خلود فوراني سرية-
استضاف نادي حيفا الثقافي يوم الخميس 14.12.17 الكاتب المقدسي عارف الحسيني في أمسية أدبية ثقافية بامتياز تم فيها مناقشة روايتيه “كافر سبت” و” حرام نسبي” عن دار شروق للنشر.
كانت البداية لمسة وفاء للكاتب المسرحي طيب الذكر رياض مصاروة.
افتتح بعدها الأمسية رئيس نادي حيفا الثقافي المحامي فؤاد مفيد نقارة فرحب بالحضور والمشاركين ثم تطرق لرواية “أكثر من وهم” للكاتب عبد السلام صالح الصادرة عن دار فضاءات، مشجعا على قراءتها.
ثم استعرض الأمسيات الثقافية المقبلة داعيا لحضورها.
تولى عرافة الأمسية بمهنية تامة الناشط الثقافي المحامي حسن عبادي فكان لمدينة القدس في تقديمه للكاتب وروايتيه حضورا لافتا حيث جاء فيها أن عارف يصرخ رواية القدس ومكانتها التاريخية وكينونتها وصيرورتها عبر التاريخ والاحتلال الذي غيّر معالمها التاريخية والجغرافية والاجتماعية، بممحاته وقلمه المبريّ، ببطء وصمت، لشطبنا من كتب التاريخ وخرائط الجغرافيا ليخلق واقعًا آخر يخدم روايته المهجّنة، وهي -القدس- ما زالت تستغيث لحمايتها ، ويردّد نداء غسان كنفاني: ما تبقى لكم… ما الذي تبقى لكم؟ اقرعوا جدار الخزان!
أما في باب المداخلات فقدمت د. علا عويضة مداخلة غنية عن رواية “كافر سبت” وموضوع المكان حيث هو ذاك المكان الذي تسكنه ويسكنك تكبر فيه ويكبر فيك والقدس هي المكان في رواية عارف التي تتناول الواقع الفلسطيني. لقد ازدحمت الرّواية بالأحداث المحمّلة بتفاصيل هامّة من حياة المقدسيين، ألقى الكاتب من خلالها الضّوء على الجانب السّياسيّ، الاجتماعيّ والاقتصاديّ. كما كشف عن طبيعة العلاقات فيه إلى جانب علاقته مع الآخر اليهودي. وعليه، تناولت أحداث الرواية من محورين: الأول، صورة القدس والمقدسيين ومعاناتهم، والآخر صورة اليهوديّ في رواية كافر سبت.
عرض عارف الحسيني، في روايته واقعًا مريرًا قد يرفض البعض الاعتراف به، ألا وهو تمزّق الهوية المقدسيّة إثر تأثّرها بالمحتّل وإنكار ذلك في المجتمع المقدسي. كما أشار إلى الازدواجية في الحياة التي يعيشها المثقّف المقدسي، إذ يؤمن بشيء ويقوم بآخر، ذلك لأنّ العادات والتقاليد هي التي تحكم.
وأضافت، كافر سبت هو نبيه، هو الراوي، هو عارف الحسيني، هو نحن!! هذه الأسماء هي شخصية واحدة متمرّدة على الواقع السياسيّ، الاجتماعي والاقتصاديّ. كافر سبت تجاوزت حدودها المكانيّة لتمثّل كلّ فلسطينيّ محاط بهذه التناقضات والصّراعات. المكان في الرواية قضية فكريّة، سياسيّة واجتماعيّة.
وختمت أن الرواية دعوة من الواقع التكفيري الممزق إلى شرفة التفكير من أجل التقدم والعمل والنضال نحو التغيير.
تلتها الكاتبة هيام مصطفى قبلان في مداخلة عن رواية “حرام نسبي” فتحدثت عن أدوار (حورية) في الرواية مشيرة إلى أن الكاتب اعتمد السرد بضمير الأنا الأنثى مستعملا اللهجة المقدسية .
استعمل كذلك عنصر التشويق، العامل الزمني، فن الاسترجاع في روايته.
أما المواضيع المطروحة فكانت الاحتلال والسيطرة على القدس، لقمة العيش، الحياة اليومية التي يعيشها المقدسي، الطفولة كعامل نفسي، هجرة العائلات المقدسية، هموم المرأة -المطلقة بالذات- في مجتمع ذكوري، الزواج المبكر والحرام والحلال كقضية نسبية وغيرها ..
تطرقت إلى مواقف مهينة بحق المرأة في الرواية. وإلى تابوهات المجتمع ورأي الدين.
أما المداخلة الأخيرة فكانت من نصيب د. لينا الشيخ حشمة فكانت لها إضاءات مثيرة على رواية “حرام نسبي” قائلة إنها رواية مُحكمة عن المجتمع المقدسي تتصارع فيها الثنائيات والثالوث . المرأة والرجل، السجن والحرية، الحب والخيبة، الحلال والحرام….
فيها تناص، أسطورة وسخرية سوداء.
عنوانها -حرام نسبي- دالّ ومثير للأسئلة. وفي عتباته النصية يكشف لنا الكاتب خوفه على ابنته من آلام مدينته.
أجاد الكاتب في اختيار رسم الغلاف الذي يلخّص دلالة الرواية.
الحرية في ثقافتنا النسبية هي لمن يستطيع امتلاكها وليس لمن يستحقها. هكذا يغوص المجتمع في أدران النسبية فيحرم لغيره ما يحلله لنفسه في منظومة الكيل بمكيالين.
وعن الأبعاد الدلالية للرواية البطل فيها سلبي ومأزوم (هو) قمع أكبر مصدر للقوة في حياته، (حورية) المرأة التي لم يستطع تحمل تفوقها عليه.
والاحتلال سجن كبير لا يفرق بين رجل وأنثى وحتى الحب يشوه في ظل الاحتلال.
لجوء الكاتب إلى ضمير المتكلم هو اعتراف بحق المرأة في التعبير عن نفسها.
في الرواية تناص مع الخلود في ملحمة جلجامش. وإغلاق النهاية بمبنى دائري فيه انفتاح لمرحلة جديدة من الأمل.
إن المكان المسكون يتجاوز المكان الهندسي لهذا يعلن الكاتب تحيزه للقدس المكان لتكون الرواية أغنى وأصدق من كتب التاريخ.
تناولت د. لينا البعد السياسي في الرواية والأسماء ودلالاتها .
اختيار إسم (حورية) لم يكن عبثا فعلى المستوى الرمزي هي الحرية وهي الاشتقاق الأقرب لكلمة حورية – حرية (جناس غير تام).
حورية تمثل القدس و(هو) يمثل سلطة الاحتلال ولا تملك القدس ملكية نفسها. أما موته (هو) فيدل على أمل الخلاص.
يريد الكاتب من مجتمعه ألا يدفع نفسه من الأعراف البائدة إلى الجهل القاتل فيكون سجين الجهل والهزائم وهذا ما يريده المحتل.
أما في البعد العربي فحورية تمثل الشعوب العربية مقارنة إياها بعلاقة الحاكم العربي القامع المستبد بشعبه. فالشعوب العربية تبحث عمن يحفظ لها حريتها. وحلم حورية هو الحرية من القهر الاجتماعي كما حلم القدس التحرر من القهر السياسي.
وكان الختام مع كلمة المحتفى به فعبر عن سعادته وتأثره الباديين عليه بالأمسية والمداخلات.
وقال إن أمتنا يقودها رجلان، إما قائد خائف ومتخاذل أو رجل دين لم يتعدّ تعليمه الإعدادي !
والحل الوحيد لتمردنا هو الصبر لبناء جيل جديد مختلف.
وليس كل خطوة هي خطوة للأمام.
أما الثقافة فهي ليست ترف فكري بل هي سلاحنا الوحيد. لم يبق لنا إلا قطاع التعليم والثقافة لكن مشكلتنا أننا فقدنا القدرة على الصبر.
ومن أجل التغيير علينا بناء قاعدة متينة ومقومات لاستقباله وإلا يصبح فوضى.
وبالتوقيع والتقاط الصور كان الختام. أمسيتنا القادمة يوم الخميس 21.12.17 مع المربي الكاتب تميم منصور وإشهار دراسته “الانقلابات العسكرية في الأقطار العربية”. بمشاركة المحامي علي رافع، الإعلامي الباحث وديع عواودة وعرافة الشاعرة سلمى جبران.
يجدر بالذكر أن الأمسية أقيمت برعاية المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني-حيفا.