التجربة الروائية النسوية العربية ، رواية ” عيناك والاحتلال ” لمها عبادي نموذجاً..!! بقلم : شاكر فريد حسن

 

هنالك اهمية للرواية في التجربة الادبية النسوية ، وفي الادب العربي عموماً ، وثمة غنى بالمساهمات في هذا المجال يستند التوثيق والقراءة والبحث المعمقين في الخصائص الجمالية والفكرية لهذه التجربة الابداعية ، وجماليات الصورة في الابداع النسوي العربي .ولا بد من صقل الادوات الكتابية الأدبية والملكة الابداعية ، من خلال الارتكاز على الالتزام بقضايا العامة والمصيرية ، بحيث ينطوي على بعد انساني مثير يتطرق للذات العربية ، وذلك بنصوص جريئة منفتحة على الماضي السحيق والحاضر المر ، تتكلم عن المرأة ، الجسد وعلاقاتها بالرجل والحالة الاجتماعية والسياسية ، والتحولات والتناقضات الموجودة في العالم العربي ، انها تجربة تحلق في عالم من المحرمات والطابوات وتكسر كل الممنوعات وتلغي عبر النصوص الجريئة انظمة القمع الجسدي والفكري والرقابة .

لقد شكلت رواية ” انا احيا ” ومن ثم ” الالهة الممسوخة ” للكاتبة الروائية ليلى بعلبكي الانطلاقة الاولى للمرأة في اعلان تمردها وثورتها وخروجها على المألوف .

ومع تنامي صرخات ودعوات التحرر والمساواة الاجتماعية للمرأة، التي رفعتها القوى الطليعية والثورية التقدمية في المجتمعات العربية تزايد صدور الروايات بأقلام نسائية عرفنا منها غير بعلبكي الروائيات اللواتي برزن على ساحة الابداع وتركزت اعمالهن الروائية على القضايا النسائية نذكر على سبيل المثال لا الحصر كوليت خوري واميلي نصرالله وهدى بركات وحنان الشيخ وعلوية صبح وسلوى النعيمي ورجاء الصانع وسحر خليفة وليانه بدر وليلى الاطرش وفاطمة ذياب وهيام قبلان وشوقية عروق منصور ورجاء بكرية وغيرهن .

اضافة لروائية فلسطينية ناشئة وصاعدة من بلادنا تمشي على خطاهن ، وهي مها عبادي صاحبة رواية ” عيناك والاحتلال ” التي يذكرني عنوانها برواية السورية غادة السمان ” عيناك قدري ” .

وتتركز معظم الروايات النسوية العربية على الهموم التي اثقلت كاهل المرأة العربية والقضية الذاتية ، وتوق المرأة للتحرر من سطوة الرجل وعادات المجتمع وتقاليده .

ومما لا شك فيه ان قضية الحرية هي القضية الاولى المطروحة والاكثر تناولاً في الرواية النسوية العربية .

هذا بالإضافة الى المعاناة والمكابدة اليومية للمرأة من القهر والظلم المجتمعي والاحساس بالاغتراب ، والنظرة الذكورية والتقليدية التمييزية بحقها وضدها .

ولعلني اتفق مع الشاعر المصري الكبير احمد عبد المعطي حجازي بخصوص الكتابة النسائية ، حيث يقول : ” اذا كانت الكتابة فعلاً من افعال التحرر ، فكتابة المرأة تحرر مضاعف . كتابة المرأة طقس تتحرر به من قيودها الداخلية والخارجية المرئية واللامرئية . كتابة المرأة خروج من ليل مظلم طويل الى صباح كأنه اول صباح خرجت فيه المادة من عمائها السديمي الى كينونتها الحية الواعية .

ورواية ” عيناك والاحتلال ” لمها عبادي ، التي حظيت باهتمام المثقفين والنقاد واهل القلم وعشاق الكلمة ، واحتفي بها كالاحتفاء برواية ” انا احيا ” لليلى بعلبكي ، ورواية ” ايام معه” لكوليت خوري .

ومها عبادي هي اصغر روائية فلسطينية وعربية ، كانت في السادسة عشرة حين اصدرت روايتها، وهذه سابقة في الكتابة الروائية ، انها موهبة لافتة للنظر ، عرفت منذ الصغر بكتاباتها الابداعية التي برعت فيها بدروس ومواضيع الانشاء باللغة العربية ، وقد فازت بعدد من الجوائز التقديرية القطرية لطلبة المدارس ، كما فازت بالمرتبة الاولى في مسابقة ” الكاتب المبدع ” ، وحصدت جائزة سفر للدانمارك ، حيث شاركت بمهرجان الربيع الدولي بأمسيات ادبية وثقافية مع مجموعة من المبدعين الشباب والصغار من الاقطار العربية والجاليات في دول العالم . وقد صمم غلاف روايتها في الطبعة الاولى الفنان الفحماوي محمود جبارين، فيما صمم لوحة الغلاف في الطبعة الثانية الفنانة روان جبارين . اما التدقيق اللغوي للرواية فقام به الكاتب نعمان عبدالقادر صرصور من كفر قاسم .

لقد اشهرت مها قلمها غائصة في محابر دمها ، راسمة عناوين جديدة لمعاناة وواقع شعبها في ظل الاحتلال الجهنمي البغيض .

وتحكي الرواية عن علاقة جمعت بين شاب وفتاة فلسطينيين على خلفية الممارسات الاحتلالية التنكيلية القمعية ، وتطرح موضوع الطائفية والتسامح الديني ومسألة الحدود ..!

وهي تهدي روايتها لوالديها اللذان وقفا الى جانبها حتى تمكنت من طباعتها واصدارها بصورة جميلة ، وقالت في اهدائها : ” من اعماق الجروح في معتقداتي ، ومن خبايا قلبي فوق هذه الصفحات الى فضولي لأشبعه اولاً والى امل من ساندني ثانياً ، الى امي بعد ان افتت بأن الامهات بحد ذاتهن جنة ، والى ابي الاربعيني الذي زادته خصل الشيب وقاراً ، الى اسرتي في فلسطين المحتلة ، والى الاعزاء خارج الاسوار ، الى كل من عاش الحب ثم الى كل صاحب ديانة ، مبدأ او عقيدة ، الينا ومن واقعنا هذه الصفحات . الشكر الخاص الى اكثر الداعمين والعزيزين على قلبي .

ما يلفت النظر في هذه الرواية انها تمس مشكلة الطائفية برقة وخفة ورشاقة ، وكذلك الجرح الانساني الكبير الذي ينزف بين سطورها ، وهذا الموقف الحضاري الواعي من الطائفية البغيضة لا يستطيع ان يصل اليه الا مبدع فنان ذو عقل وبصيرة نافذة ورؤيا واعية وقلب واسع ، هو عقل وفكر وقلب وقلم مها همام عبادي . فصغار الفنانين ليس لهم موقف حضاري ولا فكري على الاطلاق ، وصاحبة ” عيناك والاحتلال – وعد ياسمينه” تعكس موقفاً محدداً وواضحاً، هو الموقف الانساني الرافض للطائفية وللتعصب الطائفي والديني والمذهبي ، الأشد خطراً على المجتمع المدني وتقدمه العصري الحداثوي .

لقد استطاعت مها ونجحت ان تصور وتجسد هذه المشكلة ، التي تقف سداً منيعاً امام تطور وتقدم مجتمعاتنا ، في روايتها بصورة عميقة تسمو الى درجة من الشفافية والمقدرة الفنية الخلاقة المبدعة ، فالرؤية الانسانية والموقف الحضاري يتضحان امامنا من خلال متابعة ومواكبة الاحداث وتطوراتها في الرواية وتحليل علاقاتها وابعادها المختلفة .

واللغة في الرواية فتحافظ على مستواها العادي السردي ، وهي لغة تنساب بسلاسة ، وفيها الجمالية والوجدانية والانسيابية ، والتعابير متناسقة اخاذة تأخذنا في رحلة عشق تتمازج فيها دموع الفرح بالحزن والشجن، وتتوالى خفقات القلوب من صخب الالم والوجع ، ومن شدة الفرح والسعادة وعناق الروح .

اما الاسلوب الروائي فمشوق جدا ، وبسيط يلامس شغاف قلوب القراء .

في الاجمال ، رواية ” عيناك والاحتلال ” لمها عبادي، هي رواية جادة وهادفة تسبح في بحر الواقعية التعبيرية ، وتستحق القراءة والاهتمام والوقفة النقدية والتناول الاستعراضي ، وانني اراهن على مها، الوردة الادبية النامية في رياض القص الروائي ، ان يكون لها شأن في المشهد الروائي والثقافي الشبابي الفلسطيني في هذه الديار . وتحية لمها عبادي التي تصبو الصعود والارتقاء للسماء وفضاء الابداع .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .