دعت هيئة الإضراب لاجتماع تحضيري مساء الأحد 87\04\26 في ساحة المدرسة لدعوة المواطنين للمشاركة في المظاهرة، وشرح الموقف. كان الحضور غير مشجّع ويبدو أن الأمر أثر على بعض المتكلمين في الاجتماع ومنهم رئيس المجلس متخوفين من أن الحضور هو انعكاس لاستعداد الناس للمشاركة، وكان همه وأمله وهيئة الإضراب أن يشارك أكبر عدد ممكن حتى لا تبدو المظاهرة هزيلة. هذا التخوف انعكس في كلمته التي ألقاها والتي ركز فيها على ابعاد قلة المشاركة، وعلى دور العناصر الداخلية المتخاذلة التي تعمل على إحباط العزائم.
لم يكن هذا التوجه غريبا من قبله، فأولا هذه أول تجربة له في هذا المضمار، وثانيا كان واضحا له أن نجاح المظاهرة منوط بمشاركة المعارضة ومؤيديها التي ما زالت تشكك بصدق نواياه وبعض رموزها البارزين ذهبوا أبعد من ذلك وأسسوا لاتصالات مشبوهة، وبعض آخر اعتبر الأمر مجرد “هيزعة” ولعبة في العلاقات الاجتماعيّة.
مثل هذه التوجهات والأصوات كانت تُسمع ولكن ما لم يتوقعه أصحابها أن الغالبية العظمى من المواطنين وبالذات من المعارضة دعمت الموقف، أولا لمصلحتها المباشرة فيما يتعلق بالأرض خصوصا وأنها من ناحية واقعية، تملك غالبية الأرض التي عليها المشكلة، والقسم الآخر اقتناعا بالموقف المسؤول الذي اتخذه ممثلوهم الأعضاء خصوصا وكما أسلفت، كان هذا مطلبهم وعلى مدى سنوات، وحتى من كانوا في نظر بعض أعضاء هيئة الإضراب مثارا للتساؤلات لم يتوانوا.
كانت الكلمة الثانية للدكتور جمال زيدان الذي انضم لاحقا لهيئة الإضراب، فكانت كلمته عاطفيّة وجهها لمشاعر الناس شادّا على واجب الاشتراك في المظاهرة.
ثمّ كانت الكلمة للكاتب شرح فيها أهميّة المظاهرة، وكرئيس لجان الآباء أعلمت المواطنين وجاهيا في المناسبة، بعد أن كنا أعلمناهم ببيان أول الشهر عن القرار من يوم 87\03\27 بإضراب المدارس بدء من بداية الفصل والذي كان مقررا أن يبدأ في ال-28 من الشهر.
جاءت المشاركة صباح اليوم الثاني على عكس التخوفات، ويبدو أن قلة المشاركة في الاجتماع كانت بسبب ظروف موضوعيّة وليس تخلّفا، فلم يتأخر عن المشاركة صغير ولا كبير، حتى الشيوخ أبناء الثمانين شاركوا، فانطلقت القافلة عشرات السيارات والحافلات نحو القدس بالهتاف والشعارات المعبرة عن الوحدة والتمسك بالأرض والإصرار على تحريرها.
استقبلت الوفود قوات كبيرة من الشرطة، مشاة وخيّالة، وقد ملأ بحر هادر من المواطنين الشوارع تتقدمهم العمائم، والهتافات تملأ الأجواء سارت المسيرة جبّارة حتى مكان التجمع قبالة مكتب رئيس الحكومة.
وبدأت تتقاطر الوفد التضامنية من كل حدب وصوب، ممثلون عن لجنة الرؤساء العرب نمر مرقس رئيس مجلس كفر ياسيف والياس قسيس رئس مجلس الرامة مع وفدين مرافقين، وكل رؤساء المجالس المحليّة الدرزيّة ووفود عديدة من كل القرى الجارة، ووفد الجبهة برئاسة عضو الكنيست شارلي بيطون، وعضو الكنيست زيدان عطشة عن حزب “شينوي” وعضو الكنيست ران كوهن عن حزب “ميرتس”، ولطيف دوري عن حزب “مبام” وممثل عن شبيبة الحزب، والعديد من الشباب الديموقراطيين اليهود وعشرات طلاب الجامعات العرب.
استمرت الهتافات تملأ الأجواء منطلقة من مكبرات الصوت يقودها عضو هيئة الإضراب نايف خلد بموهبة خلاقة. وافتتح المظاهرة محاسب المجلس أمين خطيب بأبيات شعر حماسيّة من تأليفه، ثمّ مرحبا بالمتضامنين مؤكدا أن القضيّة قضية الجميع، قضية أن نكون أو لا نكون، ثمّ قرأ بيان المظاهرة التي عدد فيها الموبقات التي مارستها السلطات والتي أدت إلى اتخاذ هذه الخطوة.
تلاه رئيس المجلس رئيس هيئة الإضراب بكلمة شرَح فيها القضية بإسهاب ومما جاء فيها:
جئنا لنسمع صوتنا لحكومة وشعب إسرائيل ضد سياسة التمييز بعد أن فشلنا بكل جهودنا بالطرق المتبعة… صودرت أرضنا في “الخيط” بحجج أمنية أثبتت الأيام أنها حجج واهية، فقد منعنا من دخولها بسبب الأمن، ووزعت بعد ذلك على المستوطنات اليهودية… الطبيعة جاءت لتخدم الإنسان وليس العكس وكل ادعاءات دائرة حماية الطبيعة تحريض، فالطبيعة في بيت جن موجودة قبل الدائرة وحافظنا عليها، فالدائرة مصيبة ورجالاتها يمارسون كل وسائل التمييز…..
هنا طلب الوزير عازر وايزمن الذي كان وصل لتوه حق الكلام لضيق وقته، فقابله الجمهور بالاستهتار ولم يُرد سماعه وفقط بعد جهد كبير قبل الجمهور أن يسمعه، فوعد أن يستعمل كل إمكاناته لحل المشكلة، فقوبل كلامه بمقاطعات: شبعنا وعودا، وهذه كذبة أخرى في السلسلة. مما اضطره إلى إنهاء كلامه ومغادرة المكان مثلما جاء.
وتابع الرئيس:
حلف الدم غير قائم ومطلبنا حلف حياة، فالحلف يُقام بين متساوين، وبانعدام المساوة ينعدم الحلف… أقامت لجنة الداخلية في الكنيست لجنة لتقصي الحقائق فأي استهتار هذا ؟!
الجمهور: حماية الطبيعة … جرائم فظيعة.
نحن في نظرهم لاجئون لا مواطنون … إننا نناضل من أجل حياتنا وهذا النضال سيستمر إلى ما لا نهاية… بيت جن ستضرب حتى تحرير الأرض، وأمامنا خطوات أشد…
الجمهور: بالروح بالدم… نفديك يا بيت جن.
سييجربوا تفكيك وحدتنا…
الجمهور: فشروا !
ما نطيع اللي يجينا في العناد… ما تعودنا على بوس الأيادي.
هنالك حل واحد فقط تحرير أراضي بيت جن من نطاق المحميّة….
إن هذا الكلام واضح وصريح له أبعاد كبيرة، إن تعدّى الخطابة فمن شأنه أن يغيّر ليس فقط موقفا ووسائل نضال إنما مسلّمات في نظر غالبيّة الجمهور، فهذه الطروحات بأبعادها من مثل رئيس المجلس جديدة على الساحة. وجمهور الحضور عدا القوى الوطنيّة بينه بغالبيته لم يشارك من قبل في مثل هذه المظاهرات، ويسمع مثل هكذا كلام من قائد تقليدي.
….. \ يتبع