نابلس – مدار للصحافة والاعلام – نظمت دار الفاروق للثقافة والنشر لقاء ثقافيا تم خلاله مناقشة ديوان القصائد النثرية ” تعويذة الحب والياسمين “للشاعر الفلسطيني هادي زاهر وذلك بحضور نخبة من الارباء والمثقفين والمهتمين
افتتح اللقاء الروائي “محمد عبد الله البيتاوي” مشيرا إلى أن مؤلف الديوان يعتبر “هادي زاهر” واحدا من الكتاب الفلسطينيين الذين لهم حضور شبه دائم في الساحة الفلسطينية ويعود ذلك إلى تعدد المواضيع التي يكتب فيها، فقد كتب في القصة القصيرة والرواية والمقالة وهو يكتب أخيرا في القصيدة النثرية ، كما أن المواضيع التي يطرحها في أدبه تعبر عن واقع الفلسطيني وما يعانيه من قهر الاحتلال، لهذا نقول أن كتابات “هادي زاهر” يمكن أن تصنف ضمن أدب المقاومة، فهو لا يكتب للرفاهية أو للمتعة فقط، بل لخلق حالة فكرية تعري واقع الاحتلال وممارساته القمعية بحق شعبنا.
وأضاف قائلا: إن هذا العمل ليس أول عمل له تصدره دار الفاروق بل هناك مجموعة من الكتب سبق إصدارها عن دار الفاروق منها “الرقص على الحبل، القاتل المجهول، أمطار أبابيلية” الطبل والأفاعي ، والعمل الأخير “تعويذة الحب والياسمين” هو العمل الأول في مضمار الشعر، ونجد فيه روح ما جاء في المجموعات القصصية، لهذا نجد الهم الفلسطيني حاضر وقوي في قصائده، فهناك العديد من الشخصيات التي تناولها الشاعر مثل “عهد التميمي ورازن النجار” وغيرهما، وهذا ما يجعلنا نقول أن الكاتب يهتم بالحدث الوطني الفلسطيني ويأخذ مكانه فيما يقدمه من أعمال أدبية.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الأستاذ “سامي مروح” الذي رحب بالكاتب هادي زاهر ثم قال :هذه قصائد نثرية، فهيا متعة، وتحمل مضامين وطنية،، لغة الديوان تميل إلى اللغة المحكية، حيث يمكن لأي قارئ يجد نفسه فيها، فقد جاءت بلغة سهلة وواضحة، لكننا نجد ـ أحيانا ـ ينفعل في بعض القصائد فيعلو صوته، لكن أيضا هناك قصائد جاءت تحمل شيئا من الرمز كما هو الحال في قصيدة “ألاعيب أبالسة وشياطين” عندما قال:
“كأنك من سلالة العقرب
تلك الحشرة الوحيد
التي لا تبني مسكنها
بل تسطو على مساكن الآخرين
تنفث السم فيهم” ص31
فهذه الكلمات السهلة والبسيطة تحمل شيئا أبعد بكثير من بساطتها، وتضعنا أمام ما يقوم به المحتل تجاه الفلسطيني، ورغم بساطة الرمز إلا أنه يوصل الفكرة، ويمكن التقاطها من القارئ، ونجد اعتزاز الشاعر في نفسه وفي شعبه في قصيدة “شربت من دمي ما يشبع ذئاب الأرض” والتي يقول فيها:
“أنا العربي الدرزي
عروبتي رأس مالي وكنزي
جذوري هنا في أحشاء الصخر
في عروق ينابيع البحيرة والنهر
في بوح مشاتل الزهر” ص39،
فهنا يرد الشاعر على من يحاول أن يفسخ وحدة الشعب الفلسطيني، وبالتأكيد مثل هذا القصيدة لها أثرها في المتلقي العربي ومكانتها الفاعلة، فهموم الطائفة الدرزية أحدى هموم الشعب الفلسطيني.
أما الشاعر “عمار خليل” فقال: نجد المباشرة في العديد من القصائد، وتفتقد للرمز أو الإيحاء، وهذا يعود إلى حالة الاحداث الساخنة التي يعيشها الشاعر، فنجده منفعلا ومتأثرا بما يكتبه، حتى يمكننا القول أنه متوحد في قصائده، ثم قرأ ورقة نقدية متكاملة جاء فيها: ” لقد اختار الشاعرُ في ديوانه تعويذة الحب والياسمين أسلوب المباشرة، إذ ابتعد في بعض القصائد عن الرمزية والجمل المركبة والصور الفنية، فخرج النص متواضعا بسيطاً، لكن الفكرة سرعان ما تصل للقارئ بكل ليونة وسهولة ، ولعل ذلك مرجعه الحالة التي يكتب بها الشاعر من لحظات انفعال وانغماس بالأحداث الجارية والمتفاعلة حوله، هنا أريد الوقوف على شكل هذا الديوان بعيداً عن مضمونه ، كأني أرى الشاعر متعجلاً في كتابته ، يريد مجاراة الأحداث ، فتراه يتناسب معها طريداً ، فأراه ما بين سطور ديوانه ، في حالات تختلف في أدائها ولكنها في مجملها انفعالية ووطنية ، فمرة أراه يعدو .. ومرة يرفع صوته، ومرة يجلد ذاته العربية، وغيرها من الحالات النفسية للشاعر.
استطاع الشاعر توظيف بعض الدلالات التاريخية والدينية في النص، واستطاع أيضا أن يعطينا كثيرا من الأسماء الوطنية والنضالية التي نجهلها، من أكثر ما لفت نظري، هو العنوان الأنيق والتصميم الموحي لهذا الديوان ، ولكن برأيي لم يوفق الكاتب في إيجاد الحالة الشعورية والانسجام مع عنوانه، فلو لبست القصائد داخل دفتي الديوان ثوبا غراميا مطرزاً بآيات الحب والياسمين، لفهمت حينها أن هذه التعويذة العشقية هي سلاح الشاعر في محاربة الكراهية والحرب ”
أما الأستاذة “فاطمة عبد الله” فقالت: إن الشاعر ابن بيئته وعصره، يهتم بالأحداث، فالحروف والكلمات حامية وصادقة تعبر عن واقع الفلسطيني، الوطني ومواجهة الاحتلال وتحديه، ونجد في هذه القصائد روح الشعر الشعبي الذي يلقى في المهرجانات الشعبية والمناسبات الوطنية، فالقصائد بسيطة ويمكن لأي قارئ أن يلتقطها ويستمتع بها، ويأخذ الفكرة التي تحملها، فهي بعيدة عن التعقيد، ونجد فيها العاطفة من خلال حديث الشاعر عن الأحداث الساخنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، فالعديد من القصائد تحمل اسماء شخصيات تدفعنا للتعرف عليها للتقرب منها أكثر، وهذا يحسب للشاعر الذي يهتم بالأشخاص/ بالإنسان كما يهتم بالمكان، ومن يقرأ الديوان من خارج فلسطين يشعر بحقيقة العنصرية التي يمارسها المحتل في فلسطين، ويتأكد بأن هناك احتلالا عنصريا يمارس ضد شعب اعزل ، وليس دولة ديمقراطية كما يدعي|.
ثم تحدث الأستاذ “نضال دروزة” قائلا: “الشاعر “هادي زاهر” شاعر مشاكس، يعاني من الاحتلال كأي فلسطيني، من هنا نجد في شعره الحماس والصوت العالي، وكنت اتمنى على الشاعر ان يقدم ما هو جديد في هذا الديوان، رغم حمى الاحداث الساخنة التي يتناولها.
أما الاستاذ رائد الحواري فقدم ورقة نقدية جاء فيها:
كلما ابتعد الأديب/الكاتب عن الانفعال، تحرر من المباشرة والصوت العالي، لأن للعمل الأدبي شكلا غير شكل وطريقة الخطاب السياسي، “الشاعر هادي زاهر” يعيش في أتون الصراع، فهناك مواجهات يومية مع الاحتلال وصدمات، بحيث تجعله في حالة ساخنة مع الأحداث، وإذا ما علمنا أنه يكتب المقال الصحفي السياسي وبصورة دورية، نستطيع أن نتفهم وجود بعض القصائد المباشرة والتي جاءت بصوت عال، فالفكرة تقدمية بالتأكيد، لكن الشكل الأدبي كان متواضعا، وهذا لا ينفي وجود قصائد جميلة والممتعة، فرغم بساطة اللغة إلا أننا نجدها جميلة كما هو الحال في قصيدة “في ذكرى تخيم الرحال” التي يقول فيها:
“أيها الواحد الأحد
كل ما يدب على الأرض
له بيت .. له سكن
وأنا يا إلهي غريب
ليس لي بلد” ص7،
الاستغاثة بالله يعطينا حجم الألم الذي يمر به الشاعر، وعندما اعطانا تفصيل وجعه، البيت والبلد، أوصل لنا همومه بكلمات سهلة وبسيطة لكنها قوية ومؤثرة في ذات الوقت.
ودائما الشعراء يتحدثون عن أدواتهم المتمثلة في كتابة “القصيدة“:
“الشعر يسير في الطرقات
يتسلل إلى البيوت
يسهر في الشرفات
يتسلق أشجار الحديقة
يصعد … يخترق زرقة السماء
يصبح غيما .. سحبا زرقاء
ويمطر ماء دافقا” ص18،
وكأنه من خلال هذه الفقرات يؤكد على دور الشعر في الحياة، واعتقد أن الشاعر عندما ركز على “زرقة السماء” أراد بها التأكيد على الفضاء الرحب وما تحمله من معنى للحرية، كما جاء تركيزه على السحب والمطر ليشير إلى حالة الخصب القادم، وهذه الثورية تعد الأجمل في هذه القصيدة، فحيث يجتمع الفضاء/ الحرية ب”زرقة” والخصب/ الأمل/ التحرر في “السحب/ المطر“.
ونجد الشاعر يستخدم الأدب الساخر في قصيدة “نحن الصناع ..الزراع … العمار“:
تم بناء القصر
مصطبة وسقفا وجدارا بعد جدار
ما حاجتي “لسينمار”
وحده يعرف موضع اللبنة
وأين يكمن خطر الانهيار
وكيف يكون هذا القصر دمار
وأنت يا سينمار من سلالة غير مؤمنة
كيف نأمن لك وأنت من الأغيار!
والقصر وما علي خصه الله لشعبه المختار
ونحن من رضى الله
قد خصنا بسننه
يسعى إلينا نسعى له
لنا الله وحدنا
ولا أحد قبلنا ولا بعدنا
ولنا الجنة ولهم النار” ص63،
بهذه الكلمات يلخص لنا الشاعر الطريقة التي يفكر بها المحتل، فرغم بساطتها إلا أنها أوصلت الفكرة وبطريقة سلسلة وممتعة، لهذا نقول ليس
ونجد الشاعر يستخدم بعضا من رموز فلسطين فيقول في قصيدة “أيها المسافر في فلك دمي:
“بورك الزيتون والتين
في هذا البلد الأمين”
فالشاعر هنا تحدث عن شحرتي التين والزيتون التي تشتهر بزراعتهما فلسطين، وربطهما بالقرآن الكريم، من خلال “هذا البلد الأمين” ليعطي بعدا مقدسا لها، وهذا الجمع بين الرمز والدين يشير إلى أن القصيدة خصبة بالدلالات التي تحملها.
ونجد هنا جملا فيها أكثر من عنصر دلالي في قصيدة “عمدها بمسك وطيب الموج“:
“أعرف بحري وحبه لي
وزرقته التي عمدت مولدي
… وقمطته الأرض طفلا
وتعمدت به خطى الأنبياء
وتوضأ بزرقته الأنبياء
ولاذت بذور الخليقة بهذا لترب
فأنجبت زيتونا وتينا ونخلا” ص 82و83
هناك دلالة الحرية في البحر بزرقته وزرقة السماء، وهناك المسيحية في الطفل الذي تعمد بالماء، وهناك الإسلام في توضأ بزرقته الانبياء، وهناك توحيد ديني وجغرافي من خلال “الزيتون والتين والنخيل، هنا نجد مكامن الخصب في القصيدة.
ونجد في قصيدة “ملح وماء” الهم الفلسطيني والذي يمكننا أن نسقطه على الواقع العربي الآن، يقول:
“تركونا وحدنا على مائدة اللئام
وفي كل منفى نصبوا لنا الخيام
كم نحن وحدنا
لا قبلنا ولا بعدنا
كم نحاول جهدنا
أن تحسن القيام” ص90
كل هذا يجعلنا نقول أن هناك شيئا جديدا في الديوان، وكان يمكن أن يكون الشاعر “هادي زاهر” أكثر تألقا لو تخلص من حمى الأحداث وتحرر من واقعه، لكن، لكل شاعر/كاتب ظروفه الخاصة التي تجعله منفعلا حادا فيما يقدمه من أدب.
وفي نهاية الجلسة تحدث الشاعر هادي زاهر” قائلا: “شكرا للجنة الثقافية في دار الفاروق التي تهتم بالأدباء والأدب، فهذا العمل الثالث الذي يناقش لي فيها، وأنا سعيد بهذا الاهتمام وهذا النقاش، الذي يعبر عن واقع حقيقي للنقد، فهو بعيد عن المجاملة والتعظيم، لكن من حقي أن أدافع عن وجهة نظري وما جاء في تعويذة الحب والياسمين” أولا هو العمل الشعري الأول الذي أصدره، فإذا كان ضمن المستوى المتوسط فأنا سعيد بهذا الأمر، وبخصوص المباشرة التي تحدث عنها بعض الزملاء فهذا يعود إلى أن طبيعية الجمهور الذي اخاطبه، وأخص هنا “الطائفة الدرزية، التي يعمل الاحتلال على سلخها عن شعبها، فهناك عملية اعلامية هائلة تمارس التجهيل وتغريب دروز فلسطين عن محيطهم الفلسطيني والعربي، فكان لا بد من استخدم لغة سهلة بعيدة عن التعقيد، وأنا احاول في كتاباتي المتنوعة أن أوضح وأكشف طبيعة وحقيقة ما يجري.
الديوان من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2018 “