لم تشهد الطّائفة الدّرزيّة منذ فترة طويلة نزاعاً حادّا كالذي شهدته في الأسابيع الأخيرة حول موضوع الاحتفال أو عدم الاحتفال بعيد الفطر، والّذي تطوّر لاحقا إلى نقاش عنيف كانت ذروته تعرّض بعض المشايخ والوجهاء الّذين حاولوا الاحتفال بالعيد من خلال لقاء جماعيّ في رحاب مقام النبيّ الخضر –ع- في كفر ياسيف صباح يوم الجمعة الماضي من قبل مجموعة مشايخ محسوبة –على الأغلب – على معسكر الشّيخ موفّق طريف، ومماّ أثار دهشة الكثيرين هو دوافع هذا النزاع وهويّة الأطراف المتنازعة حول هذا الموضوع وفي هذه الفترة تحديدا.
للإجابة على هذه التّساؤلات علينا بداية أن نتّفق بأنّ هذا النزاع ليس نزاعا دينيّا وإنّما سياسيّ بين معسكرين يختلفان حول التّوجّه القوميّ للطّائفة وكيفيّة إدارة شؤونها ونوعيّة علاقتها مع الدّولة. هذا وبالرّغم من أنّ كلا المعسكرين يلوحان بشخصيّات دينيّة كالشّيخ موفق طريف والشّيخ أسعيد ستاوي وغيرهما، فهذا لا يغيّر من الحقيقة أنّ النّزاع هو نزاع سياسيّ، ناهيك عن الحقيقة أنّ للطّائفة الدّرزيّة لا يوجد أعياد وفق المفهوم الغربيّ وإنّما مناسبات دينيّة تحوّلت إلى “أعياد” في ظلّ نشوء الدّول الحديثة في المنطقة ( اسرائيل ، لبنان وسوريا) وتدني نسبة المتدينين من أبناء الطّائفة في العقود الأخيرة، فتحوّلت هذه المناسبات الى أعياد ولقاءات ثقافيّة يحتفى بها. ليس صدفةً أنّنا لم نسمع أيّ كلمة أو تعليق من مشايخ روحانيين وغير مسيسين في هذا الموضوع.
يعود مصدر هذا الخلاف الى السّنوات الأولى في فترة ما بعد استقلال دولة اسرائيل وسياسة الاخيرة اتجاه الطّائفة الدّرزيّة بما فيها مشروع صقل هويّة طائفيّة مستقلّة لأبناء الطّائفة وذلك عن طريق الخدمة العسكريّة في الجيش، الاعتراف بالطّائفة كطائفة دينيّة مستقلّة، بناء منهج تدريسيّ للمدارس الدّرزيّة، تأسيس الكشاف الدّرزيّ وغيرها من المؤسّسات. ولتعزيز هذا، بالإضافة إلى الفصل التّام في جميع المواضيع الثّقافيّة والدّينيّة الّتي كانت تجمع أبناء الطّائفة مع محيطها الإسلاميّ في فترة ما قبل قيام الدّولة بما فيها المحاكم الشّرعيّة، حيث قامت ببناء محاكم شرعيّة درزيّة وبهذا مهّدت للانفصال وتحديدا عيد الفطر والّذي كانت –على ما يبدو- نخبة من الطّائفة الدّرزيّة في فلسطين تحتفل به قبل قيام الدّولة.
من هذا المنطلق فإنّ المجموعة المحسوبة على المعسكر القوميّ – العربيّ – الفلسطينيّ داخل الطّائفة ترى أنّ عدم اعتراف الدّولة بعيد الفطر هو محاولة أخرى من قبل الأخيرة في إبعاد الطّائفة عن محيطها وهويّتها العربيّة الفلسطينيّة، وذلك بالرّغم من أنّ الاكثريّة السّاحقة من أفراد هذه المجموعة هي علمانيّة وبعيدة كلّ البعد عن الأمور الدّينيّة. في الحقيقة أفراد هذه المجموعة واتباعهم هم نفسهم من تصدّوا للمناسبة السّنويّة في مقام النبي شعيب –ع- والتي تحوّلت بمرور السّنين إلى احتفالات رسميّة بمشاركة ممثّلين عن الدّولة والجيش والدّوائر الحكوميّة ايمانا منهم أيضا أنّ الهدف من تحويل مناسبة دينيّة بسيطة إلى “عيد” كان سلخ الطّائفة الدّرزيّة عن محيطهم العربيّ وتعزيز هوّيتهم الطّائفيّة فقط لأنّ هذه المناسبة مميّزة لأبناء الطّائفة الدّرزيّة.
التّحوّل الأكبر في هذا الموضوع هو الاتّحاد الّذي نشهده في السّنوات الأخيرة بين قوى علمانيّة- قوميّة كالتي ذكرت أعلاه مع قوى دينيّة مسيسة بالتّعاون مع لجانٍ شعبية كلجان التّواصل على أشكالها، لجنة الأرض والمسكن ، لجنة المبادرة وغيرها التي عبّرت عن امتعاضها وعدم الرّضى عن إدارة الشّيخ موفق طريف المركّزة لقضايا الطّائفة والمدعومة من قبل مؤسّسات الدّولة وأصاحب النّفوذ السّياسيّة والاقتصاديّة في الدّولة. هذا المعسكر القوميّ – الدّينيّ يحاول تحطيم المعسكر الأخر من خلال ضربات في مناطق حسّاسة تسيء إلى علاقة المعسكر الاخر مع الدّولة، كونها الدّاعم الرّئيسيّ لبقاء هذا المعسكر في السّلطة، فنراها تارة تلوّح بموضوع التّواصل مع الأهل في سوريا وتارة أخرى تهدد بقضيّة عيد الفطر.
المؤسف في الأمر، أنّ هذا النّزاع المستمر يزعزع من مكانة القيادة الدّينيّة والسّياسيّة ويطعن في شرعيتها لدى الأغلبيّة السّاحقة من أبناء الطّائفة ما ينعكس على دورها الضعيف أمام مؤسّسات الدّولة وإمكانيّة التّقدّم في قضايانا المهمّة والمعروفة للجميع. المبادرة الّتي وضعتها نصب عينيّ حول كلّ ما يتعلّق “بتنظيم الطّائفة الدّرزيّة” تستدعي لتحقيقها مشاركة جميع الأطراف وضمّ قوى فعّالة صادقة مستعدّة للتنازل عن فكرة إزاحة الشّيخ موفق طريف كشرط أساسيّ للتقدّم، ولتعاون اكثر من الأخير لإدارة الأمور بأساليب حضارية تناسب طائفة تطمح للرِّفعة والرّقي في القرن الواحد والعشرين.