تمهيد: متذوق أنا للأدب، تستهويني الكلمة العذبة، والعبارة الشاردة تهز أعماقي، توقظ مشاعري لتومض في فكري فيبعث قلمي سطورا. لست ناقدا، ولا أنتقي من أريد من كتاب أو شعراء، وليس من دافع رفع أو حط أحد، وكل ما في الأمر انني أحاول تسليط بعض أضواء استعراضية، على ما أقرأ من أعمال، اذا ما أخذت مفعولها في ذائقتي الأدبية، فتخرج الى النور، لعلها تحث من تقع بين يديه على الاستزادة والتعمق في النص المشار اليه، لتكون مساهمة في تشجيع المطالعة والقراءة، بحيث ان نقطة الانطلاق التي ارتكزت عليها، انتقِد دون أن (تعادي) المنتقـَد…
مقدمة -“أفراحٌ مؤجّلةٌ”- بودّي كمُستَعرِض، بعدَ طلب صفو خاطر أبي راشد، التصرّف ببعض عناوين، مضامين وأوصاف من وحي الكتاب المستَعرَض… ما إن وقع نظري على عنوان المجموعة الشعرية، ودون استئذان، حتى بدأت باستعادة ذكريات من الزمن الجميل بأهلِهِ، عاداتِه وقِيَمِهِ… “وصل الحدّايِه، وكنا بانتظارهم، مجموعة شبابِ، في مفرق السهلِه، بين بيت جن والبقيعه، وسرنا خلف موكبهم، بينما تقدّم ركبهم عمُ العريس وأحد خوالِهِ، يقودهم سائق السيارة المزيّنةِ بالورد الشهري، قصف الريحان وأذرع الشيح، بينما انطلقت (زمامير ومزامير) زادت حدّتها كلما اقتربنا من (راس المِطل)…توجّه أبو العريس لأبي سعود حمَيّد الأسدي لدعوة الجميع الى مائدة العشاء ثم الى المشاركة في السهرة… لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! الله يرحمو! كان من أهل الخير.. هل تأجل الفرح؟ هل ألغِي وتحوّل الى تأهيل؟ ولكن الفقيد من الحارة البعيدة! مع هذا احترام المشاعر واجبٌ! وتأجل الفرح كغيره من أفراح مؤجّلة في بلدنا، ولأسباب متعددة، من مواجهات الزابود، وقعِة الوادي، طوشة الغدير، مأتم سلطان باشا، وفاة كمال جنبلاط، رحيل جمال عبد الناصر…لكن الأمل بقي يعشش في النفوس، والأفراح مستمرة لكي تولد الحياة في رحم هذا الوطن…”
الكتاب:
كذّبَ القلبُ ما يقولُ نعاةُ …. وتهاوى بين الضلوعِ حُطاما
وصغا العقلُ قابلا بقضاءٍ….وقضاءُ الرحمـنِ يـبقى لِزاما
(هل ينفع الدمعُ– ص 77-79) هذا العنوان، مضافا الى بقية عناوين الديوان، موسوم بإبداع الاختيار، والمكتوبُ يقرأُ من عنوانه! ومن شدة تأثري –كقارئ- اندفعت الى عجن العناوين، ثم ترويجها الى قطع وترقيدها بقطّةِ المداد، بعد أن تتخمَرَ فوق (ميزَر) الصفحات البيضاء، المُرَشرشَةِ بدقيق أسمرٍ من سنابل الوطن، خالٍ من الزيوان، كقصائد هذا الديوان، المخبوزةِ على نارٍ متأرجحةٍ بين الأحاسيس الانسانية الرقراقة والمشاعر الذاتية المتخوّفة والمواقف الوطنية اللهابة… (ثلاثُ قصائدَ منسيّة)… (تُشَبهُ اليومَ بالبارحة) لتنقلنا الى (مشهدٍ يومي)… يصف لنا (الزِحامَ على دكّةِ الموتِ، وكم يُثقِلُ الموتَ هذا الزِحامُ!)… وقوفا بها على شرفةِ الصبحِ (لترى ما وراءَ الحواجزِ)… لكي تدرك (حالة الفرحِ المؤجّل)… وهي (ليست ثرثرةً)… لأنهم (كلُّهم هولاكو)… ولأنهم دمّروا حقول الحقلِ، وحقول الأزهارِ، وخلّفوا وراءهم أشلاءَ زيتون عمرُها ألفُ عام… بينما (الينابيع تخرُّ حزنا، فلا عاشقٌ في انتظار الحبيبةِ يكتب شعرا، ولا بلبلٌ يستحمُّ..)… رغم ذلك يُطلب منك أن (تبتسم)… ولا تسأم تكاليف هذي الحياة.. وتكثر التساؤلات حول الثواب والعقاب، لتبقى اسئلة كثيرة بلا جواب!
أما العناوين اللاحقة (يا سرَّ لا..)…(لِمْ…)… (وردةٌ على جرحِ حوّاء)… هذه القصيدة المهداة لجميع العشاق، في عيدهم القريب: لا ضيرَ، لا ضرر..لكنَّما الضرر، أن تغضبوا من الحبيبِ ساعةً…)…ومن القصائد المقفاة الموزونة باسلوب الشعر العمودي، المطعّمة بأوصاف رائعة ومتعمقة بمعانٍ ثورية تحرريّة: (نامي ثورة بدمي..)… والتي ألقيت في مِهرجان القدس السابع للشعر والأدب والفنون عام 2013، (يا قدسُ رِفقا..)… القيت في مؤتمر القدس ثقافةً وهُوِيّةً 2013 (ماذا سأكتب..)…(قالت فقلتُ)… ص65 عبارة عن حواريّة، اخترت منها:
قالت أيَأسٌ أم سَآمَةُ شاعرٍ قلتُ التفاؤُلُ لا يبارحُ داري
لكن كبرتُ وصار عودي لاحِيا وغـدا نهاري ناعِـيا لنهاري
مع تمنياتنا لشاعرنا الوطني، سادِقِ الحسّ، مرهفِ الاحساس، طول العمر، هداة البال والمزيد من الابداع! وأغلق هذه الأضواء الاستعراضية، بمقطع من قصيدة (شذرات وشظايا)… ص 81-92 على أمل أن تدفع بمشاعركم الى اتجاه أناملكم، كي تتناول صفحات هذا الديوان الرائع-كسابقاته من اصدارات شاعرنا المعطاء (1) ومن المؤكّدِ أنكم سوف تستسيغونَ وتستزيدونَ لغةً، نحوا، ثقافةً، فكرا نيّرا، تحررا، تاريخا، تراثا، فلسفةً، حبا وعطاء…
رسمتُ على صفحةِ الماءِ وجهي
زهوتُ وقلتُ أنا مثلُ نركيس
بدّلتُ اسمي
فجاءت بعوضةُ ماءٍ
على صفحةِ الماءِ حطّتْ
فغابَ عنِ الماءِ رَسمي…
(1)كتبٌ صدرت للشاعر: وطني ينزف حباً، وطني ردني الى رباكَ شهيدا-قصص-، أموت قابضا حجرا، تمتمات آخرِ الليل، قابضون على الجمر، حديث الحواس، عوض يسترد صباه، أنتِ سَبِيَّتُهُمْ وشِعري نحيبُ العاجزِ، ليسَ في الحقلِ سوسنٌ للفرح، الحبُّ أولا، فرحٌ يابسٌ تحت لِساني، على سريرٍ أبيض-نَصٌّ-، أنا هو الشاهدُ، تضيقُ الخيمَةُ. يتّسِعُ القلب، الكِتابان، أخذتني القوافي، هذا العالمُ ليسَ بريئا، إنها قريتي-نَصٌّ تسجيلي-…
أخيرا أشكر الصديق أبي راشد على إهدائِهِ الرقيق (مع حفظ الألقاب والمقامات)، وبودي الاشارة الى ان ديوان-أفراحٌ مؤجلةٌ– والذي كنا بصدده، من إصدار مكتبة كل شيء-حيفا- 2017، وتلوح في ظاهر الديوان لوحة ابداعيّة للفنان الفلسطيني جمال بدوان، بينما تتبطّنه صفحاتٌ ذاتَ جودةٍ عاليةٍ، بتصميمٍ ومونتاجٍ مميّزٍ للفنان شربل الياس.