ممنوع أن نتقاتل أو نقتل بعض .. والأكثر .. أن ننتحر بقلم : غالب سيف

 

 

 

انتقل, أمس 18.10.2018 الى رحمته تعالى, الشاب اليانع وزهرة واعدة ويافعة من أزهار بلدنا يانوح, ربيع سلمان علي ظاهر, ابن ال 22 ربيعا, والذي اختار أن تكون منيته بعد أن انتحر في مدينة ايلات السياحية, مخلفاً ورائه الكثير من الحزن والألم  لذويه وأقاربه خاصة وأهل القرية عامة. وفي هذه المأساة خلّف ورائه الكثير  من التساؤلات وعلامات التعجب والحيرة, والحاجة لإجابة شافية ودقيقة على السؤال الأليم والمؤلم: ليشششششش يا شبابنا وأحبائنا ويا فلذات أكبادنا هالحال؟ ليش الانتحار وقتل النفس ؟.

في مراسيم التشييع, قام بتأبين الفقيد الراحل, الأستاذ المربي الشيخ الدكتور رجا فرج – مدير الإعدادية يانوح-جث, ومما ذكره عنه ومن مناقبه وصفاته عالية الجودة والعُلوّ , أنه وخلال 30 سنة من عمله في سلك التدريس, لم يمر عليه أكثر أدباً واخلاقاً وذكاء من الراحل, ولم يذكر الدكتور هذه المعطيات من باب التعاطف وجبران الخواطر أو بعض المجاملة, المعهودة في بعض الأحيان في مجتمعنا العربي, وانما قالها لكي يصف هذا الشاب الراحل اليانع الطيب, وكما هي حقيقته وميزاته وسلوكه, وهذا الأمر بحد ذاته, يعني أن الفقيد ربيع كان من النخب,  مما يضيف ويزيد من ألمنا بفقدانه, وبهذه الطريقة بشكل خاص, وكل هذا يجب ان يحفزنا على مقاومة هذه  الظاهرة القاسية جدا والقيام بما تحتاجه من علاج , مستوجب ومستدعى ومطلوب,  ندق فيها على جدران عقولنا وضمائرنا ومصالحنا, لكي نصل الى المعادلة أو الظروف التي توفر حماية أولادنا ونفسياتهم وحياتهم , والتسييج حولهم, بحيث يتمكنوا أن يصمدوا في معركة البقاء القاسية التي تفرضها عليهم وعلينا الصعاب والتحديات والظلم والظالمين.

وهنا المكان والزمان لكي نسأل : ألا يكفينا ما نحن فيه من ضيق ومضايقات رسمية, لم يكتفي المسؤولين عنها توظيف كل الطاقات الإدارية والعملية لتنفيذها, ان كان في العمل , او توفير بيت للسكن, أو التعليم , او التطور العمراني والاقتصادي وغيره وغيره, بل قاموا برفع سقف هذه المظالم الى حالة سن القوانين العنصرية لتقويتها, لكي تضيق الدنيا في وجوهنا ووجودنا وحياتنا أكثر, وآخرها سن قانون كامينتس وقانون القومية العنصريان والفتاكين. كل هذه الأمور بالإمكان ادراجها كعوامل خارجية  تُضيّق علينا عيشتنا وتيأسنا, خاصة الشباب عندنا, وهي خاضعة لفعل التوازنات الحاصلة على صيرورة وسيرة التاريخ وواقعنا. أيضا بلوة العنف المُستشري والضاربة أطنابه والباطش في قرانا, من النقب في أقصى الجنوب حتى الجش وبيت جن والعرامشة في أقصى الشمال, وفيه اقتتال وقتل مرفوض ومُدمر, ورغم ذلك يمكن ادراج مسبباته الفعلية تحت سقف العوامل الخارجية وأيضا الذاتية الداخلية, وأما أن تصل الأمور بشبابنا أن يضعوا حد لحياتهم..!!؟؟ وينتحروا, هذا أمر فيه الكثير من الألم والحزن, ولكن العامل الذاتي فيه له القسط الأكبر, وهذا ليس فقط أنه ممنوع وانما يستدعي الوقوف عنده بكثير من التمعن والتحقيق والتعمق والمسؤولية والجرأة.

الأديان السماوية حاربت ظاهرة قتل النفس البشرية  بشكل عام, ولكنها حاربتها أكثر عند الانتحار, هذا الأمر من أصعب المُحرمات دينيا, وأبقت للخالق وحده الحق في استرجاع ما أعطاه. والمعطيات تشير أن أعلى نسبة انتحار, بالمُطلق, هي في قرانا العربية المعروفية. اذ أن نسبة الدروز من بين جماهيرنا العربية في الداخل هي 8,5%, بينما نسبة المنتحرين الدروز من عامة المنتحرين من عرب الداخل هي 56% ..!!. وهذا أمر يستوجب التوقف عنده بوجس وتخوف شديدان. اذ أن النسبة العالية جدا من هؤلاء هم شباب في ريعان شبابهم,  وكلهم تقريبا من النُخب, أمثال المرحوم ربيع, وفي فعلهم الأليم هذا ليس فقط انهم يسببون الموت لأنفسهم والألم لذويهم ومجتمعهم, وانما يشكلون نموذج لا يمكن أن يكون مفيد لأقرانهم ولمستقبل الأجيال الصاعدة, مما يستدعي, منا كمجتمع, استفاقة وتنهيض كل العقول والضمائر والهمم, يا ناس شوفو حالكم في أي حال أنتم وبدون تواني وعلى عجل, وليس كأفراد أو هيئات كل واحدة  على حِدة, بل هيئات وأفراد متفقة ومتعاونة ومتشاركة وعندها الإرادة لمواجهة وتحدي هذا التحدي الخطير على الجميع. وفي صلب عملية التشخيص والتقييم المطلوبة هذه , وضع الحلول الملائمة, والتي يجب أن تأتي لنا بناء معادلات تمكنا أن نمنع أن نتقاتل ونقتل بعض, وكيف نتصدى لكل ظلم لحق وما زال يلحق بنا,  وبادئ ذي بدأ وقبل كل شيء وحالاً, وقف حالات الانتحار, مهما كانت الظروف والصعاب والتحديات المحفزة لها.

الرحمة لفقيدنا الغالي وتمنياتنا أن يكون فقدانه الأليم  خاتمة أحزان عندنا من هذا النوع المأساوي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .