ولدت الشاعرة والباحثة رقية زيدان في قرية ” يمة ” بالمثلث في بيت دافىء العام ١٩٥٨ ، أنهت تعليمها الثانوي بمدرسة يمة الثانوية الزراعية، ثم التحقت بمعهد اعداد المعلمين في هدار عام وتخرجت في العام ١٩٨٠.
بعد ذلك عملت مدرسة للغة العربية وآدابها في قريتها، وفي الوقت نفسه اكملت دراستها الأكاديمية ونالت اللقب الأول من معهد بيت بيرل، ثم حصلت على اللقب الثاني في اللغة والأدب العربي من جامعة النجاح الوطنية في نابلس.
بعدها انتسبت الى جامعة القاهرة ونالت شهادة الدكتوراة عن اطروحتها ” أثر الشعر اليساري في الثقافة الفلسطينية “. ثم اشتغلت مدرسة للغة العربية في المدرسة الاعدادية بقريتها.
أحبت رقية زيدان اللغة العربية بكل تفاصيلها منذ الصغر، وعشقت الكتابة وهي على مقاعد الدراسة الأولى ولقيت تشجيعًا من والدتها لمواصلة كتابة الشعر وقراءة الأدب، وكانت تعرض محاولاتها وتجاربها الشعرية على معلمي اللغة العربية، فلقيت التشجيع والدعم منهم.
انكبت على القراءة وطورت أساليبها اللغوية والبلاغية، ودرست القرآن الكريم بكل آياته، وتعمقت بالنحو الكلاسيكي والاعراب.
تحب رقية زيدان سماع القرآن الكريم بصوت المتلي المرحوم عبد الباسط، والاستماع إلى أغاني فريد الأطرش وعبد الوهاب واسمهان وفيروز، وتعشق السفر، والتمتع بالطبيعة الغناء والجمال، وتمني نفسها بالتأمل.
كتبت رقية النثر والشعر والمقالة ونشرت نتاجها وكتاباتها في عدد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية في البلاد.
من اصداراتها: عندما ترخى السدول، دخلت حدائق أمتي، قراءة في سفر العدالة، حفيف فوق الأديم، دعيني كعباد الشمس، تفاحة آدم واحدة، تجاعيد على الخد الاملس، نجمة تضفر جديلتها، لا تقتلعيني أيتها الريح، ياسمينة تتذوق تبرعمها، والعناقيد.
وفي مجال الدراسة لها : ” وجع القصيدة ونبضها ” عن الشاعر الفلسطيني راشد حسين، و ” أثر الأدب الشعبي في الشعر الفلسطيني ” وتتركز حول الشعراء محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد . وحصلت رقية على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية منها جائزة توفيق زياد.
تؤمن رقية بالأدب التقدمي، أن كان نثرًا أم شعرًا على حد سواء، ذلك الأدب الملتزم بقضايا الوطن وهمومه من أجل تقدمه ونهوضه ورقيه إلى مدارج الحضارة، والتقدم.
ونهجت في بحثها عن الراحل راشد حسين المنهجية العلمية، واعتمدت على المنهج البنيوي والاستقراء، ابتداءً من الملاحظة، فالتجريد، فالتصنيف، فالتقعيد والتحقق من الصحّة، وحاولت قدر الإمكان الالتحام مع المعيارية والالتزام بالموضوعية، والشمول، والتماسك، من حتمية، وتجريد الثوابت، وعدم التناقض.
تنوعت موضوعات رقية زيدان ومضامينها، وتراوحت بين الرومانسية والواقعية، فحاكت الطبيعة والحب والوجدان، وكتبت عن آلام وعذابات شعبها، وهموم الناس، وعن الوجع والجرح الفلسطيني النازف المتواصل.
وقصائدها كأنها نجوم زاهرة تشع بالروح الفلسطينية والانسانية، والأمل والتفاؤل، والحنين لكل جماليات الأشياء، وتشرق عليها شمس الحب والسلام، والتوحد مع الوطن والانسان.
ما يميز نصوصها عفوية الطرح والأسلوب، الصور الشعرية المبتكرة، توظيف الرمز والأسطورة، اللغة الماتعة الجذابة الحسية والحية، الايقاع الذي يسري في مفاصل القصيدة، والجمال الفني.
من قصائدها :
** قصيدة سنابل القمح من ديوانها “ياسمينة تتذوّق تبرعمها” الصادر سنة 2016
-سنابل القمح-
-1-
أنا لستُ بالماس ،
أنا تمثال جبس
يُزينني إحساسي .
-2-
الطائر الغريد يشدو
والنبع يتدفق
والنهر يفيض
والزهرة تفوح
كل منهم لا ينتظر التصفيق ،
كل منهم لا ينتظر المديح .
-3-
أحبُّ خلوتي
لأن فيها صفاء نفسي
-4-
العاصفة لا ترحم
لا ترحم الشجرة العاليّة الضخمة
ولا ترحم الشجرة الصغيرة
فكيف بورقة خريف صفراء
تتطاير ، فتسقط أرضًا
ثم تندثر .
-5-
البرعم لن يتوقف عن تجدده
ينتظر موسمه القادم
فيبرعم ، فيورق ورقة ربيعيّة ، خضراء ، غضّة .
-6-
ثبّت قدميكَ على صخرة صلدة
انظر إلى السماء مسبحًا
ارفع يديكَ شاكرًا الله
واحمده ،
فمع العزيمة تتلاشى الهزيمة .
-7-
الكوكب السيّار لامعٌ
له مداره ،
له مساره،
له سراجه ،
يراه ، يقف
يبتهج ، يلتحف مسرته
يمشي
قف ، انظر ، تأمل
سبحان من أبدعه
هو الخالق البديع ، المصوّر ،
اسجدْ قليلًا
“اسجد واقترب ” .
-8-
الطائر الغريد
يطير ، يجنّح
يحلّق ، يغرّد
يبتهج ، يطير
في الحدائق ، في الفضاء
يحلّق مجنحًا ، مبتهجًا بصوته العذب النمير
لا يسأل الغراب
هل ابتهج من صوتهِ العذب
وفي سرّه يعرف شتان ما بين الشدو والنعيق .
-9-
لا تبتئس من اللون الاصفر
فاللون الاصفر هو كالأخضر
سنابل القمح الصفراء
تتراقص تحت المنجل عند حصدها .
شعاع الشمس الأصفر ينتشي
عند شروقه
الذهب الاصفر يلمع ، ليجمّل رسغ حسناء
وفي القرآن قال الله تعالى :
” إنّها بقرة صفراء فاقع لونها
تَسُرُّ الناظرين “.
-10-
لا تمش ِ متثاقلًا ،
لا ترجع القهقرى
سارع الخطى
أقف مع العدل
مع المظلومين
في وجه الظلم
لا تقف
فبعد فوات الأوان
تصبح الشاة بيد الجزّار.
-11-
كل العيون محدّقة
في الغروب
أعشق الغروب
كعشقي للشروق .
-12-
في الغابة الحيوانيّة ،
غزالة تُرضع طفلًا بشريًّا
في الغابة الحيوانيّة ،
قردة تُرضع طفلًا بشريًّا
هذه غابة حيوانية ، تتجلّى فيها إنسانية
الانسان.
في الغابة الانسانيّة،
طفل جائع ،
طفل مشرّد ،
أخ يقتل أخاه
وجار يقتل جاره
هذه الغابة الانسانيّة ،
فيها حيوانية الانسان.
أليس الله بقائل : ” مَنْ قتلَ نفسًا بغير نفس ٍ
أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعًا “.
-13-
وأنا في حضرة الله
في قُبّة الاقصى
لحظة التجلّي تشرق
هنا معراجه
هناك اسراؤه
عليكَ السلام يا نبيي ، يا محمد ، يا رسول الله
في لحظة التجلي
يعانق ركوعي سجودي
في حضرة الله
-14-
تصوغ من حروف الوهج
سبيكة ماسيّة
تنغمس أناملك المبدعة بالتراب
تنحت تمثالًا ناطقًا الحياة
من نبض قلبكَ ، ترسم لوحة زيتيّة
هي طقس الحياة
يعزف قلبكَ ترنيمة ، موسيقى ، كمقامات
زرياب
وتجنّح في أبديتكَ الخالدة
وإن كنتَ ستموت ،
ستحيا بالفنون.
-15-
في العرين
يقف الملك
ينتظر فريسة جديدة
تتثاءب اللبؤة
يسترخي الشبل
يشم الملك رائحة فريسته
ينقض عليها ، يهشمها إربًا أربًا
تستسلم ، ما أجملها من غزالة تُزيّن الغابة !.
لن يغفو ، جفناه مفتوحان ،
متيقظان لانفراج الظلام
ليلاقي فريسة أخرى .
-16-
ابتعد عن الضبابيّة
إن قوّة الريح في لحظة مرورها
وإن قوّة النار في اشتعالها
فأنت بين قوة الريح حين تمشي
وبين خمود الرماد حين لا تسير .
-17-
شكرًا للفجر
لأنه يهديني
ابتسامة شعاع
وزقزقة عصفور .
-18-
إنه الانتماء
لا يسكن الاسد الاصطبل
ولا يسكن الحصان العرين
ولا تسكن البومة برج الحمام .
-19-
توصلني إلى السعادة
بإشعاعاتك
أتمسك بالحكمة
من هذا المداد .
أتمسك بحبري ، بقلمي ، بورقتي
حبري صديقي
ماذا تحصد أصابعي؟
تحصد سنابل الحكمة
وما سوى ذلك فراغ وعطب
حتى لو امتلكت ماسة برّاقة في يدي .
-20-
الشفق كلون دمي
الغروب يعصر ألمي
أحب أن أرى في الصباح
الاقحوان
وفي المساء نعناع الوطن .
ألف تحية للشاعرة والباحثة د. رقية زيدان، مع التمنيات لها بحياة عريضة ومديدة حافلة بالعطاء والابداع المتجدد، والمزيد من التألق .