بقلم: د. أمير خنيفس
لم أكن لأسارع في كتابة هذه المقالة لولا التّمادي الذي صدر من قبل الكثيرين بحق ابن قرية يركا البروفيسور أمل جمّال وبعد أن نشر مقالا بعنوان ” ماذا يعني اقحام الشيخ موفق طريف في مراسيم استقلال دولة إسرائيل السبعين”؟ الردود التي صدرت اثر نشر المقال من قبل شريحة معروفة في مجتمعنا والصمت الذي نجم من قبل أصحاب الرأي، عززت بي الشعور انّ هناك من الشخصيات السياسية والدينية الفعالة في مجتمعنا من تؤمن بأن قضايانا الاجتماعية والسياسية هي ملكها الخاص وأن أي محاولة للتدخل في هذا الاحتكار ستواجه بردود فعل قاسية. حقيقية، فقد راودني شعور بالاشمئزاز بعد قراءة ردود الفعل التي نشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي واللغة المهينة والجارحة التي استخدمها البعض، ما جعلني أتساءل عن المستوى الثقافي المتدني الذي يمكن لبعض الأشخاص الوصول اليه والبحث عن أساليب اقناع أكثر نجاعة لأقناع هذه الشخصيات بأن نجاح المجموعات الثقافية وتقدم الشعوب لا يتم من خلال الانفراد بالرأي الواحد وتطبيقه وإنما من خلال الحوار الواعي والخَلوق لقضايا المجموعة.
دور المجتمع المدنيّ المتواجد بيننا وايماني التام بفشله في تحقيق أي تقدم جذري للمجموعة في المستقبل القريب كان سببا آخر أثار استيائي العميق. هذه اللجان الجماهيرية وكما شهدنا في السنوات الماضية كانت منشغلة دوما في قضايا ذات علاقة بالدولة وسياستها وتتبارز فيما بينها في اشهار مواقفها الصارمة اتجاه أي عمل او محاولة من قبل الدولة لضرب مصالح تتعلق بالطائفة، الامر الذي شهدناه من خلال مواقفها اتجاه مصادرة الأراضي، مستقبل دروز سوريا وفي الفترة الأخيرة اتجاه قانون القومية. في حين تقف هذه اللجان عاجزة عن أتخاذ أي موقف ومناقشة أي موضوع يتعلق بقضايانا الداخلية وأمورنا اليومية، الأمر الذي يقوي ايماني أن هذه اللجان والجمعيات على أهبة الاستعداد دائما في اتهام “الاخر” بجميع مشاكلنا بينما تقف عاجزة حتى عن تطوير أي نقاش حقيقي ذو علاقة ب “نحن”.
بخلاف البروفيسور أمل جمّال فأنا لا أرى عيب بمشاركة شخصية دينية ممثلة عن المجلس الديني أو حتى رئيسة في المناسبات الدولة الرسمية بما فيها الاحتفالات بمرور سبعين سنة على قيامها، خاصة وأننا أقلية دينية في هذه البلاد ولا شك أن رجال الدين هم واجهة المجتمع . رأيي الشخصي مناقض أيضا للمنددين ضد صورة “السفلي” التي اتخذت خلال المراسيم مع الفنان المغني شلومو ارتسي، بل حتى كنت سأشعر بالخجل لو علمت لاحقاً بأن المغني كان قد طلب صورة مع الشيخ موفق طريف خلال المراسيم وأن الشيخ قد رفض ذلك.
بالرغم من مواقفي المختلفة مع نخبة من الفعالين السياسيين وخاصة المحسوبين على معسكر اليمين الإسرائيلي فانا أعتقد أن على القيادة الدينية الممثلة عن المجلس الديني أن تقدم الدعم المعنوي لمثل هذه الشخصيات ولأصحاب المراكز على الساحة السياسية أمام قيادة الدولة. ليس من العيب أيضا أن تقوم رئاسة المجلس الديني المنتخبة أو الممثلين عنه بجمع التبرعات لأبناء الطائفة في سوريا وغيرها وعقد لقاءات مع شخصيات سياسية وعسكرية على المستوى المحلي والدولي من أجل تقديم المساعدات لهم. وبالرغم من مواقفي السياسية المعادية لوزيرة القضاء أيلت شكيد وسياسة حزبها العنصري اتجاه قضايانا، فانا اعتقد بان على قيادة المجلس الديني أن تتعامل مع الواقع السياسي بشكل برغامتي ومع القوى السياسية المنتخبة وأصحاب القرار في الدولة في سبيل التقدم بقضايا تعود بالمصلحة على المجموعة ولا عيب من فعاليات من أجل مسح ماء الوجه وتحسين العلاقات مع هذه الشخصيات ومؤسسات الدولة التي يترأسونها.
المشكلة الوحيدة التي تكمن في صميم هذا الموضوع هي أن جميع هذه الفعاليات هي فعاليات سياسية بحت وهي من وظيفة كل من يشغل مناصب منتخبة كرئاسة وعضوية المجلس الديني وتستند في شرعيتها على قرار الأغلبية وموافقتهم على برنامج عمل محدد. في حين هذه المواضيع والفعاليات لا يمكنها أن تكون ولا بأي شكل من الاشكال جزء من برنامج عمل ما تُعرَّف بقيادة روحية تستمد شرعيتها من تواصل روحاني طاهر بينها وبين مناصريها ومؤيديها. هذه الازدواجية هي السبب الاساسي في ارتفاع حدة الاستياء داخل المجتمع وهي المعضلة الكبيرة التي تواجه الشيخ موفق طريف ومحاولته في إملاء أدوار متناقضة في طبيعتها وفي برامج عملها ولا يمكنها أن تكون تحت مظلة واحدة، ومحاولاته المستمرة أن يكون عنوانا لأهل الدنيا وقضاياهم اليومية بما فيها الاجتماعية والسياسية، من جهة، ومرجعية لأهل الدين ولتواصلنا الروحاني من جهة أخرى.
العوامل التي تجعل إمكانية التوفيق بين الدورين كما كان الحال في فترة الشيخ المرحوم أمين طريف كثيرة ويصعب عدها في هذه المقالة، من بينها التحولات الجوهرية التي طرأت على المركبات الأساسية عند المجموعة ونوعية علاقتها مع الدولة، من جهة، والتغيرات التي طرأت على الدولة نفسها في العقود الثلاثة الأخيرة من جهة أخرى. لقد أصبح واضحا أن الطائفة في أمس الحاجة الى هيئة روحية تعالج قضايانا الدينية والروحانية باستقلالية تامة من قيود الدولة وتعليماتها وإلى قيادة دينية-سياسية منتخبة تتعامل مع جميع الأطراف داخل الطائفة وخارجها بشكل مريح. الاستماع لأصوات الاستياء المتعالية والتي شهدناها من قبل العشرات في الأسابيع الأخيرة مقلقة جداً، خاصة بعد تحولها من أصوات مكتومة الى موجة معارضة علنية، وايماني أنه في حال ولم تتخذ خطوات جذرية ملموسة سنجد أنفسنا أمام منحدر جماعي وقيادي يصعب تفاديه.