الدكتورة عايدة نصرالله ..اشراقة الفن القصصي والروائي والرسم بالكلمات…

شاكر فريد حسن
الدكتورة عايدة نصرالله كاتبة وأديبة وقاصة وروائية فلسطينية جريئة وفنانة تشكيلية مميزة من ام الفحم ، في اعمالها القصصية والروائية والفنية الابداعية نكهة الحلم والجسد والروح والضوء والمعاناة والصدق وشاعرية مرهفة الحس .
خرجت عايدة من رحم امها سنة ١٩٥٦ في ام الفحم ، نشأت فيها وتعلمت في مدارسها وتتلمذت على يد الاستاذ والاديب الشاعر الراحل احمد حسين ، وهي حاصلة على شهادة الدكتوراة من جامعة تل ابيب عن اطروحتها ” تجليات الجسد والفن الادائي لدى الفنانات الفلسطينيات المعاصرات من سنة ١٩٨٩-٢٠١٠.
كتبت عايدة المسرحية والقصة القصيرة والشعر والرواية ، ونشرت كتاباتها في صحيفة ” الاتحاد” العريقة ومجلة ” الجديد” و” الغد” المحتجبتين ، ومجلة ” اتحاد الكتاب العرب ٤٨” المتوقفة عن الصدور ، وترجمت اعمالها الى العيرية والاسبانية والانكليزية .
شاركت عايدة في مؤتمرات عالمية حول الأدب والفن ، وفي معارض فنية عديدة سواءً في البلاد او خارجها ، وعملت صحفية في صحيفة ” الاتحاد” بمكتبها في ام الفحم الذي كان يديره آنذاك الرفيق توفيق حصري ” ابو همام ” ، ومدرسة للفنون في كلية عرعر ، وفي المدرسة الثانوية للبنات في ام الفحم ، ومشرفة على ورشة عمل فني بمركز العلوم والفنون – الغزالي بام الفحم ، ومدرسة للفنون في كلية تأهيل المعلمين في معهد بيت بيرل ، وغير ذلك من المراكز والمؤسسات .
ونشرت اكثر من ١٢منجزاً ومؤلفاً في حقول المسرح والقصة والرواية ، نذكر منها: ” حفنات ، انين المقاهي ، عزيزي وراء البحار ” بالاضافة الى مجموعة قصصية بعنوان ” مهد من ورق ” التي صدرت في الاردن عن ” الآن ناشرون ” وسواها .
وكانت عايدة في عدة لقاءات بالمانيا احتفاءً بصدور الترجمة الالمانية لروايتها ” عزيز من وراء البحار ” التي بادرت على تنظيمها على مدار اسبوع دار النشر ” قيرلاج ” التي تولت واشرفت على اصدار الرواية ، التي يديرها الشاعر الالماني رومان كوفا الذي التقت به وتعرفت عليه في أثناء ورشة أدبية اقيمت في تل ابيب . وعادت عايدة من هذا اللقاء بانطباعات ايجابية حيث شعرت بمدى الاحترام والتقدير للابداع والمبدع ، وبحفاوة الاستقبال وحرارته ، وفي الوقت نفسه انتابها شعور بالإسف والحسرة لاننا في مجتمعنا – الا ما ندر – مثل هذه الاحتفاءات التي لها اهميتها في دعم مسيرة كل مبدع .
وتستحضر عايدة ايام صباها فتقول ؛ ” كان أبي يأخذني معه الى المقهى فيلعب مع أصحابه الشدة وطاولة الزهر ، يريدني ان اتفرج على صراعاتهم اللعبية ، وشتائمهم المخلوطة بالشوارعية والبذاءات احياناً .
