مجدلة حنا مشرقي ناسكة متبتلة في صومعة الكلمة، تكرس حروفها للمعنى والجمال. امتطت جواد الشعر، ونبتت في بساتين الأدب، استلت سيف الحرف منذ أن كانت على مقاعد الدراسة الثانوية، وطورت موهبتها وأدواتها الكتابية، ونضجت على نار هادئة.
مجدلة من مواليد العام ١٩٨١ في عروس الكرمل حيفا، تعود أصولها الى قرية اقرت المهجرة، حاصلة على اللقب الأول في اللغة العربية، وتعمل في المونتاج التلفزيوني.
تكتب مجدلة القصيدة النثرية، ولا تتقيد بالقافية ، ما يجعلها تطلق العنان لفكرتها وحروفها.
نشرت كتاباتها في الصحافة المحلية، ومنها صحيفة ” الاتحاد ” العريقة، وفي العام ٢٠١٥ صدر لها عن منشورات مكتبة كل شيء في حيفا، باكورة أعمالها الشعرية بعنوان ” ساعة لأحصي الحصى “، احتوت على ٢٥ قصيدة نثرية، تنوعت ما بين الموضوعات العاطفية الوجدانية الرومانسية والوطنية والوجودية الانسانية.
ومجدلة شاعرة قلقة تمتلئ احساسًا بالإنسان وقيمته، وقصائدها مفرطة الصفاء، تعكس إلتماعة روحها وخفقة بوحها، وتأسرنا بهمساتها وخواطرها ووجدانياتها ووطنياتها.
تقول مجدلة عن ديوانها الشعري البكر ” ساعة لأحصي الحصى : ” لطالما آمنت أن الكتابة الابداعية تصب في شغف القارئ المتلهف الباحث عن نفسه. في كتابتي احاول قدر المستطاع سبر اغوار القارئ وترجمة أحاسيسه، ولا تنجزأ عندي المفاهيم التي تصقل الانسانية في محورها وترتقي بها إلى ثقافية وفكرية حسية تختزل الحياة في كف واحدة، فالوطن والحب والانسان هم مرايا متشبثة متداخلة في بعضها لا تتجسد الواحدة دون الأخرى، ولا سيما المرأة، التي اعطيتها الحصة الأكبر لتمثيل هذا الثلاثي في دائرة الحضور مع التركيز على مشاعرها، فهي الأم والأنثى المسرحة من قضبان الكبت، والشريكة الكادحة في وطن يصارع البقاء. كما أني لم اتوان عن سرد بلدي اقرت، ذاكرتي المتوارثة من الحجارة والحنين، من منظور طفلة لم تعرف الوطن الا حلمًا، وقصصًا تعانق الذكريات، وتظهر حيفا، الواقع الجميل الذي يحوي الحزن والفرح معًا “.
مجدلة حنا مشرقي تعاين بلغتها الرقراقة هموم الوطن والهوية والانتماء والتواصل الانساني، وتحاكي الحب والأرض والمرأة والأمومة والجمال والانسان والحياة، وهي وصافة ماهرة، وكلماتها مفعمة بالشغف والبوح والوفاء، وقد نجحت في توظيف موروث اللغة، وتطويع الحروف والكلمات لتكون مدماك أساسي لقصيدتها، وتعرف كيف تنتقي كلماتها بعناية تلقائية.
انها تصطاد نصها اصطيادًا، لا تتكلفه ولا يتكلفها، فيجيء رشيقًا، وصورها جذلى دون اسهاب، وسطورها دافئة من حب وجمال ودفق عذب.
ومن نافلة القول، أن نصوص مجدلة حنا مشرقي تستهوي القارئ، لأنها تحمل عطر سريس اقرت، وسنديان الجليل، وعبق صنوبر الكرمل، ورائحة بحر حيفا، وتحمل ورقة من اوراق أشجار بلادنا، وقطعة من الحلم الكبير ، حيث نجدها تتجول في دروب الرومانسية والواقع والتأملات.
وتبدو هذه النصوص ذات حبكة صاغتها في قالب متين يحقق تناغمًا دقيقًا بين اللفظ والمعنى.
ومجدلة تجيد كتابة المراثي، وكنت قرأت لها قبل سنوات، في صحيفة ” الاتحاد” وموقع ” الجبهة ” قصيدة بعنوان ” بلسم على نبض الرحيل “، ترثي فيها المرحومة سهيلة قسيس مشرقي، وتبدو مراثيها شفافة وصادقة غير متكلفة ومنسابة، حيث تقول:
بين هذا وذاك
حطت زنبقة
على ساقها المستغيثة
أغمضت ..
عسلية العينين
ندية القلب
عينا .. وذاك المستحيل
أزهقت داءها بدمع الرثاء
ورحل للحنين.. شفاء
أقفلت..
باب ضريحها على نحيب القلوب
على متسع الذكرى
حين تستفيق
إلى حين ترحلين؟
لم يحن أوان الحنين بعد
ولم نتسلق عناقيد التين
ولا أنامل اللين
ودعتك
تركت لغربة الأبواب مطرحًا
وللعيد، وشاحًا اسود
فلم أكن لأخبر
أنك ذات الرياحين حين تزهر على النوافذ العطرة
وأنك العيد حين يأتي
لم لأخبر
أن للحزن أجنحة
أن للفرح أضرحة
وللكلام وصل الفراق
دعي عنك لوم الحزانى
فأنت الآن
على بوادر الشوق ترقدين
لا محال
وفلا الغياب ..
من أعراض المحبين
ولا لحضنك منال
فقد تبنتك السماء
عقب فجر يتيم يتوق لبسمتك
فعلى ناصية الحلم استريحي
وفي اروقة الروح تهادي
أرقدي بسلام
وتدل قصائد مجدلة على خصوبة خيال، وقدرة على الاتيان بالصور الفنية الواضحة التي لا ترهق ذهن القارئ، بل تصبغ عليه المتعة الجمالية.
ولعلني أتفق مع ما كتبه الشاعر سامر خير على الغلاف الأخير لديوانها: ” مجدلة تسير على الدرب، ومن يقرأها يستمتع ويطلب المزيد “.
مجدلة شاعرة تداعب الاحساس، تنبض بالرشيق في بناء الصور، وتتصف بالمتانة في البناء الشعري، وزخم في الايقاع الداخلي للقصيدة.
تحياتي للصديقة الشاعرة مجدلة حنا مشرقي، وتمنياتي بدوام الابحار في محيطات الابداع، مع فائق التقدير.
נשלח מה-iPhone שלי