منذ أن جمعتني بها الصداقة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وانا أتابع وأواكب بشغف كتاباتها وخواطرها الشعرية المنشورة على صفحتها الشخصية، وفي عدد من المواقع الالكترونية. فقد استعذبت حروفها ونصوصها، وراقتني لغتها الرقيقة الناعمة وصورها الشعرية الجمالية المعبرة.
هي ابنة الناصرة الشاعرة فريدة صفدي، التي تعزف على أوتار الحروف سمفونيات حب لا تنتهي، لكنها للأسف لم تحظ بالاهتمام النقدي الكافي.
فريدة صفدي صوت شعري يستشري بجنوح، وروح تستكين في روح، تعتلي مجرات النجوم، وتهب علينا بنسائمها الشعرية العطرة.
تتميز فريدة بأناقة لغوية، وتكتب بشكل سهل وسلس وعذب، بأسلوب السهل الممتنع، كلماتها تنبض بالإحساس المرهف والنبض الانساني، وعناوين نصوصها وكتاباتها الشعرية والنثرية تشي بموهبة شعرية نامية ومتطورة مبشرة بمستقبل يانع.
نصوص فريدة صفدي وجدانية بعبق الهيل، ونكهة التفاح، تنبع من اعمق اعماقها، وتفصح عن خواطرها وانفعالاتها واحاسيسها وأنفاس روحها وارتعاشات وجدانها، فيها بوح شفاف صادق، وفيها أحلام وآمال، وفيها إيحاءات وصور رومانسية مبهرة ومعاني انسانية واوصاف دقيقة .
وهي خواطر عن الحب وللحب، عن الحزن الذي يلف الوطن، عن الفرح والحياة، عن المرأة الأنثى التي تسكنها، وعن أحلامها المؤجلة التي أوقدتها الكلمات، ولنسمعها تقول في هذا النص الخلاب بحروفه المخملية:
قلب رق للوجد
يروم الشمس كالنسر
ثقلا ينزع ووجعا
بنسج نور من الفجر
سرا ينثر البذر وجهرا
بهمسة من سادة العطر
يصب إشراقة كأس
مترع من باقات زهري
أخال النجم أن يسطع
يقطف من جلال السماء فكري
بعزم يسكن رحاب اللحظة
ويلمس الغد بلا مد ولا جزر
وكتابة فريدة صفدي قصيرة مكثفة، تختزل كل العواطف والانفعالات، معبرة عن المعنى والمغزى، وتندرج في باب ” الومضة الشعرية “، تجري صياغتها بلغة شعرية ايحائية تتصف بالسهولة والجاذبية والطوعية والتباذخ، معتمدة على الصور والأخيلة والايقاع الموسيقي، والاستعارة والمجاز اللغوي الواضح، ويقترب نصها من الشعر التعبيري:
عبث الدجى
في الوصال
كدت أغتال
الوجد والأشواق
ومواجعي
مع أول رقصة
نور
استيقظت أوردتي
وتبسمت
من حنين في
أضلعي
والأدوات الشعرية عند فريدة صفدي تتكاثف وتتساند ضمن نسيج نصي تنعكس فيه التجربة الانسانية التي تشكلها الذات الشاعرة، بوصفها فعلًا ابداعيًا في فضاء أرحب وفسيح
، وصياغتها للقصائد بأناقة وقوة ووضوح بعيدًا عن لغة الرموز والاحاجي:
كيف أُوَثِّقُ قَصِيْدِي في عَيْنَيْك
وأَحلامي تَلْتَحِفُ الْعِشْقَ بِسُلْطَانْ
كيف استزيدُ طِيْبَ وَصْلٍ
وَأَحْفَظُ الميثاقَ والْعَهْدَ
بعيداً عن النَّسَيَانْ
جالَ بِيَ الْوَجْدُ
والأَمَلُ بِقِيَادَةِ الكلام
وَشَمِلَ هَمْسُ اللُّغَاتِ بِبَيانْ
أَأَنْسَى طَرِيْقَ السَّعْدِ وَالْوَعْدْ
وَمِنْ أَبْجَدِيَّتِي
أَخْلَعُ ثَوْبَ الزَّمَانْ
أَمْ أَجْعَلُ الشَّوْقَ بين سطوري ينامْ
يَفْتِكُ بِيْ
وَلَهُ أُخْلِي المَيْدَانْ
كيف أَلْبِسُ عَبَاءَةَ الحَنِيْنِ والأَشْوَاقْ
وأَجْعَلُ الرَّوَابِيَ مَرْتَعَاً لِلْفُرْسَانْ
هنا…
أَغْدُوْ رَبْوَةً مُتَجَمِّلَةً
مُتَيَّمَةْ بِمَدَارِ نُجُوْمِهَا
وَقَلائِدِها مِنْ خِلْجَانْ
فريدة صفدي تعتمد النص المفتوح، المبني على ايقاع داخلي وخارجي، والكثير من نصوصها ذات موسيقى وغنائية، مازجة بين الخاطرة وروح الشعر، ولديها قدرة في صياغة المعنى، وصياغة المبنى بأقل عدد من الكلمات.
وهذه النصوص تملك قابلية التلحين والغناء، لما تتسم به من مرونة وشفافية وسلاسة، وتشكل في مجملها حديقة من الكلمات الفواحة الندية.
فكل التحية والتقدير للأخت والصديقة الشاعرة فريدة صفدي، ومزيدًا من العطاء والتألق والتحليق بعيدًا في دنيا الكلمات.