زياد شليوط
فقدت شفاعمرو وفقد المجتمع العربي بأسره الأسبوع الماضي وبالتحديد الخميس 19 تشرين الماضي فتاة مميزة ومحبوبة هي يارا كمال حمادة، ولم يبق قلب الا وحزن عليها وعقل الا واحتار في سر موتها المبكر. ترى ألها كتب الشاعر اللبناني وأنشدت الملائكة بصوت فيروز: ” يارا الجدايلها شقر .. الفيهن بيتمرجح عمر.. وكل نجمة تبوح بسرارا .. يارا “؟! فهذه يارا الشفاعمرية كانت جدايلها شقر، تتطاير مع نسائم الريح وتلمع مع أشعة الشمس، وفي تلك الخصلات الذهبية يتأرجح عمر خلناه زاخرا بالأمل والانجازات، بالجمال والابداع، بالطموح والأحلام، لكن عمر يارا لم يقو على التشبث بأرجوحة الحياة وتلقفته أرجوحة الموت المليء بالأسرار بعدما سكتت أسرار شهرزاد عن الكلام المباح، وظل اسم يارا يتردد في أرجاء الفضاء، بعدما تكسرت كل الأحلام وانكسرت الآمال وتحطمت الطموحات.
يارا اسم جميل تكنى به الكثير من الفتيات، ومعظمهن أخذن من ذاك الاسم بعض جوانبه لكن يارا حمادة أخذت كل المعاني. فهي في اللغة الفينيقية والكردية معناها الحبيبة، ويارا كانت حبيبة عائلتها ومدرستها وبلدها وكل مجتمعها.
وفي الأمزونية ابنة الغابات وفي الفارسية، ابنة الربيع وفي المصرية القديمة، مملكة السماء.. ويارا الشفاعمرية كانت كذلك. ومن معانيها الطاهرة والمحبوبة.. ويارا هكذا كانت وهكذا تبقى. ورغم أن اسم يارا ليس عربيّاً؛ بل يقال إنّه اسمٌ أعجميّ الأصل، مأخوذٌ من اللغة الفارسيّة من كلمة (يارستن)، ويعني بلغتهم التمكّن والقدرة والاستطاعة. الا أن يارا العربية كانت عربية اللسان والوجه والانتماء، ولم يأخذها اسمها نحو عالم أعجمي دخيل، بل حافظت على انتمائها العربي القومي واعتزت به وبلغتها وثقافتها وحضارتها، وأظهرت كل القدرة والتمكن والاستطاعة في هذا الشأن، كما أظهرتها في دراستها وعلمها وعملها وطموحها الذي لم يحده حدّ غير الموت اللعين.
وفي تراثنا العربي الذي أحبته يارا وتخرجت من حضنه، بكائيات على فتيات ناضرات قطفهن الموت وهن في عز نضارتهن مثل يارا، وكأني بشعراء العصور السابقة يصفون يارا كما وصفوا أخوات لها من سنوات بعيدة، فهذا ابو النواس يصدق في قوله حين يقول:
لقد غيّبوا تحت الثرى قمرَ الدّجى وشمسَ الضّحى بين الصّفائحِ والعفرِ
ويكمل الشاعر مروان بن محمد قوله في يارا مناشدا قبرها:
يا قبرُ أبقِ على محاسِنها فلقد حويتَ البِرَّ والظّرفا
ولأن يارا حمادة كانت بالأمس القريب مشروع حياة وعلم يبشر بمستقبل واعد، وباتت اليوم رمز الطموح العلمي وسمو الأخلاق ورهافة الاحساس، فاني أدعو لأن يصار الى تخليد اسمها بتخصيص جائزة تقديرية سنوية، تحت اسم ” جائزة الطموح العلمي على اسم يارا حمادة “، تخصص لطالب أو طالبة حقق/ت أعلى علامة في امتحانات البسيخومتري في تلك السنة. وأرى أن تتبنى مدرسة يارا، حيث تعلمت واجتهدت وحققت أعلى النتائج، المدرسة الأسقفية الكاثوليكية هذا المشروع، أو تقوم بلدية شفاعمرو وقسم المعارف فيها كأعلى هيئة في المدينة بتبني الفكرة ولا ضير أن تكون مشتركة بين تلك الأطراف. وأن يمنح الفائز أو الفائزة درعا يحمل مجسما ليارا وشهادة تقديرية وجائزة مالية رمزية، على أن يقام احتفال سنوي في ذكرى وفاتها ويمنح الفائز فيها تلك الجائزة. ليس المهم أن تنفذ الفكرة كما قدمتها، المهم أن يصار إلى تخليد اسم يارا وسيرتها ونجاحها وتفوقها، وأن تحسن شفاعمرو تكريم هذا المثال الانساني وجعله منارة وقدوة أمام الأجيال.
(شفاعمرو)