الارض الطيبة/ الشيخ نزيه مراد ـ إمام في قرية عين الاسد

 

عليه توكلنا وبه نستعين.

اللهم أني اسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك قلبا سالما ولسانا صادقا. اللهم يا عظيم السلطان يا قديم الإحسان.

ربنا أنت المحيط بكل أمورنا والعليم بكل شؤوننا فالطف بنا من حوادث الزمان واحفظنا في كل زمان ومكان.

لا تسأل الطغاة لماذا طغوا. بل اسأل العبيد لماذا ركعوا… المهم والذي يستحق توجيه كل العناية هو إثارة الناس في أعماقهم. لا للتحريك سطحيا، لأن ثورة الاعماق تبقى أما الثورة السطحية تزول مع الأرياح.

الأرض هي الأم والحضن الكريم، فتعلّق الإنسان في الأرض أمر فطري غريزي، لأن الإنسان يشعر بأن هنالك علاقة بينه وبين الأرض وترابها وسمائها وكل ما فيها، فحياته وذكرياته كلها في أرضه.

الأرض كلمه بسيطة وحروفها قليله، ولكنها تحمل معانٍ عظيمة وكثيرة، نعجز عن حصرها.  فهي هُويتنا التي نحملها ونفتخر ونعتز بها، وهي المكان الذي نلجأ إليه ونحس بالأمان، وهي الحضن الدافئ الذي يجمعنا، وهي نعمة من الله أنعمها علينا.

الأرض هي السند لمن لا ظهر له وهي البطن الثاني الذي يحملنا بعد بطن الأم. الأرض شجرة طيبة لا تنمو فيها إلا تربة التضحيات، وتُسقى بالعرق والدم، هي الأمان، وهي التي تضم رفات أجدادنا وتحمل في أحشائها ثمرة الحياة. فالأرض عطاء مزدوج، عطاء مادي للرغيف وعطاء روحي لا يفنى. الأرض بسقفها السماوي وأرضها المفروشة بالأزهار، هي البيت الذي يحمي ويؤمن الاستقرار والثبات، ويبعِد الإنسان عن هموم الترحال والتشرد في المجهول.

ولكن حتى يتحقق حب الأرض عند الإنسان، لا بد من تحقيق صدق الانتماء، إلى الدين أولًا ثم إلى الأرض ثانيا، ومن تعاليم مذهبنا الحنيف: الأرض والعرض والدين، ومن الطبيعي أن أي إنسان حر يكون محبا ومخلصا وغيورا، فالأرض مصدر العز والكرامة والفخر لكل فرد….

أرضي! ارجو المعذرة إن خانتني حروفي وارجو المعذرة إن أنقصت من قدرك. كم أنت عزيزة على قلوب الشرفاء، فالأرض لا تحتاج الى مساومات ومزايدات ولا لشعارات رنانة. حروفنا وكلماتنا وأقوالنا تنطق بها وآمالنا تتجه إليها وطموحاتنا ترتبط بها، وكم من دماء أريقت لأجلها وكم من أمم تشردت وضاعت حضارتها وتقاليدها وتراثها. فالأرض مصدر العز والكرامة والفخر لكل فرد.

لكن…. العجيب والغريب والمؤسف، أننا نجد بعض السماسرة، منهم من هم منتمون لبني معروف، ولأنهم يلبسون نظارات سوداء قاتمه، أو أنهم بالأصح بلا بصيرة ولا ضمير. وذلك أشد وقعا علينا من أن يأتي من غريب. يفرطّون في العرض والأرض والدين ويبيعون الأرض وكرامتهم وتاريخ أجدادهم للقاصي والداني من اجل حفنة نقود زائلة. متناسين الذين ضحوا بكل غالٍ ونفيس.

لا تجعلوا فهمكم للرزق يتوقف عند حدود المال. بل أن أعظم الأرزاق سكينة الروح، ولولا الوفاء ما احتاج الناس للناس ولولا المواقف ما عرفنا بعضنا. فما أحوجنا في هذا الزمان إلى أخوّة صادقة وقلوب محبة واخلاق ساميه ونوايا طاهرة في زمن تتحول فيه الأشياء شكلا ومعنى.

حياتنا لوحة فنية، ألوانها أقوالنا، وإطارها نوايانا واعمالنا، ورساموها نحن…. فإذا انقطعت حياتنا اكتملت اللوحة، وعلى قدر روعتها تكون قيمتها، فاذا جاء يوم العرض، عرَض كل انسان لوحته وانتظر عاقبته.

اللهم ثبتنا على دين الحق ووفقنا لما هو خير وأعنا على طاعتك، اللهم إني اسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك قلبا سالما ولسانا صادقا.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .