سلطاتنا المحلية وصمت المثقفين ـ بقلم: المحامي نضال حايك

تعاني سلطاتنا المحلية العربية من حال لا تحسد عليه: مهنية منقوصة، فوضى تنظيمية، إقصاء للشباب والنساء، فساد مستشري، محسوبيات واختلاسات، انعدام تخطيط مستقبلي وحراك انتخابي يرتكز على الحمائلية والوعود وشراء الذمم. للأسف، بات الفساد والإهمال والمحسوبيات في حكمنا المحلي وباءً منتشرًا لا يعرف الشبع. في العديد من سلطاتنا المحلية، الهدف الأعلى هو الانتخاب من جديد وكل الخطوات والقرارات تخدم الهدف المرجو.

 

على ضوء هذه الخلفية، تعلو تساؤلات ضرورية حول دور المثقفين من أبناء مجتمعنا، إذ كان من المفترض بها أن تقود هذه الفئة حراكًا واسعًا وعميقًا بهدف الإصلاح والتقويم والتصويب. كتب عبد الرحمن منيف في هذا الصدد: “إن انهيار المثقفين العرب الناتج عن الخوف أو الإغراء، أصبح إحدى الظواهر المميزة للمرحلة العربية المعاصرة، في الوقت الذي كان المثقفون في مراحل سابقة يمثلون علامات مضيئة ويحملون راية التغيير”. للأسف، كما يبدو أن هذا التشخيص هو الوصف الأدق لدور المثقفين في سلطاتنا المحلية العربية في البلاد.

 

وجب التنويه أن ثمة فرق شاسع بين المثقفين والمتعلّمين، حيث أن العديد من المتعلّمين ليسوا مثقفينَ بتاتًا. فالمثقف الحقيقي هو الفرد الواعي الذي يعمل حسب ضميره -وليس جيبه- ومن يشتبك بقضايا شعبه ويتخذ موقفًا واضحًا يدعم الحق والعدل والحقيقة.

 

بصورةٍ عامة، نرى أن عنوان المرحلة بهذا المضمار هو “صمت المثقفين”؛ من يدعون الثقافة يعون ويرون الفساد والإفساد والإهمال والاختلاس وانعدام المهنية، ولكنهم يصمتون صمتًا مطبقًا. مفكرينا هؤلاء يجلسون بهدوء في الهوامش وأمام أعينهم تعقد الصفقات القذرة وينتخب المخاتير وتهيمن القبيلة على المنطق والعقلانية والديمقراطية. نعم، منهم من يمكن نعتهم بـ”المفسدين الجدد”، إذ يلبسون أجمل ربطة عنق،  “يلوّحون” بألقابهم الأكاديمية، وألسنهم معسولة. في هذا المضمار، لا يسعني إلا ان أقتبس إدوارد سعيد حول هذا النوع من المثقفين بقوله: “لا أرى ما هو أجدر بالاستهجان مما يكتسبه المثقف من عادات فكرية تنزع به نحو ما يسمى ‘التفادي’، أي النكوص أو التخلي (الذي يمارسه الكثيرون) عن الثبات في موقفه القائم على المبادئ. على صعوبة ذلك، هو يعلم علم اليقين أنه الموقف الصائب ولكنه يختار ألا يلتزم به”.

 

علاوةً على ذلك، فإن بعض المثقفين منخرطون حتى النخاع في المحاولات الحثيثة للجم أي تقدم لتطوير حكمنا المحلي، هادفين إلى الدفاع عن امتيازاتهم الشخصية. وهنا لربما من الأنسب أن توصف هذه الحال بـ”خيانة المثقفين لشعبهم”. هؤلاء يوظفون قدراتهم وطاقاتهم في تعزيز أنماط سلبية كالحمائلية والذكورية، وفي إيجاد ثغرات للفساد والمحسوبية والاختلاس كلها من أجل الراتب والمنصب.

 

ولكن أين المثقفين الآخرين؟ أين مثقفينا الحقيقيّون أصحاب الضمائر؟ أين دورهم الطلائعي ومواقفهم النيرة من كل هذا؟ لنقولها بشكل واضح، المسلك الأساس ولربما الوحيد للخروج من وحل الفساد والمحسوبيات والحمائلية هو حراك شعبي يقوده المثقفين الحقيقيّين يرتكز على المساءلة والنقد الموضوعي والمهني، لننهض بمجتمعنا إلى مرحلة جديدة.

 

في كل بلد هنالك مثقفون قادرين على انتشال السلطات المحلية من هذا الوحل، ومع اقتراب الانتخابات المحلية دقت ساعة العمل. على كل من يهمه ملف الحكم المحلي الشائك أن يقوم بدوره بالنقد والعمل؛ والأهم، بتشكيل قوائم جديدة مع برامج عمل واضحة تشمل شبابًا ونساءً وتبتعد عن القيود الحمائلية. تطوير سلطاتنا المحلية منوط مباشرة بانتقال مثقفينا من مرحلة تحليل الواقع إلى مرحلة اتخاذ خطوات ملموسة وجذرية من أجل الإصلاح والتحسين والتغيير.

 

 

 

المحامي نضال حايك،

المدير العام لجمعيّةمحامون من أجل إدارة سّليمةالّتي تعمل لتطوير الإدارة السّليمة في السّلطات المحلّيّة العربيّة.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .