إلى روحِ جارِ الرِّضا، أمير موسى بصل، الذي تركَ بينَنا محبّةً كفي لتحصينِ مجتمعِنا منَ الأحقادِ والكرْهِ وتقطيعِ الأوصال.

بيادرُ الأميرِ

(إلى روحِ الرّاحلِ الذي بكّر في الرّحيلِ، في أيّار الجاري، جارِ الرِّضا، أمير موسى بصل، الذي تركَ بينَنا محبّةً تكفي لتحصينِ مجتمعِنا منَ الأحقادِ والكرْهِ وتقطيعِ الأوصال).

من شُرفةِ الابتسامةِ العالية، يطلُّ علينا الأميرُ، لا ثوبًا حريريًا مذهّبًا، ولا تاجًا مرصّعًا بالياقوت، لا نظرةً تعلو على السّحابِ، لا حصانَ، ولا سيفَ، ولا صولجان. من هذا الموقعِ الشّاهقِ حتّى سطحِ البحرِ، أطلقَ الأميرُ سهامَ فرحِهِ، مِنْ عينِ مُحبٍ، إلى قلوبِ المـُحبّين.

كانَ السّهمُ يخطو كلامًا مُتأنِّـيًا مَرِحًا، ويستقرُّ باسمًا خفيفًا كالنّسمةِ الشّماليةِ، في آخرِ الرّبيعِ، تهزُّ أغصانَ الفتنةِ بيدِها اليُسرى، تحملُ، بيدِها اليُمنى، ما يكفي من رائحتِها الزَّكيّةِ لحيِّ البيادرِ، وتنشرُ طِيبًا عذبًا يعبقُ بالأنوفِ.

مِنْ صُفرةِ أوراقِ الفتنةِ الهادئة المـُكلّلةِ بالأبيضِ النّاصعِ، يُنادينا الأميرُ، “والعينُ تسمعُ قبلَ الأذنِ أحيانا”، صوتٌ زاهي الألوانِ بالحبِّ مُعطَّرٌ. صوتٌ على جناحَي فراشةٍ يغفو، تبيّنَ لنا، ونحنُ نَبكيهِ، أنّها رسالةُ عشقٍ صادقة، مِنْ مدادِ الفؤادِ كُتِبَتْ، ظلَّتْ تنبضُ محبّةً.

كمْ تطلَّبَ لنا من الوقتِ، لِنُدرِكَ معنى التلويحِ بكفِّ يدِهِ! لقد فهمنا بعدَ فواتِ الأوانِ أنَّ اقترابَهُ منّا ابتعادٌ عنَّا، وأنَّ لهفةَ لقائِهِ هي لوعةُ وداعِهِ، فقدِمتَ أهلًا، وودّعتَ سهلًا، وبقيتَ بينَنا عُمْرًا شجرةَ فتنةٍ على طرفِ “الحاكورةِ” يغضُّ السّابلةُ طرفَهم عنها حياءً من نقاءِ بياضِها.

بكى فجرُ أيّارَ أميرَهُ الباسمَ. وكلَّما أشرقتِ الشّمسُ تلألأَ الحزنُ على خدِّ الفتنةِ. لقد جئتَ إلينا مُبتعدًا عنّا، وها أنت تذهبُ عنّا مُقبِلًا إلينا، وذلكَ يعجزُ عن فعلِهِ الإنسانُ، غيرُ أميرٍ كالأميرِ.

لن تقومَ العائلةُ الكريمةُ بإعلانِ حصرِ الإرث لكي يثبّتوا ملكيتَهم للمحبّة التي تركتَها بينَنا، فقد تضاعفتْ ثروةُ الحيِّ بها، والأقربون أولى بها، ونريدُ لبيادرِ الخيرِ أنْ  يبقى نبعَ محبّةٍ ينهلُ منه المحبّون، من كل حدبٍ وصوبٍ. فشكرًا لكم على تعميمِ هذه الثروة، وما أحوجَ مجتمعَنا إليها في هذه الأيام!

جارُ العائلةِ الذي رضعَ محبّةَ أبنائِها- إياد أحمد الحاج

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .