورغم الزيادة الطبيعيّة).
- الوقفة السادسة… مع خلاصات.
رغم أن الأحزاب الصهيونيّة وبدعم أو صمت “دروزها” هي أساس كلّ البلاء المبتلى به العرب الدروز. لكن هاتان الحقيقتان، حقيقة أن قرابة ال-%50 من العرب الدروز أو على الأقل غالبية هؤلاء “قرفوا” من الأحزاب الصهيونيّة ومرشحيها، ولم ينتقلوا إلى الأحزاب العربيّة ولو من باب الاحتجاج، وحقيقة التراجع الاضطرادي في الصوت الوطنيّ الدرزي منذ ال-2006، بحاجة إلى جرد حساب عسير لدى القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة (الساسة والكتاب والشعراء والأكاديميّين والمفكرين)، بعيدا عن الذاتيّات والانطواء.
أليس دور القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة التعامل مع هاتين الحقيقتين؟! ألسنا بحاجة لحساب نفس لماذا لم نستطع أن نستقطب ولو حتى جزءا يسيرا منهم؟! والأدهى كيف يمكن تفسير التراجع في الدورة (2015) وما قبلها (2013) عن التقدم الذي حصل في الدورات السابقة (2006و2009)؟! أوليس التشظي في الحركة الوطنيّة الدرزيّة وغياب الهيبة هما السبب؟! أم أن القضاء والقدر المسؤولان مثلا؟!
بين القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة رموز في الحركة الوطنيّة العربيّة العامة وفي الصّف الأول، ورغم ذلك لم تستطع حتّى الآن فعل اختراق جدّي في الساحة العربيّة الدرزيّة. صحيح أن هنالك ظروفا موضوعيّة تراكميّة عمرها عقود، ولكن هذا لا يعني إعفاء من المسؤوليّة وبالذات على ضوء نتائج ال-2006 وال-2009 والتراجع في ال-2013 وال-2015. ربّما تكون الفرصة سانحة الآن لإعادة تقييم جذريّ للعمل بعيدا عن الآراء المسبقة والانطلاق بترسيخ وحدة هذه القوى وترسيخ الإيجابيّ من المشاريع كمشروع التواصل مثالا لا حصرا، والخروج من أنماط العمل المحافِظة التقليديّة.
المطلوب هو لقاء تُطرح فيه الأمور بكل صراحة وشفافيّة يتلوه مؤتمر يؤسس لانطلاقة جديدة تكتيكيّا واستراتيجيّا. إن تأتى هذا، فلن يكفي إن استمرّت القوى العربيّة الوطنيّة بالتعامل مع هذه الساحة وقواها الوطنيّة ك- “كمالة عدد” في ساحة ميؤوس منها وعبر مقاييس انتخابيّة تصويتيّة تأخذ بالحسبان المكسب الالكتورالي، وليس عبر معايير وطنيّة بعيدة النظر ومعزولة عن السلوك الانتخابيّ الآني. ولن يكفي إلا باستثمار جهد خاصّ في هذه الساحة يرفد القوى الوطنيّة بينهم بمقومات عمل تعطيهم الإحساس والقدرة على نقل هذا الإحساس، أنها القوى الوطنيّة والساحة، من “عظم الرقبة” و-“من أهل البيت” والجبهة المطالبة أولا بذلك.
هذه مسؤوليّة وطنيّة من المستوى الأعلى لأن البيت لن يكمل دون جزء منه مهما تخيّل بقيّة سكانه أنه كامل الأوصاف، أولم يقل السيّد المسيح (ع) ببعض تصرّف: “إن الحجر الذي أهمله البناؤون يمكن أن يكون حجر الزاوية”؟، وحتّى لا أُفهم خطأ، ليس العرب الدروز بهذا الحجر ولن يكونوا، ولكن وفي سياقنا مثلنا الشعبيّ يقول: “الصرارة (الحجر الصغير جدا) تسند البنيان”. وأخيرا: ألا تستحق هذه “الصرارة” حفاظا عليها على الأقل سندا للبنيان؟!
- الوقفة السابعة… انتخابات ال-2019 وقانون القوميّة.
قانون القوميّة شكّل لطمة لا بل بصقة ومن العيار الثقيل على سِحن كل “القيادات” الدرزيّة التقليديّة، مؤيّدي المؤسّسة والسائرين في ركب أحزابها الصهيونيّة، وكشفت “عوراتهم” وما بلّعوا غالبيّة الناس به طِوال عقود عن “حلف دم” مرّة وعن “الدولة مليحة بس الحقّ علينا” وإلى ما هنالك من خزعبلات. ولن تنظّف أثر اللطمة وبقايا البصقة، مظاهرتهم الكبرى في تل أبيب في آب 2018، ولا الكلام الذي قيل فيها، ولا مزاوجة العلم الدرزي فيها مع علم الدولة، ولا مهرها بالنشيد الوطني- هتكفا والنفس اليهوديّة الهائمة، ولا مشاركة بعض القوى الوطنيّة فيها!
قانون القوميّة يُمكن أن يشكّل نقطة انطلاق وتحوّل في الصّف؛ الوطني و\أو القومي و\أو التقدّمي و\أو اليساري و\أو النهضوي و\أو غير التقليدي، (سمّه ما شئت) إن أحسن كلّ هؤلاء العمل والتعامل فيما بينهم. ولكن لا بشائر ملموسة، و-“دقّ المي وهي مي”، وما كان قبل القانون هو ما بعده، فها مرّ على سنّ القانون أشهر و-“اللي نحن عليه نحن عليه”، وهنالك من يعمل على إجهاض كلّ محاولة أو اقتراح لعمل علميّ مشترك مدروس، اللهم إلا إذا قام الكلّ بتقديم قسم الولاء والطاعة غير المشروطة لهم ولعقيدتهم، فهم وهي محور وأصل العمل الوطني، هم وهي البداية والنهاية، وكلّ ما عداهم وعداها زبد ذاهب جفاء!
التنبّؤ قول خطِر والفاعل مجازف، ولكني سأجازف وأقول:
الأحزاب الصهيونيّة بمرشّحيها سوف تجرف غالبيّة الأصوات الدّرزيّة وفي صلب طرح تجّارها سيكون، وللسخريّة، قانون القوميّة بالذات والقول المرادف؛ يجب أن نعزّز تمثيلنا حتى نستطيع تجميل القانون بإدخال المساواة للدروز فيه وسينجح ذلك. أليس هذا مطلب المظاهرة؟!
المشتركة في أحسن أحوالها ربّما تحافظ على ما حقّقت في انتخابات ال-2015، بمرشّح “درزيّ” وبدون مرشّح مع مناوبة وبدون مناوبة!
النتيجة الوحيدة العينيّة من قانون القوميّة هي زيادة نِسب الامتناع عن التصويت عمّا كانت في الانتخابات السابقة والأسبق، أمّا بكم فهذا يصعب التنبّؤ به وحصرُه.
- الوقفة الثامنة… مع فشل النبوءة.
أتمنّى فعلا أن تنقلب نبوءتي شرّ منقَلبٍ، ولكن ألم يقُل من هم أدرى منّا؛ “ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه – تجري الرياح بما لا تشتهي السفُن” أو بما أعجز آخر؛ “ربّ امرىء حتفه فيما تمنّى”. أكيد لن يكون حتفي فيما تمنّيت لا بلّ سيكون فيه ما أحبّ، ولكن كي تُكبح الأرياح جرت كما تشتهي السفن أم لم تجرِ كما تشتهي السُفن على الربابنة أن يُوحّدوا أذرعهم في القبض على الدّفاف أولا ومن ثمّ توجيهها في وجه الأنواء.
ومن الكلام الإنشائي إلى الكلام السياسي (انظر كذلك الوقفة السابعة أعلاه)، إذا أحسن ربابنة المشتركة نظرتهم نحو العمل الوطنيّ بين العرب الدروز، وإذا أحسنوا والوطنيّون الدروز بينهم إيجاد آلية في صلبها البرنامج الوحدويّ المشترك والعمل الوحدويّ المشترك، فحظوظ النبوءة في الفشل كبيرة وحينها سيكون قانون القوميّة أحد الروافع الهامّة.
سعيد نفاع- sa.naffaa@gmail.com
أواخر كانون الأول 2018