“مجرد أنثى”/ليزا نورغورد بقلم: د. نبيل طنوس

 

                                       

 

 

أشكر الأخوة-إدارة وأعضاء “نادي حيفا الثقافي” الذي يقيمُ هذه الأمسياتِ الثقافيةِ الهامةِ. وأخصُ بالذكرِ الصديقين المحاميين فؤاد نقارة وحسن عبادي على ترتيب وإجراء هذه الأُمسيات الهامة لأنها ملتزمةٌ بحاجاتنا الثقافية.

ما يميز هذه الأمسية هو موضُوعها. فهو ليس موضوعا مباشرا عن الثقافة العربية، إنما لا يقلُّ أهميةً عنه. ألا وهو التثاقفُ المتبادلُ  وهنا يتمُّ هذا التثاقفُ عن طريقِ الترجمةِ وهي أمرٌ هامٌ جدا ومطلوبٌ ومرغوبٌ.

لماذا الترجمة؟

“أومن بأنّ الفنون عامّة: النثر، الشعر، الغناء، الرسم، المسرح وغيرها تستطيعُ أن تكونَ جسورًا للتعايش المشترك بين فئات المجتمع الإنساني شريطة ألّا تكونَ بوقًا لإثارة العنصرية والتحريض، ووسيلةً تؤدي إلى تحسن المجتمع حسب المدرسة التحسنيّة (Meliorism ) وهي الإيمان بأن العالم ينزع إلى التحسن وبأن في ميسور الانسان أن يساعد على تحسينه”. ومن هنا فالترجمة هي وسيلة للتواصل ولبناء علاقات إنسانيّة سليمة، وأعتبرُها جسرًا  يربط بين الشعوب والفئات ويقرّب بينها، فهي تؤدّي إلى التفاعل بين الثقافات المختلفة، على أمل أن تُسهم في بناء إدراكٍ صحيح لثقافة الآخر

أهمية الترجمة:

يقول الكاتب سلمان ناطور: “الأدب هو الصندوق الأسود لكلّ شعب، ويجب التعرّف إلى الأدب أيضًا عن طريق الترجمة”

الأديب العبري أ.ب. يهوشوع في روايته “العروس المنطلقة” ص 500″ يقول: “لا يوجد عندنا أيُّ أملٍ لفهم العرب بشكل عقلانيّ، ولذلك لا مفرَّ إلّا أن نعود ونتعمّق بشعرهم” فأنت تستطيع أن تفهم أيّ شعب حسب الجوانب الإيحائية عنده؛ أي حسب شعره”

ما هي الترجمة؟ هل هي عمليّة ميكانيكية أم أنّها عمليّة تحتاج إلى قدرات معيّنة؟

الترجمة هي عمليّة نقل نصّ أصليّ، النصّ المصدر، من لغة إلى أخرى. وهي نقل لثقافة المصدر بما تحتويه من فكر وقيم واتّجاهات وأحاسيس ورغبات وصور حسّيّة وأمور أُخرى كثيرة.

عملية الترجمة:

 من أكبر مشاكل الترجمة هي صعوبة توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي نريد نقله إلى لغة أخرى، وتوجد عدّة عوامل في هذه القضية، أهمّها العامل الثقافيّ فكلّ لغة تنتمي إلى ثقافة معينة، والسؤال الهام هنا كيف ننقل الشحنات الثقافية للكلمات، قد ننقل الكلمة إلى لغة أخرى ولكن يصعب علينا  أن ننقل ثقافة هذه الكلمة بشكلٍ سليم إلى ثقافة أخرى، إذ ننقل الحالة الموجودة في الكلمة الأصليّة إلى اللغة المستهدفة في الترجمة. وقد تؤدّي تلك الاختلافات اللغويّة على مستوى المفردة إلى إشكاليات كبيرة  ليست مجرّد نقل الكلمات إلى معانيها باللّغة الأُخرى، إنّما هي نقل قواعد ونحو وبلاغة لغة إلى اللغة الأُخرى.

مثلا، كيف ننقل كلمة “أحن” في قصيدة “إلى أُمي”/محمود درويش؟

جون درايدن، شاعر وكاتب مسرحي انجليزي عاش في القرن السابع عشر، يقول: “الكلمة هي لباسُ الفكرةِ”، ومقابلُ ذلكَ، جاك لاكان عالم النفس التحليلي الفرنسي  يعطي أهمية لحروف الكلمة ويقول: “الحرف هو متكأُ الكلمةِ” فالكلمة تستند إلى حروفها. ولذلك كلمة “أحن” في قصيدة “إلى أُمي” مركبة من ثلاثة أحرف، ففي الحرفين  “أ – ح” نسمع صوت أشواقه إلى أُمه، وهذا ما نسميه “المحاكاة الصوتية” (Onomatopeia) وهي محاكاة للأصوات التي تجول في داخله  والسؤال هنا كيف نترجم هذه الكلمة إلى العبرية؟ كيف نترجم ونحافظ على نغمات الأحرف؟ هل نترجمها: נכסף, מתגעגע, כָּמֵהַ? كي نحافظ على نغمات الأحرف اخترت الفعل כָּמֵהַ لأننا نسمع نغمات شبيهة مع  أحن.

أنواع الترجمة:

“جورج ستاينر” يتحدّث عن ثلاثة جوانب في الترجمة :

  1. الترجمة الحرفية: وهي ترجمة الكلمة بالكلمة.
  2. الترجمة الحرّة: وهي ترجمة الدلالة بالدلالة.
  3. الترجمة الأمينة: وهي الترجمة الأمينة للمصدر وللمنقول إليه. وهذا النوع يحافظ على قواعد ونحو وبلاغة اللغة المصدر وينقلها بنفس المهنيّة إلى اللغة الأُخرى .

أنواع الترجمة حسب أهدافها:

  1. ترجمة “قلم الاستخبارات” أو مؤسسات أُخرى تعليمية أو ثقافية: وهذه مَهمّة كبيرة تنطلق من مفهوم “تعرّف على العدوّ”.
  2. الترجمة الثقافيّة: وهي في الحقيقة وبالطبع سياسية. هذا النوع من الترجمة ينبع من منطلق التعرف إلى الآخر من أجل التعايش معه، وليس من منطلق التعرّف على العدوِّ لضربه أو للتغلّب عليه، إنّما من أجل إبراز جماليّة أدب الآخر. على أية حال أعتبر ان ما أقوم به من ترجمة هو عمل ضروري، وبشكل شخصيّ أقول: “اعرفوني كما أُريد! وسأختار ما أُريد وأُترجمه بنفسي! “هذا هو شعاري والذي ينبع من الرؤيا التي أومن بها.

ترجمة كتاب: مجرد أنثى/ ترجمة سوسن كردوش قسيس.

مسؤولية المترجم: اختيار المضمون، اللغة السليمة، الإضاءات. ثلاثة أمور ضرورية جدا.

مسؤولية المترجم، وكيف تظهر في الكتاب “مجرد أنثى”:

  1. اختيار المضمون: ما مدى ملاءمته إلى احتياجات المجتمع المنقولة إليه؟

في اختيار المضمون نجد في المقدمة ما نسميه “ميتا- ترجمة” فتحدثنا سوسن: لماذا قامت بترجمة هذه الرواية، فتقول: تعرض الرواية امامنا حالة اجتماعية تتماثل مع حالنا (أتيت إلى هذا العالم كخطأ في “الطلبيّة”)، وانتشار مقاييس وقيما اجتماعية مثل نوع الوليد، العذرية، والشرف وغيرها مما يعني ان هذه القضية هي عالمية ولكن في الرواية بطلة القصة تحدّت وواجهت العائلة والمفاهيم السائدة بإصرار على الرغم من صعوبة الطريق، وهي مَثَلٌ يُحتذى به وربما يكون عبرة. وأيضا يأتي الكتاب في فترة يشهد فيها المشرق ويلات حروب تفتت الأسر ويقع الجميع ضحية لها، وخاصة الأطفال.

  1. اللغة السليمة: لغة السرد، التصحيح والتنقيح، أحرف العطف واحرف الربط، مثل: كما ينبغي، ربما، بالتالي، منذ، لطالما، أما، وقد والخ، هذه موجودة في الكتاب بشكل دقيق. أعتقد أن نجاح الإنتاج الأدبي، الأصل أو الترجمة، يعتمد كثيرا على هذه الجوانب .
  2. الإضاءات: الحواشي ألتي يضيفها المترجم لتوضيح ما قد يغيب عن معرفة القارئ الذي يُنقل إليه النص الأصلي. وهي موجودة في هذا الكتاب.
  3. سيميائية العنوان والغلاف والإهداء:

هذا ما نسميه النّصوص الموازية/المرافقة (Paratext) ) فكما أنه “لكل بناء مدخل، ولكل مدخل عتبة، ولكل عتبة هيئة، والعتبات همسات البداية” العدواني (2002)  فهكذا أيضا النصوص الأدبية كالبناء فلها نصوص موازية ولها المتن.

تحتوي النصوص الموازية على:

أ. الغلاف وكلّ ما عليه: اسم الأديب، عنوان الكتاب، صور وأشكال، ألوان، كلمات خطوط وغيرها.

ب. الغلاف الخلفي ومحتوياته  من أشكال وصور وكلمات وألوان وغيرها.

ت. الغلاف الداخلي.

ث. الإهداء.

ج. فهرست.

ح. إصدارات للمؤلّف.

لهذه الجوانب  دور ومكانة هامة عند المؤلف، إنها ترشد المتلقي إلى متن النص.

العنوان: “مجرد أنثى”:

“اسم الكتاب أو عنوانه هو ما يريد الكاتب تعريفنا به ويريدنا أن نتداوله بهذا ومن البديهي أن يكون أمر اختياره من قبل المؤلف، وأحيانا يتدخل بعض المقربين المهتمين ويطرحوا وجهات نظر فيما يرون من دلالات العنوان. فالمؤلف غالبا ما ينظر إلى العنوان بوصفه مجموعة من الدوال، بحيث ينظر له من ناحية التركيب والدلالة على أنه إحدى العتبات الأولى لمتن النص. ولذلك يحاول المؤلف أن يعنون إنتاجه باسم له مسحة فنية تبعده عن السطحية بقدر الإمكان سواء من خلال الصورة الذهنية، أو من خلال متخيله الذهني، لذلك قد يأخذك العنوان إلى جوانب داخل النص ضمن مجموعة من السياقات أو بعضها، كالحدث أو الوصف أو التركيب اللغوي أو الدلالي فكرياً أو حياتياً، وهذا يعني أن العنوان يدخلك في أجواء عديدة في هيكل العمـل وجسده بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا يقول رولان بارت: “العنوان هو نظام دلالي سيميولوجي يحمل في طياته قيماً أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية “. ولأن العنوان ذو دلالات وعلامات ترمز للنص أو لجزء منه، لهذا يطرح الدارس على نفسه الكثير من التساؤلات تجاه العنوان، مثل: هل العنوان مفتاح النص؟  هل هو مأخوذ من المادة النصية ؟ هل جاء صدفة من المؤلف؟ ما نوع الدلالات التي يحملها العنوان؟ كيف تتم عملية تأويله؟ ممَّ يتكون ؟ أهو جملة اسمية أم فعلية ؟ أهو عنوان بارز على الصفحـة ؟

واسم الكتاب موضوع الأُمسية هو “مجرد أنثى”:

مُجَرَّد: اسم مفعول من جرَّدَ. مَحْض ، صفة الشَّيء بصرف النظر عن المسند إليه: مجرَّد  كلام / صدفة / סתם

الأُنْثَى : خلاف الذكر من كل شَيءٍ. في اللغة العبرية كلمة נקבה: بالمحكية هي لقب تحقير لفتاة تبرز بشكل مبالغ فيه أُنوثتها.نقول بالعامية “خلقة أنثى”:

just female; no more than; nothing more than; not relative.

لوحة الغلاف:

  • اسم الكتاب، اسم المؤلف في القسم العلوي واسم المترجمة في القسم الأسفل للدلالة على مركزية المؤلف وثانوية المترجم. على الرغم من ان الترجمة هي عمل إبداعي من الدرجة الأولى. وهذا ما يحدث معي في الكتب التي ترجمتها.
  • الرسمة: فتاة/ أنثى وما يرمز لهذا لباسها والشكلة على الراس. والحزام على الخاصرتين. والاهم من كل هذا هو أن الصورة من الخلف وليس من الوجه. وهذا تعبير رمزي يشير إلى هامشيتها يعني هي ليست فتاة معينة إنما أية فتاة وإخفاء وجهها يعني إخفاءها أو بكلمات أخرى هي غير مرغوب فيها. الفتاة منحنية في الرسمة وقابضة على يديها وأرى بأن هذا يرمز إلى أنها ذليلة.
  • الطريق: الطريق بدون نهاية، وفيه غموض ويشير إلى أين يؤدي هذا الطريق؟
  • لون الغلاف: يسيطر اللون الأبيض الفاتح والأبيض هو لون حسب المفهوم الحسّي لإدراك الألوان، لكنّه بالحقيقة لون من غير صبغة، فهو مجموع كافّة الألوان في الطيف المرئي، بالتالي فهو لا يعدّ لوناً مثلما هو الحال في الأسود والرمادي. ولذلك الأبيض هنا يؤكد على مكانة الأُنثى الهامشية وكأنه لا كيان لها أي هي مرفوضة. ونجد أيضا تعبير الراية البيضاء (أو العلم الأبيض) وتشير وفق الأعراف والبروتوكولات الرسمية والشعبية إلى الاستسلام أو طلب الهدنة. وفي العديد من الثقافات للأبيض مفهوم النقاء والبراءة، وهو رمزٌ يشير إلى الضياء بدلالة معاكسة للون الأسود، الذي يدلّ على الظلمة. بناءً على بيانات من استطلاع رأي الناس في أوروبّا والولايات المتّحدة فإنّ الأبيض هو اللون الذي يترافق عادةً مع الخير والأمانة والنقاء والبداية والتجدّد والحياد والكمال والإتقان.

الرمادي هو لون فستان الفتاة: عادة ما يرمز الرمادي، خاصة عند الغرب، للاكتئاب، الحزن والوحدة. وعند الكثير يشير إلى عدم الوضوح، فهو ليس أبيضا ولا أسودا.

اللون الأحمر: الشكلة على الرأس والحزام واليدين والرجلين ملونة بالأحمر وهو رمز للطاقة، والإثارة، والعمل، والخطر، والغضب، والحب، والشغف، كما يرمز للشجاعة، والتحدّي، والقوّة، والدفء، والطاقة الإيجابية، والآليات الرئيسية للبقاء والمتمثلة في الكرّ والفرّ والرجولة، والاستثارة. وليس عبثا هو في الأماكن ألتي تشير إلى الإقدام والمواجهة. وهذا ما قامت به الشخصية المركزية في الرواية.

وأخيرا أرى بان اختيار هذه الرواية ملائما لمجتمعنا ولثقافتنا لأنها تحتوي على   مثيرات عديدة للتعلم واكتساب معيير ضرورية لمجتمعنا. وبالنسبة للترجمة لم أشعر بأن الرواية مترجمة وكأنها كتبت أصلا باللغة العربية.

(*** ألقيت هذه المداخلة في أمسية إشهار الكتاب المترجم في”نادي حيفا الثقافي” 3.5.2018)

ملاحظة: ترجمة الكناب سوسن كردوش قسيس

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .