وقفات على المفارق مع الرّقم الصّعب والانتخابات

 

الوقفة الأولى… مع النبيّ والوطن

أصل القول هو قول السيّد المسيح (ع) الآية 57 في إنجيل متّى؛ “… وأما يسوع فقال لهم: ليس نبيّ بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته.”

أمّا الإمام الشافعيّ فقال:

ارحل بنفسك من أرض تُضام بها…  ولا تكن من فراق الأهل في حَرَقِ

من ذلّ بين أهاليه ببلدته           …      فالاغتراب له من أحسن الخُلُقِ

والسريّ الرّفاء قال:

قوّض خيامَك عن دار ظُلمت بها …      وجانبِ الذلَّ، إن الذلّ يُجتنبُ

وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة… فالمندلُ الرّطب في أوطانه حطبُ

وأبو الفرج الجوزي قال:

عذيري من فتية بالعراق   …         قلوبهم بالجفا قلبُ

يرون العجيبَ كلامَ الغريب… وقولُ الغريب فلا يُعجِبُ

ميازيبُهم إن تندّت بخير    … إلى غريب جيرانهم تقلبُ

وعذرُهم عند توبيخهم      …    مغنيّةُ الحيّ ما تُطربُ

ولا يظنّنَ أحد إنّي أحفظ عن ظهر قلب ما نقلته من قول الشعراء الآنف، وإنّما اجتهدت لأجده خدمة للفكرة التي راودتني حول القول عنوان هذا النّص.

الوقفة الثانية… مع نسبيّة القول

صحّة الأقوال أعلاه هي نسبيّة، فصحّتها من عدمها منطقيّا تكمن في سياق الحادثة موضوع القول، ونحن طبعا لا نعرف ما كان وراء قول الشعراء أولئك. ولكن نعرف بحكم المصدر أن السيّد المسيح (ع) حين قالها – وأنا لا أناقش هنا الجانب الإيماني فهذا متروك لأهله- قالها في سياق تهجّم عينيّ طال كذلك أهلَه في موقف معيّن.

صار السيّد نبيّا وفي وطنه وبين أهله ورغم هذا القول ورغم الذين جعلوه يقول هذا القول، لأنه لم يرحل ولم يقوّض خيامه. وإنْ كان كلامه لم يُطرب الحيّ حينها إلا إنه ما فتأ أن أطرب أحياء وأحياء، وإن كان الثمن الفداء.

 

 

الوقفة الثالثة… مع الرقم الصّعب

منقول هذا عن عرفات إذ كان قال؛ “نحن الرّقم الصّعب في الشرق الأوسط” وإن كان تحفّظ على هذا القول الكاتب فيصل حوراني، مثلما يشهد على نفسه، إذ قال: “ليس صحيحا أن الرّقمَ صعب، الصحيح إننا كتبناه على نحو تصعب قراءته”. ومع هذا ظلّ القول وبهت التحفّظ.

قيمة المرء هي حين يكون رقما صعبا أولا في ميدانه- بلده- ومن لم يكن كذلك في بلده سيكون في كلّ مكان رقما “حافظ منزلة” أو “فاصلة بين المنازل” ليس إلاّ، حتّى لو ملأ الأجواء ضجيجا في تلك الأمكنة.

هؤلاء بين ظهرانينا كُثر عاشوا وهم يعتقدون أن الصعود تزلّفا ولولبة ضمان بقاء، ويكتشفون فجأة أن المسمار الذي دخل الخشب لولبة هيّن قلعه وباللولبة، وليس كذلك الذي دقّ الخشب دقّا وشقّه شقّا، ويكتشفون أنّ ما هم إلا رقم حافظ منزلة في أحسن أحواله أو فاصلة بين المنازل في أسوئها في بلداتهم أولا وخارجها.

ولأن الإقرارَ صعب، فيروحون يخبطون خبط عشواء وميازيبهم تقطر سُمّا على القريب غير الضّار وجُبنا سمنا على الغريب الضّار، متعلّقين عزاءً لأنفسهم المَيْتة بالقول؛ “لا نبيّ في وطنه” وما تعلّقهم هذا إلا “قصر ذيل يا أزعر”، لأن الحقيقة، أن القول منهم براء لا هم أنبياء ولا هم أبناء أوطانهم.

الوقفة الرّابعة… مع الرّحيل

رغم ما في قول الشعراء أعلاه من فكر غير أن “الرّقم الصّعب” يفضّل قول أبي الفرج على قول الشافعيّ والرفّاء. ففي قول الرفّاء نقد ومواجهة وفي قول الآخرين انهزام. ولكن في سياقنا هؤلاء “الرقم حافظ منزلة” أو “الفاصلة بين الأرقام”، لا قول الشافعي يشفع لهم ولا قول الرفّاء يرفُؤ ثيابهم ولا أبي الفرج يفرجها عليهم، رحلوا أو ظلّوا.

الوقفة الخامسة… مع الرّقم الصّعب والانتخابات

الوقفات أعلاه تصلح نصّا أدبيّا ينتهي عند الوقفة الرّابعة، ولكن وما دمنا نخوض “أمّ معاركنا”؛ الانتخابات المحليّة، فمثل هؤلاء، وخصوصا المُعتبر منهم نفسه قائدا سياسيّا أو اجتماعيّا ويدّعي أنه يمثّل إطارا وطنيّا فوق عائلي وحمائليّ وطائفيّ، يجد نفسه فيها “لا في العير ولا في النفير” لا هو ولا إطاره، إذ سبق أن اقتُلع وأولا مِمّن لولبه من “زعماء” العائلات، وحتّى ذاك الزّعيم الذي انتُخب ديموقراطيّا (!) بالبرايمرز العائلي، لأن هذا وإن كان يفتّش في أمّ المعارك هذه عن كلّ “شقفة صوت” لا يجد في تلك الأرقام الحافظة منزلة، حتى هذه “الشقفة”!

فظلَّ رقما صعبا، فالرّقم حافظ منزلة كتابتُه أو عدمُها سيّان. واسأل الذين ما زالوا يعرفون عمليّات الجمع والطّرح في الحساب!

سعيد نفّاع

أواسط تشرين أول 2018

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .