كثيرون تساءلوا محتارين، ماذا سنفعل بعد انتهاء المونديال؟! في إشارة الى حالة الفراغ التي ستأتي عليهم بعد ليال طوال، شاهدوا فيها وتابعوا بطولة كأس العالم الكروية، التي استضافتها أعظم دول العالم في عصرنا روسيا. انشغل شبابنا وشاركهم هذا المرة الفتيات والنساء، اللاتي رفضن اللجوء الى النوم بينما الرجال في صراع على البقاء، فالتهبت المشاعر العاطفية واحتدت النقاشات وعلت الصراخات العائلية، كل ذلك حول أوفسايد أو مخالفة أو ركلة ترجيحية.
لا تحزنوا أحبائي كثيرا ولا تقنطوا من فضلكم، فمونديال الكرة انتهى لكن يأتيكم مونديال آخر ليشغلكم.. وإذا ما ارتحتم من مونديال المنتخبات، يحل عليكم صاخبا مونديال الانتخابات. هل نسيتم أنه بعد ثلاثة أشهر سننزل الى الصناديق، لنختار من نحب ونسقط من نكره ونخدع أعز صديق؟ وبعدما قمنا بالمراهنة على الدول والمنتخبات، سنراهن عما قريب على المرشحين والمرشحات. وبعدما فرحنا واحتفلنا بفوز منتخبنا مع الجمهور، وانطلقنا نجوب الشوارع بالسيارات بالصفير والزامور، أو لنجاقر جمهور المنتخب الخاسر المقهور. لن نمل ولن نكل من قوافل السيارات، بعد كل اجتماع سننطلق ونحن رافعي الرايات، وسنحرم النوم من عيون الأطفال والشيوخ وكل الأمهات. فالعصبية القبلية والرابطة العائلية تدعونا للتحرك واحتلال الشوارع والساحات.
سنحضر عند كل مرشح مهرجان، يستقبلك بالقهوة المرّة في فنجان، وبعده طبق الفواكه والنقل والحلويات، وهو يشرح ويحلل ويسشتهد بالآيات. تارة يصرخ وتارة يهدد، طورا يرخي ومرة يتودّد، والناس في مقاعدها، تلتزم أماكنها، تسمع بالآذان وتملأ البطون لا يهمها وعيد ولا تهزها ألفاظ الشجون. وننتقل من مهرجان الى لقاء، حيث ندخل في الأجواء، كم سيدفع وأي وظيفة تنفع، وما هو ثمن الصوت وكيف يضمن الوقت. جولة من المفاوضات لا تخلو من خذ وهات، تنتهي بالعناق والقبلات وفي النفوس شكوك وتخوف من الآت. ويظن كل طرف أنه خرج وهو منتصر، وضمن حقه من الكعكة وكرسي المجلس المنتظر.
ولن نعدم في مونديال الديمقراطية، بعض الحركات والألاعيب الصبيانية، كما شاهدناها على أراضي الملاعب الروسية، تذكرنا بطلاب المدارس وكل من يخالف ويدعي البراءة الطفولية. اذا صفر الحكم للاعب معلنا عن مخالفة ارتكبها، استهجن اللاعب الأمر ورفع يديه وأنكرها. واذا استدعاه المدرب لمغادرة الملعب وكان فريقه متفوقا، تمهّل وودّع الجمهور وسار كأنه في عرض أزياء مشوّقا. أما اذا كانت النتيجة في غير صالحه، رأيته متوترا، متسرعا، مقاتلا في غير محله. واذا خسر المباراة افترش الأرض ثم بكى وسالت من عينيه الدموع، واذا فاز ابتسم وقفز ورقص كالبهلوان أمام الجموع. هي حركات أقل ما يقال فيها أنها مملة مستهترة تحتاج الى قليل من الخشوع. لكن سيكون عند المرشحين والمتنافسين منها الكثير، فاحذر أن تصدمك أو تحدث عندك تأثير.
لا لن نملّ ولن نشعر بالفراغ والكسل، وستكون أيامنا كليالينا حافلة بالكذب والرياء والدجل.. سنجيد المجاملة وبراعة التمثيل، وسنعدُ كل مرشح بصوتنا الثقيل.. والمرشح لن يبخل علينا بحلو الكلام، والوعود والبرامج بل وتحقيق الأحلام.. ونحن نجعل أنفسنا مصدقين وبوعوده واثقين، وفي سرّنا نشتمه وعلى شفاهنا نردد.. آمين!
(شفاعمرو/ الجليل)