اما عن نفسها فتقول : ” أنا الغريبة ، واحب هذه الغرابة اذا جاز التعبير عنها بالغرابة ، احبها لأنها تمكنني من فتح بؤر لا ترضي الآخرين ، ولو لم أكن كذلك لما كنت نفسي ، فهي التي جعلتني كفيلة بأن أكون منتمية لجميع المهمشين والفقراء على هذه الأرض ، امرأة التراب ، وتفرغ في داخلي طبول غجرية وطنها حضن بربري ، هذه هي الطفلة التي تريد ان تتسلق الاراجيح وتلعب بالدمى وعنها كتبت في مقدمتها البحث عن وميض :” عندما تحاولين سلبي مني ، وأنا تائهة في جدل الرغبة في لي عنق النعاس لالتقيك تهربين في أوج الوهج .
والقاني غاضبة الانفلات ذلك العبق الذي انتشي محلقة كفراشة في طريقها للاحتراق ؟ عندما اكره اقترابك مني واستسلم واجلس على حافة النعاس كالمدن المهزومة عندما يسكنها الصمت .
آه لو تعرفين كم هو جارح هو نعاسي عليك ، نعاسي اليك ، ونعاسي فيك .
استطاعت عايدة نصرالله ان تقدم نموذجاً جديداً للاابداع الذي يؤصل للثقافة الفلسطينية التي تأبى الذوبان او الضياع .
قصص عايدة نصرالله تطفح بالمشاعر الانسانية النبيلة ، وتتضمن دفئاً انسانياً صادقاً واحساساً عارماً بانسانية الانسان ، وشعوراً مفعماً بهمومه وآلامه وعذاباته ، وتستلهم الواقع الجماعي والسياسي القهري بقدرة تصويرية هادئة بارعة ، وهي متنوعة المواضيع والتقنيات ، وتمزج بين الواقع والخيال ،انها تنفذ الى اعماق ابطالها وتعايش وتتلمس آلامهم ، وتتميز بصفات اسلوبية واحدة تكثيف اللغة ، اقتضاب الجمل لتكون متوترة ، مميزة ، ومركزة .
واقعية عايدة نصرالله قائمة على ابداع المخيلة ، لكنها تحاول اقناعنا دائماً دائماً بصدق ما ترويه عن طريق الرسائل والمذكرات ، وهي تعالج الموضوعات بذكاء واتقان ورهافة مميزة ، موجهة اهتمامها خاصة نحو هموم المرأة العربية المكبوتة المظطهدة ونحو اسس الصراع الطبقي ، والاستغلال والعنصرية والاغتراب الحياتي ، والقهر السياسي ، وجمود العاطفة وامتهان الكرامة الانسانية .
وفي مجموعتها ” مهد من ورق ” التي تحتوي على خمسة وعشرين قصة تخبئ أكثر مما تحكي ، تطوف في أماكن كثيرة ، تبحث عن شخصيات فريدة ، حية ، لها مواقف اصيلة وآراء عميقة في الحياة ، شخصيات واقعية ، تعيش بيننا ، لكننا لم نكتشف في اي لحظة جمالها ، الا من خلال ريشتها الفنية ، ولغتها الشاعرية التي تتناسب مع حرارة الموضوع .
أما روايتها ” عزيزي من وراء البحار ” فهي رسائل موجهة لرجل خيالي تخاطبه عايدة وقد يكون الأب والصديق او حبيب ، ومن خلال هذه الرسائل تنقل يومياتها عن معاناتها الذاتية كامرأة كاتبة وفلسطينية تعيش تحت الفراغ المركب اجتماعياً وسياسياً .
وتحاول الرواية ان تطرح أسئلة مهمة حول الهوية والانتماء على شرفة احدى العمارات في قلب تل ابيب تجلس كاتبة فلسطينية لا تكاد تستطيع ان تصدق نفسها .
عايدة نصرالله فنانة تشكيلية ورسامة ماهرة ومتمكنة ، وعن ذلك تسهي وتقول : ” عندما ارسم لأفكر ، اضع الالوان امامي وانتعف فيها ، اسبح فيها ، امارس طفولتي معها ، والرؤيا تبقى للمشاهد ، الرسم هو البحر الذي اعشقه ، وهو يعكس حالتي الغريبة احياناً ، عندما اعجز عن التعبير بالكلمة اراني الجأ للرسم ، فاللون هو مرتعي بلا مقولة ثابتة ، بعض اللوحات بامكانك ان ترى فيها نساء غاضبات ، نسائي هن اليغوريات ، اي يعملن على مستوى الرمز وكيفية رؤية المشاهد وليس بحسب فكرة مقولية مسبقاً ، فقد تراهن عاشقات وقد تتخيل بانهن يمارسن العادة السرية ، كل ما شاء خيالك يمكنه ان يرى بتلك اللوحات ، فلوحة المسبحة مثلاً ، فسرها البعض انها رسماً ارو طيكا ، والبعض رأها لوحة صوفية ، كل يرى ما يريد وانا ارى ما اريد .
والجسد موضوع وموتيف مهم ومطروح بشكل جلي وواضح في قصص ولوحات عايدة نصرالله التشكيلية ، وتصور ذلك بكل جرأة وشجاعة رغم انه يعتبر من الممنوعات والمحرمات في مجتمعنا ، وعن ذلك تحدثتا قائلة ؛ ” الجسد هو النص وهو اللون ، فلو لم يكن لدينا تماس مع اجسادنا كيف كنا سنعبر عن آلامنا ، احزاننا ، فرحنا ، شبقنا .
وهي تتساءل : اليست الدموع تسكن الجسد ، والحليب ، والماء ؟ ولو لم يكن للجسد حس بالموسيقى كيف كان يستطيع الرقص على ايقاع الطبول البربرية التي عبرت عن الروح منذ عمر .
وتضيف : ” نحن نتعرف على انفسنا وعلى الآخر غير الجسد ، وكما يقول العالم النفسي جاك لاكان فالطفل اول ما يعرف نفسه كوجود مستقل هو عبر جسده في مرحلة انعكاس نفسه بالمرأة ويتحسس نفسه يتعرف على يديه وعلى رجليه فمه وانفه ، والى ما ذلك عبر الجسد ، لم نكن نسطتطيع التعبير عن الحياة لولا تماسنا مع الجسد ، ولم نكن نستطيع التعبير عن الموت لولا الجسد فعن طريق المؤشرات الجسدية والتي لا تتمثل في الموتيفات المادية نحن نكتب .
من لم يعش الشهقة الاولى لا يستطيع تصويرها ، وان صورها سيكون كاذباً ، ومن لم يشعر بدبيب النمل على جلده عند رؤية حبيب لن يصف هكذا وصف ، ومن لا يقف شعر رإسه لمشاهد الدم والموت لن يخلق ايضاً الموت في نصوصه . الجسد هو اللغة ليس معبر عن اللغة بل هو اللغة ذاتها وحينما تعجز اللغة عن التعبير نعبر بالايماءات الجسدية ، اذن الجسد هو سابق للكلمة ، ولكي تكتب المرأة عليها العودة الى كتابة الجسد بمعنى ” الاختلاف ” البنيوي والشعوري الذي يحمله هذا الجسد ، كمعنى وليس كحلم مجرد ، عندما نكتب اجسادنا فنحن نكتب انفسنا ونؤسس لسياسة جديدة في محاولة فهم دينماكية للحياة .
عايدة نصرالله قاصة وروائية ورسامة تشدنا بلغتها المنسابة واسلوبها القصصي والروائي المشوق الممتع ، وموضوعاتها الاجتماعية بكل جرأة ووضوح ، والوان لوحاتها الزاهية ، ونرى في قصصها وروايتها خليطاً ومزيجاً من الشعر والسرد والحوار ، وهي لم تأخذ حقها من الاهتمام النقدي ، ولم ينصفها النقد المحلي ، فهل ينصفها التاريخ الادبي والثقافي.!!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .