شاعرة حالمة… قراءة في تجربة ريتا عودة الشعرية 

بقلم: شاكر فريد حسن

ريتا عودة شاعرة وقاصة وروائية ومترجمة فلسطينية معمدة بمياه عين العذراء، من مدينة الناصرة . ولدت فيها العام ١٩٦٠، عاشت وترعرعت بين أزقتها وأحيائها، وتعلمت في مدارسها، وأنهت دراستها الأكاديمية وحصلت على اللقب الأول في اللغة الانجليزية والأدب المقارن، وتعمل مدرسة للغة الانجليزية.

اقتحمت عالم الأدب والابداع في شبابها المبكر، واشتغلت على تطوير موهبتها، ونشرت محاولاتها وتجاربها الشعرية في الصحف والمجلات المحلية.

صدر لها عدد من الأعمال الأدبية المتنوعة ما بين الشعر والنثر والومضة والخاطرة والقصة القصيرة، وهي: ” ثورة على الصمت، مرايا الوهم، يوميات غجرية عاشقة، ومن لا يعرف ريتا، قبل الاختناق بدمعة، سأحاول مرة أخرى، مباغتًا جاء حبك، أنا جنونك “.

ريتا عودة انسانة متواضعة وشاعرة استثنائية، تكتب بصمت، وتعطي بهدوء، وتحاول قدر المستطاع البقاء في الظل كي لا تصاب بنرجسية الشعراء والأدباء.

وهي سباحة ماهرة تعرف كيف تقتنص الصور الشعرية وتوظيفها في نصوصها، وتمتلك مخزونًا لغويًا ثريًا لافتًا، وتنتمي لقصيدة النثر الطافحة والغارقة بالإيقاع الشعري والموسيقى.

انها شاعرة مبدعة حالمة وعاشقة بالثلاث حتى الموت، أنثىوية مثيرة للدهشة الشعرية والمتعة الجمالية، تطرح في أشعارها وقصائدها وقصصها قضايا وهموم المراة/ الأنثى في مجتمعاتنا البطريركية. واننا نلمس ونستشف في نصها مسحة من الرومانسية والرومانتيكية الناتجة عن أحلامها الوردية، فلنسمعها بهذا البوح الشفيف العفوي الراقي:

حبيبي

بعض من المطر

قد يروي حقولًا وحقولًا

فكيف وقد

اتيتني مطرًا لكل الفصول

وفي مجاميعها الشعرية نلتقي بشعر انساني ووجداني وعاطفي ووطني واجتماعي، يتسم بالأناقة والرصانة والمجار والايحاء والتصوير التعبيري والفني.

وتتميز ريتا بعذوبة ألفاظها ورقة حروفها وكلماتها، وتتمتع بتألق الفنان، لها لونها الخاص المميز عن بنات جيلها، ذات ايماءات وايحاءات تشدنا نحوها كالفراشة حول حديقة من الورد، ولديها المقدرة على تجنب التكرار في نصوصها.

والحب عند ريتا عودة يحتوي جماليات الحياة بتداعياتها وتشعباتها وايحاءاتها، بعيدًا عن السوقية والمهاوي التي تجرد الانسان من انسانيته، وهذا ما يتجلى في قصائدها بنبرة هادئة أنيقة راقية تطفح بالعذوبة الناعمة والحنين المتألم والاحساس الشفيف والعاطفة الملتهبة.. تقول ريتا في هذه المقطوعة الجميلة الشجية:

وتأتين فراشة حائرة

تحط على كتفي

وتغيب

مع غياب الربيع

فتظل شمسك تسكنني…

فأثمل وأثمل وآمل

ألا أستفيق

إلى أن تورق أوراقي

أشواقًا نادرة

وهي تعترف وتبوح بحبها  وتعيش حالة عشق سحرية تتحدى كل التعب، لأنها عاشقة محبة حتى الثمالة:

فأنا أحبك حتى أقاصي التعب

وأتحدى بك كل مفاصل العتب

فقد أيقظت طائر حب يتيم

اشتد به الوسن

احبك يا بعضي وكلي

ونجم جبيني

أوسع من كل اتجاه

أنقى من كل اعتراف

وأكثر حدة من وابل شجن

أحبك

وأدرك أني

لا أستطيع الذهاب إليك

مع ذلك سأذهب

فقلبك صراطي المستقيم

الذي عليه سأسير وأسير

حتى لو كان في ذلك

حتفي وحتفك

ريتا عودة شاعرة تتعربش كلماتها المنتقاة بدقة على قلب المتلقي وافكاره، وتعطر قصائدها بعطر البنفسج وشذا الياسمين، الذي يبهج الناظر، وتتدفق تعابيرها كالماء المزن، بلغة جزلة، مستخدمة المحسنات البلاغية، والاستعارات والجناس، مما يضيف لنصها نوعًا من القوة.

وتعتمد قصائدها أفكارًا تصويرية حسية، فيها الكثير من الاحساس والشعور الوجداني، تصوغها وتسبكها بلغة شاعرية شفافة وأنيقة، وبصور جزئية تتكامل معًا، لنشكل في نهاية القصيدة صورة كلية، هي القصيدة ذاتها، بحيث تغدو. الفكرة الرئيسية في القصيدة هي عنوان القصيدة في الغالب.

قصيدة ريتا عودة مختلفة، صنيعية في أشكالها الوصفية، رومانسية في بنيتها التكوينية، وهي تتراقص كما سندريلا في حلمها الجميل على ايقاع عشقها المتهافت، وجمالية لغتها الشعرية التي ترتكز على الحيوية وتوهج الكلمة، والمحتوية لأنوثتها، حاضنة لقلقها وندائها وبوحها واعترافها وتوحدها وامتزاجها الروحي الوجداني العميق، وعبر الترميزات الموحية بقوة التملك والتوافق الحسي، وتأخذنا الى عالم شفاف كله سحر وجمال ورهافة بما فاض وجدانها وجاد يراعها ، فتقول:

أشق النهر في طريقي اليك

فأنت المطر الذي يأتي

بالعصافير الصغيرة والزنابق

والثمر المنتظر

وأنت الحكاية التي لم ترو بعد

عن الفرح العصي إذا ما انهمر

وأنت،

أنت اخضرار الشجر

إلى أن تقول في خاتمة قصيدتها ” في طريقي إليك ” من ديوانها ” سأحاول مرة أخرى”:

أشق القهر في طريقي إليك

فأنت العيد إذا ما اكتمل القمر

وانت الإاااه على الشغة

إذا ما طال بي السهر

وانت آذار القصائد

إذا ما أيلول احتضر

وغني عن القول، أن نصوص ريتا عودة تشكل صرخة بوجه العصر والمجتمع القبلي التقليدي المحافظ، ودعوة لجمال البوح، وجمال الحب، وجمال العلاقة الوجدانية والعاطفية الانسانية بين الرجل والأنثى.

فأطيب التحيات والتمنيات للأخت والصديقة الشاعرة المضيئة المبدعة ريتا عودة، ودمت صاعدة الى والارتقاء، واننا بانتظار بما هو جديد وجميل ورهيف وحالم، وما جدوى القصيدة بدون حلم..؟!!

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .