منيب مخول من شعراء الالتزام الوطني، شعراء العروبة والوطن والأرض والتراب الفلسطيني، الذي أسمعت كلماته من به صمم، وهو الذي هتف يومًا قائلًا :
مع السنديان ولدت قديمًا
بارض الجليل ولما ازل
ووقفت اخشع عند بابك لائمًا
بقيا دم شرفت به حطين
يا بسمة لمعت في ثغر الناصرة
من عين جالوت أم من سهل حطين
في قرية البقيعة الجليلية، حيث البطم والسنديان والسريس وعيون الماء والدوالي المتعمشقة واجهات البيوت والمنازل، في هذا الجو القروي الريفي الشعبي، ولد فارس القصيدة شاعرنا منيب مخول في العام ١٩٣٠، وفيها توفي العام ٢٠٠٢، وكان قضى حياته في ممارسة مهنة التعليم حوالي ثلاثة عقود من الزمن في بيت جن وغيرها من قرى وبلدات الجليل.
ومنذ تفتح وعيه الوطني والطبقي، امتطى صهوة الكلمة، والتزم بقضايا شعبه والذود عنها، فأعطى وقدّم الكثير للشعر الوطني المقاوم، فأنشد وهتف للأرض والهوية والانتماء، وفاض بأسمى معاني الوطنية والقومية والعروبة، مرتديًا الزي العربي التقليدي، العقال والكوفية والقمباز، ولسان حاله يقول:
جذوري تغور، تغور ، تغور
بعيدًا بعيدا ببطن الأزل
مع البطم في منحنى حيدر
شربنا معًا ماء عين العسل
وعين العوينة في قريتي
وعين الجنان وعين الجمل
مع الصخر في قمة الجرمق
مع الترب في كل واد وتل
انا يعربي رسا أصله
وطاول هامي سموا زحل
تراب بلادي معين حياتي
وبعض رفات جدودي الاول
بلادي، بلادي، فداك دمي جراحي لعينيك أحلى قبل
والمرة الأولى التي رأيت فيها المرحوم منيب مخول، وتعرفت عليه، عندما جاء قادمًا من بلده الى قريتنا مصمص للمشاركة في تأبين شاعرها الراحل راشد حسين، فوقف على المنصة بكل شموخ وعنفوان يومها، والقى قصيدته ” بكاء الشهداء “، التي استهلها بقوله:
لا دمع نذرفه على الشهداء
لكنما عرق ونزف دماء
وغدا مع الارض التي قد أرضعت
أبناءها من طيب الاثداء
أم غذينا المجد في أحضانها
ليس البنون وفاؤهم بسواء
فتقبلي يا أم هذا راشد
يقضي ليحيا منك في الاحشاء
خاض الكفاح على مشارف مهده
يورى الشموع بليلة ظلماء
شعرا مراميه القلوب ومنطقا
يجلو العمى عن مقلة عشواء
فيضًا من الوجدان يسقى من ظمى
من شعبنا في الواحة السوداء
ويدق في ملف الطغاة سهامه
كلما يصوبه شديد مضاء
ترك شاعرنا منيب مخول خلفه ثلاثة اصدارات شعرية، وهي: منزرعون، صامدون، ونافرون. وله الكثير من القصائد والأشعار لم تنشر وبقيت في الأدراج وبين الاوراق المبعثرة .
واذكر أنني كتبت مراجعة نقدية لديوانه ” منزرعون”، وارسلته في حينه للنشر في مجلة ” الكاتب ” المقدسية، التي كان يصدرها الشاعر الكاتب أسعد الأسعد، لكن الرقيب العسكري في المناطق المحتلة منع نشرها.
منيب مخول تمتع بروح شعرية، وعرف كيف يتلاعب بصياغة الأشعار، تربع على هرم الشعر الوطني المقفى، وامتاز بصوره الشعرية المستقاة من واقعنا، وطغيان الغنائية على أشعاره.
وفي قصائده تناول الأحداث والمناسبات والقضايا الوطنية، فكتب عن مجزرة كفر قاسم، ويوم الارض، وصبرا وشاتيلا، وانتصار الجبهة في الناصرة بقيادة المرحوم توفيق زياد في العام ١٩٧٥، ومحاولة اغتيال رؤساء البلديات في المناطق الفلسطينية: بسام الشكعة وكريم خلف وفهد القواسمي، وخاطب بكل شموخ وكبرياء سلطان باشا
الاطرش، وحيا أبطال الجولان الاشاوس، وكتب عن معارك الزابود في بيت جن، وحاكى الأحرار في الوطن العربي وعلى راسهم الزعيم العروبي القومي جمال عبد الناصر، وعرى الزعامات والأنظمة العربية المتآمرة على القضية الفلسطينية.
وتغنى منيب مخول بالجليل والقدس والخليل والعراق بلد الرافدين وغيرها.
منيب مخول شاعر القوافي، وفحل القصيدة، وفارس الشعر الوطني والقومي الغنائي الملتزم، أبحر في عباب بحر اللغة واستل الكلمات، متمسكًا بالأصالة الشعرية وعدم الخروج عن مقاييس القصيدة العمودية الكلاسيكية وقيود الاوزان الخليلية ووحدة القافية ووحدة البيت، فاجاد وابدع ايما اجادة، واعطى للوطن والشعر كل ما يملك من مفردات لغوية، تاركًا لنا ارثًا شعريًا شفافًا، غنائيًا يتميز بالشعور القومي والاحساس الوجداني والصدق التعبيري والفني.
وأخيرًا فإنني لم أشأ كتابة دراسة نقدية أكاديمية، وانما هي اضاءة عاجلة على سيرة واحد من شعرائنا، والهدف منها تعريف اجيالنا الفلسطينية بالمرحوم منيب مخول الذي سكنه الشعر، وظل مغموسًا حتى رحيله بهموم الوطن وقضايا العروبة، فسلامًا لروحه.