وجه في الذاكرة.. هايل عساقلة القصيدة الفلسطينية التي لم تكتمل 

بقلم: شاكر فريد حسن

المرحوم هايل عساقلة من الأسماء الأدبية الملتزمة، وأعلام الشعر الكفاحي المقاوم في بلادنا، ينتمي إلى جيل الستينات الأدبي، جيل فاروق مواسي وحسين مهنا وعبد الرحمن عواودة وفتحي القاسم ونزيه خير وعفيف صلاح سالم وسواهم.

لم يعمر هايل عساقلة في واقع الحياة طويلاً، فقد اعتل ومرض بالداء القاتل، ووافته المنية وهو في أوج العطاء والابداع.

عرفنا هايل انسانًا مناضلًا ومكافحًا عنيدًا، من خلال عضويته في الحزب الشيوعي، رافضًا للخدمة العسكرية، مفضلًا السجن والاقامة الجبرية التي فرضت عليه نتيجة مواقفه الجذرية الجريئة.

وعرفناه شاعرًا موهوبًا مبدعًا خلاقًا وطنيًا يساريًا صادقًا ملتزمًا بقضايا وهموم شعبه الوطنية والطبقية. وقد نذر قلمه الشجاع للشعر والنثر لمحاربة القهر والظلم والاضطهاد، ولمناصرة الحرية والعدالة الاجتماعية.

هايل عساقلة من بلدة المغار الجليلية، ولد سنة ١٩٤٣، وفيها عاش وترعرع، وتوفي في الثاني من أيلول العام ١٩٨٩. أنهى دراسته الابتدائية والثانوية، بعدها زاول الأعمال الحرة، وتثقف على نفسه.

مارس الكتابة ونشر نتاجاته وكتاباته في الصحافة الشيوعية ” الاتحاد، الجديد، الغد “، واتسم شعره بنزوع وطني وقومي واضح، والتزام سياسي وفكري- طبقي.

صدر له : نار على الجبل ” عن دار عربسك حيفا سنة ١٩٨٠، و” صباح الوطن ” و ” وثورة على الخليفة ” عن منشورات دار الأسوار العكية.

آمن عساقلة أن الكلمة الصادقة الملتزمة الرافضة والواعية هي سلاحنا الحاد البتار في مواجهة كل محاولات سحق وتذويب الهوية وطمس معالم حضارتنا وتراثنا العريق وتزييف التاريخ لشعبنا، بعد أن سلبوا أرضه وحرموه من الوطن ومنعوه أن يحتضن راية، ويردد نشيدًا، فتماهى مع الكلمة الغاضبة الرافضة، وجاءت قصائده لتطرح معاناة وهموم شعبه ووطنه، وتصور الوجع الفلسطيني والوضع المأساوي المليء بالأحزان والجراح.

حفلت قصائده بمفردات العشق للوطن، والتركيز على المحاور النضالية، مسكونًا بالوطن، ومجبولًا بكل ما فيه من تراب وأشجار وينابيع وأمكنة، ولنسمعه يقول:

سأكتب عنك يا وطني،

نشيدًا ما له آخر

نهايته:

إلى ان تشرق الأنوار

تلثم خدّك الطاهر

واجعل من حروف الشعر

نارًا تحرق الجلّاد

وتبعث عطر أمجادٍ

وعرس النصر والأعياد!

إلى ان يشرق الغجر

إلى أن يبسم السّرّيس

والفولاذ

إلى ان تهدر الأمواج،

والطوفان،

والمطر،

سأكتب عنك اشعاري

وأسكبها…

حروفًا من دم الشهداء والنارِ

وأجعلها..

قلائد مرمر تمتدّ..

من عنق الصباح غدا

إلى أسلاك أسواري!

هايل عساقلة التحم بالقضية الوطنية المعاشة، وكرس لها كل همه واهتماماته، وشغلته قضية الانسان وحريته في كل بقعة من بقاع العالم، وأعلن جهارة انحيازه إلى الفقراء والعمال والطبقات الكادحة المسحوقة، وانتصاره لقضيتهم الطبقية، أفليس هو القائل:

طريقي كله صعب ولكن

أنا جيل الكفاح فهل أفر؟

نذرت لرايتي الحمراء عمري

ويرخص في سبيل الحق عمر

وفي شعر هايل عساقلة جمال لغوي مدهش وساحر، فهو يستوعب التجربة ويحيلها إلى رؤى عميقة زاخرة بجمال المعنى والمغنى. فلنصغي إليه وهو يناجي حبيبته الأبدية فلسطين، ويبوح لها بالحب والهم والهوى المقيم في قلبه وروحه:

عشقتك في عذابك، فاعشقيني

وفي وجع حضنتك فاحضنيني

عشقتك والذئاب بكل درب

تمزق في الصدور وفي البطون

عشقتك فوق حد السيف عاما

وأعواما عشقتك في السجون

على شفتيك مطعونا أغني

عزائي فيك أنك لم تهوني

….

على درب اللقاء أنا انتظار

ومنديل على الدرب الحزين

إذا اغتصبوا شفاهك ثرت حقدا

ضربت على الشمال، على اليمين

كروم اللوز سيجها فؤادي

لتبقي في الفؤاد، وتسكنيني

كبرت على انتظارك، طال عمري

فلم أهرم ولم يفتر حنيني

كلي قلبي إذا ما جعت يوما

وإن عطشت شفاهك فاشربيني

ما يميز هايل عساقلة شفافيتة وصدق كلماته وصفاء تعابيره، فضلًا عن أسلوبه الواضح، بعيدًا عن الابهام والرمزية والغموض والابتذال والشعارات الصارخة، فيعرض المعنى من غير تكلف وبدون جهد، فتأتي ألفاظه سهلة، سلسة، رقيقة، وجزلة. شعره ينبض بالأداء الفني والتعبيري والصور الشعرية الخلّابة، وقصائده انعكاس للواقع، وتعبير عن الهم الفلسطيني والمأساة الانسانية والوجودية التي يعيشها شعبه الفلسطيني.

هايل عساقلة قمر مضيء في ليل الغربة، وعاشق أزلي في معزوفة الشعر الوطني الجميل الملتزم، وموجة شعرية متمردة ثائرة كالبركان، رافضة وغاضبة خرجت على المألوف، وسارت في دروب الابداع، ومواكب الشمس، وفي كل قصيدة من قصائده نشم رائحة الوطن وعبق السريس والتراب الفلسطيني، وتتحول مزاميره ألحان عودة وملاحم حب وعشق للوطن.

إنه القصيدة الفلسطينية التي لم تكتمل، فقد استعجل الرحيل مبكرًا، قبل أن يستكمل مشروعه الشعري، تاركًا ارثًا خالدًا وأثرًا في نبض الحالة الشعرية الفلسطينية في هذه الديار.

 

נשלח מה-iPhone שלי

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .