رسالة من المنفى. قصة قصيرة العالم بعد سنة 2030 ميلادية.

 

ابراهيم امين مؤمن

فتح الحرّاس الباب الحجري المثبت أفقيا على الأرض فتحًا آليًا، ذاك الباب الذى يفصل البشر إلى عالمين علوى وسفلى، أغنياء وفقراء. هو كقضبان لسجون، ولكنها سجون منفية تحت الأرض.

فتحوه ليلقوا بحمزة بتهمة الجريمة الكبري، جريمة الفقر المدقع، جريمة توجب العزل والنفى الفورى.

جريمة اقترفها 90% من سكان العالم العربي والغربي آنذاك.

تلقّفه أهل المنفى خشية التردي، وأجلسوه، وتبادلا الحديث برهة، حتى إذا ما انتهيا سرعان ما أعدوا له فراشًا وربع رغيف خبز مطعّم بقوت الجُرْذان.

رقد حمزة على ظهره، وأخذ يفكر فى مشهد القبض عليه، فقد ظلتْ شرطة الإمبراطورية تطارده سنوات، وأخيرًا أوقعوا به وهو متنكرٌ في ثياب الأغنياء.

تعايش حمزة الفقر معهم، غير أنه حانقٌ متبرّمٌ، ذاك لأنه لا يرضى الذلة ولا الهوان.

ومن صفته أنه رابط الجأش شديد المراس قوى الشكيمة فضلًا عن سعة حيلته وقوة حجته وفصاحة لسانه.

عاين ما كان يسمع من قبل، غير أنه لم يتصوربشاعة الأمر إلا بعد معاينته.

قوم يعيشون على أضواء الشموع في قواليب طينية بالليل والنهار والمستخرجة من النباتات.

يشربون من المياه الجوفية في الأرض، وماء المجاري، غير إنّ بعضهم يموت إذا تعذّر الوصول إلى الماء.

وما إنْ يفارق الفرد منهم الحياة حتى يتحول إلى طعامٍ لغيره، علاوة على أكل الفئران والقليل من الزروع التي يسمّدونها أحيانًا من برازهم.

يموت بعضهم من قلة الهواء وصعوبة التنفس. وقد ينامون أحيانا فوق بعض لعدم وجود مساحة كافية. ورائحة الأمكنة تدفع المعدة على التقيّؤ.

أُعجب الفقراء بشخصية حمزة فاصطبوه إلى بروفسيور عبد العليم وهو رجلً كهلٌ عربي الجنسية، وكان يعمل في فيزياء الجسيمات.

قرر الموساد الإسرائيلي تصفيته فطاردوه، ولم يجد حيلة من الهروب منهم إلا أنْ يتنكر في ثياب الفقراء فتقبض الشرطة عليه، لم يجد إلا تلك الحيلة بعدما علم أنّ رئيسه العربي وحكومته وسفارته كانتْ تود أنْ تقدمه قُربانًا لإسرائيل.

دخل عليه حمزة فوجده يغمغم بكلمات اليأس وقلة الحيلة، لكن حمزة التقط من كلامه كلمة “مفيش فايدة “.

بدا على الرجل الإعياء حتى كاد أن يسقط من الترنح.

دنا منه حمزة وأمسك به وأجلسه قائلًا: إجلسْ يا أبتِ استرح.

حمزة: بما تغمغم؟

فتحزّن وتحسّبن وتحوْقل، هذا حاله عند السؤال.

قال حمزة: ما شأنك!

عبد العليم: الحياة يا ولدى لأصحاب المال والقوة، ومَنْ رمونا زوجوا المال للسلطة ومأذونهم منفانا هذا، دسّتروا دستورهم على مبدأ الغاب.

لكى يحييوا هم فلابد ان نموت نحن، وأنت تعلم ذاك يا ولدى.

وأنا أحاول أنْ أصنع سلاحًا نوويًا لأُخرج به هؤلاء البؤساء من تحت الارض، وما أستطيع لضعف الإمكانات.

حمزة: هل أنت العالم المعروف الذى تخلّتْ عنه بلاده.

عبد العليم: نعم، لكنهم لم يتخلوا فحسب بل باعونى كالصفقة.

حمزة مخبرًا: كنتَ حديث العالم كله.

الحيلة:

سكتَ حمزة بُرهة يفكر في أمر الرجل الهِرم، ثم سرح بخياله يفكر ويتدبر ويشير بسبابة يده، ويدقُّ بها على جانب مؤخرة حاجبه الأيمن تعبيرًا عن الإمعان فى التفكير لوضع حد لهذه المهزلة الكونية ورسم خطة محكمة يساعده فيها هذا البروفسور.

ثم صرخ فى البروفسور وقال له وجدتها، ثم شرح له خطته للخلاص.

أُعجب بها البروفسور واقرها وحددا موعد التنفيذ.

التنفيذ: انتظر حمزة عند أحد أبواب المنفى، ولم تمضْ سوى أيام قلائل حتى فُتحَ لإلقاء مذنب آخر، نادى حمزة السجّان وقال

أيُّها السجان، المنطقة سوف تُدمر خلال 24 ساعة بالبراكين والزلازل، واستطرد. قالها لي الدكتور عبد العليم، تعرفه طبعًا.

أتصلَ الحارس بمركز الأمن القومي للإمبراطورية على الفور حتى أتى الأمن واستخرجهما واصطحبهما في سيارة لمقابلة الرئيس الذى كان يتوّج نفسه حاكمًا على العالم كله بما يمتلكه من نووى ولكنّ المادة المضادة من سيّدته وسيّدتْ بلده.

فُتح الباب وخرجا، إصطحبتهما سيارة إلى قصر الإمبراطورية حيث يجلس الشاهنشاه كما لقّبَ نفسه.

سألهما عن أمر الزلازل.

تصدّر حمزة المحاورة.

قال حمزة. أيُّها الملك. خلفي أكثر من 8 مليار نسمة يريدون الحياة.

عاشوا على الأرض من قبل موْتَى، والأن يعيشون موتَى.

منذ القِدم، وحديثًا من سنة 2007 مرورًا بأزمات الربيع العربي 2011 والمجاعة العالمية سنة ألفان و”. “.

وما إنْ عمّ الفساد وقلَّ الماء والقوت ألقيتمونا فى ظلمات الأرض، تلك الظلمات التي حفرناها وألقينا بحفْرِها إلى مداخل الصحارى التي أطّتْ من وقع أقدام الناس الملتصقة ولم يكُ فيها موضع شبر الأن.

لا في الأنفاق ولا فى الصحارى التي سيّجتموها بردم ٍكردم ذي القرنين، فلم يكنْ لنا سبيل للوصول إليكم أبدًا.

لا يوجد موضع شبرٍ ألأن. بنينا حضارتنا تحت الأرض لنعيش، حضارة الطين، الطين فقط.

الملك: نظر إلى عبد العليم وقال له كيف عرفت بأمر الزلازل والبراكين؟

حمزة: أيُّها الملك. الزلازل والبراكين تملأ صدورنا منذ نشاة الإمبراطوريات على مر العصور.

تلك التي استعبدتْ الضعفاء وأصحاب البشرة السمراء وسادها مؤازرة المال للسلطة والعكس ليكونا سيفين على رقابنا.

والأن نحن فى بعد عام 2030 تحاورتم في مجلسكم الملعون بين تقتيلنا أو إلقائنا فى الظلمات، فاخترتم الثانية.

اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي استعمرتم بها الضعفاء وهم يمشون فوق اراضيهم، والان اتفاقية جديدة 2030 استعمرتم بها أراضيهم وهم يمشون تحتها. أفٍّ لكم ولما تفعلون.

الملك: عبد العليم سأعينك على الحملة لكى نتحاشى هذه البراكين. فماذا تقترح؟

حمزة: أيها الملك. تلك الزلازل لو انفجرتْ فلن ينفعها لا أنتَ ولا عبد العليم ولا سلاحك النووي ولا مادتك المضادة.

ان منبعها قلوبنا وعزيمتنا فإذا حميتْ حِممُ العزيمةِ في صدورنا فلن يكون على وجه الأرض لا نحن ولا أنتم، نحن البروليتاريا وأنتم النبلاء، ولعلك تُدرك العمليات الاستشهادية على مر التاريخ.

الملك: قال وهو يهزُّ رأسه، إذنْ ليس هناك زلازل ولا براكين. وجب قتلكما ألان يا صانعا الإرهاب.

عبد العليم: معي نووي في الأنفاق، فارتعدتْ أوصال الملك وذهبتْ دماء وجهه.

أقبل حمزةٌ على الملك بثقة وأمسك إحدى أُذنيه وجذبها جذْبًا شديدًا كادتْ تُوقع الملك من على كرسي العرش قائلًا.

أيُّها الجبان ألأن تخنع، ألأن تبكى. قد فعلها رجالُكَ من قبل كما تفعلها ألان، وأركعوا بها الدول واستذلّوها حتى ألقيتم العداوة بين حكامنا ثم ما لبثتم أن سلّطتم شعوبهم عليهم وما استطاع أصحاب القرار منهم أنْ يشينوكم لإن السيوف كانتْ فوق رقابهم وأياديهم ممسكة بشحْمات آذانهم كما أُمسكتها أنا الأن، فلتركعْ أنتَ ألأن يا جبان.

رجالُكَ الحمقى من الأمريكيين والصهاينة.

وأنتَ تعلم إنْ لم نعُد إلى الأنفاق فستنفجر الكرة الأرضية كلها، ولن يترددوا لأنهم كده كده أموات.

الملك: قال مرتعدًا لحمزة.

حمحمحمزة “هكذا نطقها ” نحن على مشارف استكشاف كوكب واعد يدْعمُ الحياةَ، سوف ننتقل إليه قريبًا وندعُ لكم الأرض ترتعون فيها وترقصون.

إنه كوكب أكبر بكثير من الأرض به المياه ويدور حول نجم أشبه بشمسنا. يااا. حمزة. خلاص؟ ناداه وهو يرجع ظهره للوراء خوفًا ووجلًا.

حمزة: يا أخي حتى أنانيتكم تمارسونها في النعيم، أفٍّ لكَ ولمنْ خلفك يا كلب يا من تحكم الكلاب.

ولماذا تتعلق مصائرنا بكم. لنعش معًا على الأرض، هكذا فطرة الله.

الملك: حمزة لو عرجتم إلينا فسوف نموت جميعًا ولو بعد حين، فموارد الطبيعة لا تكفى إلا لنا فقط.

حمزة: موارد الطبيعة تكفينا نحن فى ظل الإشتراكية لا النفى أيُّها الملك الحكيم، ولكن كل واحد منكم يخفى ثروته مع الجآن فلا نراها أبدًا. لكننا سنراها، سنقططعها كما فعلتْ الثورة الفرنسية والبلشفية وثورة ناصر 1952.

سنقططعها أيُّها الإقطاعيون النافييون.

الملك: أمهلني أيام حتى أُجهز مكانكم الطبيعي فوق الأرض، سأضع خطتي وأدعوكم ْ.

حمزة: أيُها الملك أنتم تضعون خططكم منذ آلاف السنين ولم نر من وعودكم شيئًا، سأنتظر وينتظرون. معك فرصة أخيرة يا حاكم الأرض كلها. نحن المنتظرون دائمًا. ولكن اعلمْ أنّ زلازلنا وبراكينا نيران تأكل بعضها بعضًا فى صدورنا فإذا نفّسنا عن أنفسنا فستنفجر فينا وفيكم. تلك هى رسالتى اليك.

“رسالة من المنفى” نفى عبر كل الأزمان والعصور

ثم نظر إلى عبد العليم وقال له هيا يا أبتِ لنعود إلى الأنفاق وننتظر. ننتظر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .