برعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني/ حيفا، أقام نادي حيفا الثقافي أمسية في قاعة كنيسة مار يوحنا الأرثوذكسية في حيفا، بتاريخ 5-10-2017، وسط حضور مميز من مثقفين وأدباء وأصدقاء ومهتمّين بالأدب، احتفاءً بالأديب الباحث العكّي نظير شمالي وكتابه (رقاعٍ إلى صلاحِ الدينِ)، وبعد أن رحّب بالحضور المحامي فؤاد نقارة رئيس ومؤسس نادي حيفا الثقافي، عُرض فيلم قصير بعنوان لمسة وفاء”، لطيّبة الذكر ابنة عكا الأديبة سميرة عزام، ثمّ تولت عرافة الأمسية سلمى جبران، ، وكانت مداخلات نقدية جادّة لكلّ من: د. فهد أبو خضرة ود. صالح عبود، تخللتها مداخلة فنية الفنان نزار بغدادي من فِرقة الغَجَر، وقراءات شعريّة مميزة مع المحتفى به نظير شمالي وابنتِهِ غُفران شمالي يونس، كما ازدانت أرجاء القاعة بلوحات معروضة تدمج بين الصورة ونصوصِ نظير شمالي الشعريّة، ثم قدم شيخنا الأديب حنا أبو حنا ود. فهد أبو خضرة والمحامي فؤاد نقارة درع تكريم للمحتفى به، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة!
مداخلة العريفة سلمى جبران: مساؤكم مَحبَّةٌ وعِطْرٌ وَوَفاء، وشُكرًا للحضور الجميل والشُّكْر أوَّلًا لنادي حيفا الثّقافي مُمَثَّلًا برئيسِهِ المُحامي فؤاد نقّارة والناشط الثّقافي المحامي حسن عبّادي اللَّذَيْنِ يعملانِ فيُبدِعانِ بلا حدود وبمحبّةٍ وعطاء. وشكرًا لكلِّ من يعملُ على إحياءِ هذا الصَّرحِ الرّائد تحتَ رعاية المجلس المِلّي الأورثوذُكسي برئاسة السيّد المربّي جريس خوري، وشكرًا للسيِّد فضل الله مجدلاني القائم على كل الترتيبات التِّقَنِيَّة..
بعيدًا عن متاهات التاريخ وعنِ التِواءات الحُكْم والحُكّام، نُسافرُ معًا في بحْرِ عكّا وفي زواريبِها وأقْبِيَتِها، ونُخْرِجُ لُؤلُؤَها ونُقوشَها، ونُحَلِّقُ معَ روحِها التي رفْرَفَتْ في سماءِ الشمال والجنوب والغرب والشرق، وكانت فَنارًا لحضارةٍ لا تموت مُنذُ آلافِ السِّنين. وها هو ابنُ عكّا الأصيل الباحث نظير شَمالي يأتينا شاهِدًا على مجدِها، وحاميًا لكل ما تبقّى من تراثِ عكا العِمرانيّ والمدَنيّ والشّعبيّ، شاهرًا الكَلِمة والصورة لتقولَ لكلِّ العالم: نحْنُ كُنّا هُنا ونحْنُ الآن لا زِلْنا هنا، أَلَمْ تَقُلْ: “أنا أُحبُّ عكّا.. أعشقُها.. أعشقُها حتى النُّخاعْ.. على ترابِها وُلِدتُ.. وفيها أتمنّى أن أموت، وما دامت عكا حبيبتي فلن أموتَ أبدًا، لأنَّ هذه المدينة الصابرة الرائعة المدهشة الغالية، تغذي الروح وتبعثُ في النفسِ الحياة والأمل”. إليكَ منّي هذه الكلمات التي كتبْتُها عندما عِشْتُ عكّا مع مسرحيد “في زاروبِ عكّا” للفنّانة ابنة عكّا الأصيلة سامية قزموز بَكْري:
أَعيشُـها كـَما يعيشُ لاجئٌ في “أرضِهِ”، فلا أَرضَ لهُ فيها ولا سَما/ وعِشْتُ غُربتـي أَبحَثُ عنْ غربتِهِمْ فصارَ كَأسي عَلقَما/ هل تقبلينَنِي يا أُختُ في “زاروبِ” عـكّا في الحِمى؟/ أَعيشُ غربـةً ثانيةً أَجني بها محبَّةَ الأوطانِ موسمًا فموسِما
أمّا عن الكِتاب “رِقاع صلاح الدّين” فقد قَرَاْتُهُ وعذَّبَتْني بُكائيّاتُهُ على الشّرْقِ العَرَبيّ، حتى أَنشَدْتُ مع أحمد شَوْقي: نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا/ وَلَكِنْ كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
د. فهد أبو خضرة: الآن أترك الحديث عن الكِتاب لروّاد هذا المِنبَر ونبدأ بشخصيّة الشاعر الأكاديميّ ابن قرية الرينة الجليليَّة الذي عَمِلَ في التدريس، ثم عَمِلَ مُحاضرًا في جامعة حيفا، وفي كليَّة إعداد المعلمين العرب في حيفا، وهو صاحب عدّة دواوين شعرية ورواية بالإضافة إلى العديد من الأبحاث اللغوية والكتب التدريسيّة. من أعمالِهِ الشعريّة: الزنبق والحروف، البحث عن أجنحة، النسور، كتابات على طريق الوصول، مسارات عبر الزوايا الحادّة وحلم ليلة ربيعية. ورواية الليل والحدود.
د. صالح عبود: ولد في حيفا وترعرع في عيلوط. حصل على لقب دكتوراه في اللغة العربية من جامعة حيفا عام 2013. يعمل مدرِّسًا للغة العربيّة في مدرسة عيلوط الاعداديّة، ومحاضرًا في كليّة “عيمق يزراعيل” الأكاديميّة. مجموعة “ديمة ربيع” باكورة إنتاجِهِ الأدبي، وهو كاتب مهتمّ بالأدب والفِكر والنّقد.
مداخلة د. فهد ابو خضرة: أتحدّث في هذا اللقاء عن مجموعة شعريّة للشاعر نظير شمالي، بعنوان (رقاع إلى صلاح الدين)، وهي مجموعة تضمّ سبع قصائد، تتبع ستٌّ منها للشعر المنثور الذي ورد ضمنه القليل القليل من الأسطر الموزونة، وتتبع قصيدة واحدة لشعر التفعيلة هي القصيدة الثالثة في المجموعة، مع العلم أنّ مفاعيلها ترتبط ببحور مختلفة لا ببحر واحد، أركّز في هذا الحديث على جانب واحد من جوانب هذه المجموعة هو جانب المضمون، لأنّ تناوُلَ هذا الجانب هامٌّ وضروريّ، إذ يفتح الباب واسعًا للدخول الى الجوانب الأخرى، فقد تناولته بالتفصيل.
القصيدة الأولى بعنوان (لفاطمة أغنية موقوتة في مخدع السلطان): والأغنية الموقوتة مبنية بناء مقطعيّا، تصل مقاطعه المُرقّمة إلى أربعة عشر مقطعًا، يتناول الشاعر فيها موضوعًا رئيسيّا واحدًا، ولكنّه لا يسير فيه بخط مستقيم لا مضمونًا ولا زمنًا، (وإنّما ينطلق مع الفكر يمينًا مرّة ويسارًا مرّة، وينطلق مع الزمن الى الوراء مرّة وإلى الأمام مرّة)، ويبدو أنّ هذا البناء يعطي للشاعر إمكانيّة التوسّع فيما يقوله، ويُلفت النظر أنّ قصائد المجموعة كلّها مبنيّة بناءً نصّيًّا مقطعيّا، أمّا فاطمة فيمكن القول أنّها تُشكّل رمزًا للوطن.
المقطع الأوّل يبدأ بحملة النداء يا فاطمة، وقد تلت هذا النداء جُمل استفهاميّة وجُمل انفعاليّة، وعدد كبير من علامات الاستفهام وعلامات التعجّب، وكلها تدفع هذا النداء “يا فاطمة” باتّجاه الحزن والألم وعدم الرضا، أمّا الناحية المضمونيّة فتنصبُّ كلّها في النقد الذاتيّ الذي يتلاءم تلاؤمًا واضحًا مع أسلوب الاستفهام والتعجّب، نحو قوله: مستضعفين أصبحنا نعاجًا لا تقاتل!/ أشدّاء أمسيْنا، إذا قاتل بعضُنا بعضا/ وسيوفنا بوجه التتار قد غدت لعبة من خشب. (ص7).
وتُختم الناحية المضمونية بالتوجّه الى الوطن النازف: ومَن لي غيرك يا وطني النازفُ يا وطني! (ص8)، وقد ذكر الشاعر في هذا المقطع التتار مرّتيْن والعلوج مرة واحدة، باعتبار كلّ منهما رمزًا للعدوّ الذي مزق الوطن. والوطن الذي يعنيه الشاعر هنا هو الوطن العربيّ الواسع الممتدّ كالحرّ تحت شمس لا تغيب (ص7)، وإذا كان هذا الوصف قد استعمل في زمن سابق في سياق الحديث عن الإمبراطوريّة البريطانيّة، فإنّ الشاعر بالتأكيد لم يقصد ربطا ولا تشبيك، وإنّما أراد أن يُشير بأسفٍ شديد، إلى هذا الجحيم الكبير الذي تمزق، وقد أكّد أسفه هذا بتكرار لفظ الوطن ستّ مرّات إمّا مُتسائلًا وإمّا مُناديا.
المقطع الثاني يبدأ بضمير الغائب المنفصل “هو”، وكذلك المقطع الثالث، ويستمرّ كلٌّ منهما في الحديث عنه، ويمكن الاستنتاج أنّ المقصود بهذا الضمير هو الوطن الممزّق الذي يمضي مُترنّمًا، لا يرى عشقه المذبوح حتى الوريد، وفي المقطع الرابع يتغيّر التوجّه تمامًا، حيث تظهر من بدايته نبرة الاعتزاز: انا المهر العربي الأغرُّ المُعلّى”، وتظهر بعدها نبرة الاشتهاء “جسدي من تراب هذي الارض مجبولٌ بدماها”، ولكن هذا التوجّه لا يطول فهو يتوقف بعد سطور قليلة، لتحلّ مَحلّه في المقطع الخامس ذكرياتٌ عن الأب الذي اغتاله التتار، وعن الجدّ الذي غيّبوه في المنافي، وعن الصغار/ الكبار الذين يحلمون بالعودة في صباحٍ أندلسيّ نديّ مُورّد الخدّيْن، ويمكن القول إنّ اسم الأندلس في هذا النصّ يُشكّلُ رمزًا للوطن الضائع، للفردوس المفقود الذي لم يحافظ عليه أصحابه محافظة الرجال، فلم يبقَ لهم بعد ضياعه إلّا أن يبكوه بكاء النساء، كما قالت تلك الأميرة الأندلسيّة لابنها الأمير، حين اضطرّ إلى مغادرتها، وقد جاء تكرار الصدى في هذا المقطع ليؤكّد عنصر التلاشي: وجوه تلاشت في رماد القطار/ وجوه تلاشت في رماد/ وجوه تلاشت/ تلاشت.. تـ .. لا .. شت (ص12).
اما اسم العلم الذي ورد في بداية هذا المقطع: علي بنُ عصفور، فهو اسم مستعار يشرح الشاعر مصدره في المقطع السادس حيث يقول: كالعصافير كنت أجوب البلاد، بلادي، بطولٍ وعرضٍ/ وأهلي أسمَوْني عليًّا كما النفوسُ الأبيّةُ في المعالي (ص13). والمقطع السادس متعلق بالمقطع الرابع ومكمّل له، إذ يبرز فيه الحلم والتفاؤل نحو قوله: أنا الصحراءُ التي تخضّبُ بالحنّاء شعرها المضفور/ تخبئُ في صدرها المكلوم مُهرَها الموعود../ أنا الأميرةُ التي اكتحتْ حلمَها/ وللوعدِ الحقِّ قد أسرجتْ خيولَ الشوق..(ص13)/ حرًّا طليقًا أغنّي/ وأنتشي بيوم النصر (ص14).
في المقطع السابع يعود الشاعر الى النقد الذاتيّ، وإلى نبرة الحزن والأسى، متوجّهًا إلى فاطمة رمز الوطن، ليقول لها: بسكّين غدرٍ نحروكِ يا فاطمة!/ ومن قبلُ ذبحناك قربانًا بيديْنا../ فتبّتْ يدانا يا فاطمة!/ فنحن القاتلُ والقتيلُ! (ص14). المقطع الثامن مخصص لبغداد التي اغتالها من يسمّيهم المُغُل الجدد، وعنهم يقول في نهاية المقطع: نحروا شرايين دجلة والفرات/ على وقعِ أنّاتٍ من قرابين الشّرّْ (ص15).
في المقاطع الثلاثة التالية التاسعِ والعاشرِ والحادي عشر، يعود الشاعرُ إلى النقد الذاتيّ، مع تركيزٍ واضحٍ على أصحاب السلطةِ الذين يسميهم “زناةَ العرب”، ويقول عنهم: صارت سيوفُهم قدَرًا مُسلّطًا فوقَ الرقاب/ باسمِ أمن العرشِ الموقّر.. (ص17)/ هم الحثالة المُهرولون وراءَ غانيةٍ ودينار (ص18).
ثمّ يتساءلُ بعدَ حديثٍ مطوّل عنهم: مَنْ مَلّكَ الأنذالَ- في الزمنِ الرديْ/ بلادًا تسامتْ أمجادُها/ ورقابًا كان ديدنُها الشّمم!؟/ مَن مَلَّلكَ الرقابَ- رقابَنا- لمازقٍ مُرتَدّ؟! (ص19).
ويستمرُّ الشاعرُ في المقطعيْن الثاني عشر والثالث عشر بتوجيهِ الذّمّ إلى أولئكَ الرؤساء، وإلى كلّ الذين يدعمونَهم، ولكنّه يتوقّفُ في عدّةِ مواضع من المقطعين ليشيد بمن سمّاهُ “زينَ بغداد” قائلا له: أيّها المُدهشُ المقدام.. (ص20) يا فارسًا باهى بفعله الأحرار/ أحرقْ بجمركَ الصخّابِ جمرَ الغضب/ لصوصًا بخناجر الغدرِ اغتصبوا عروشًا من ذهب (ص21).
في المقطع الأخير، المقطع الرابع عشر، يعود إلى مخاطبة فاطمة، رمز الوطن، مُقدّمًا لها صورةً رماديّة يظهر فيها الصمودُ والأملُ والتفاؤلُ والحلمُ، بالرغم من الواقع الأليم قائلا: أنا لي الأرضُ عشقًا تعشقني/ بعين القلب والروح زيْنَ الشبابِ تلقاني../ أنا ما مِتُّ وإنْ صدئتْ في معصمي قيودٌ وسلاسل/ ولي أحلامٌ تُناطحُ السحابَ، تُحلّقُ/ تعلو حبلًا شامخات../ أنا ما مِتُّ يا فاطمة!/ أنا ما متُّ يا فاطمة! (ص22).
وقد أحسن الشاعر صُنعًا حين ختم القصيدةَ الطويلة بهذه الصورة، فلا أقلَّ من التفاؤل والحلم في هذا الزمن الرديء الّذي يتحدّث عنه.
القصيدة الثانية هي “مَراثٍ على عتبات القادسيّة” والقادسيّة موقعٌ في العراق، وقعت فيه معركةٌ بين العرب والفُرس، وقد انتصرَ فيها العربُ بقيادة سعد بن أبي وقّاص، على الفرس بقيادة رستم، وذلك سنة 14 هـ/635م. القصيدة مقسمة الى خمسة مقاطع، يحملُ كلٌّ منها رقمًا (من1-5).في هذه القصيدة يركّز الشاعر على النقد الذاتي، وعلى ذمّ أصحاب السلطة وذمّ الأعداء، وعلى إظهار الأسى والأسف. وبعد هذا كلّه يحاولُ الشاعر في الخاتمة أن يكون متفائلًا، ولكنّه تفاؤلُ اليائسين، وهذه بعضُ أمثلةٍ على ما وردَ فيها: عادتِ الثاراتُ، عُدنا، آهٍ، أشتاتًا، بطونًا جاهليّة (ص23). من جديدٍ داستِ الأعناقَ أقدامُ التتار../ كنّا فخارًا للدُّنى، صرنا إماءً لإماء (24)/ كيف يأتي نصرُنا حُلمًا مُحنّ، كيف يأتي؟!/ كيف نصرُ القادسيّة؟ (ص29) لِمْ قسطتمْ يا عباد؟ قام أهلُ الكهفِ من عظمٍ رميم! (ص30).
القصيدة الثالثة صلاح الدين المراثي والأهازيج، وهي أيضًا مقسمة الى مقاطع كسابقتيْها مع اختلاف شكليّ في التقسيم، (يوجد عنوان لكل مقطع)، وتوجد تقسيمات داخلية في المقطعين الثاني والثالث. أمّا من ناحية المضمون فهي مختلفة تمامًا، وهذا الاختلاف يبرز في أمرين رئيسيّيْن: الأول هو ظهور التحدّي والجرأة في مواقع عديدة وبشكلٍ بارز لم نره من قبل، من ذلك قوله: يا الصوتُ الأروعُ، يا شيخي، ما الصوتُ الأروع؟/ يولد الصوتُ الأروع، يا ولدي، على شفرةِ سيف/ فيوجه السلطان../ أشعِلْ فتيلَ الصرخة، يا عبد الله، فالسيّفُ يخاف (ص33)/ أطلِقْ روحَكَ من كلّ خوف../ علّمْني الصرخةَ، يا شيخي، أو هاتِ مفتاحَ الجرأة/ ولصوتي أدُكُّ عروشَ السلطان/ تولد الصرخةُ على خدّ الخنجر.
والأمرُ الثاني هو ظهور الرابط الديني بين الأنا الشعري والمخاطبين الى جانب الرابط القومي والرابط الوطني وانطلاقا من هذا يجمع الشاعر بين يافا وخراسان وقرطبة وسمرقند وبيسان والشام ثم يقول: بعرض المدى زغردي../ وطني جهاتُ الأرضِ حيثُ كبّروا/ الله أكبرُ زغردي شعلةً من غضبِ، شعلةُ الحقّ تأبى أن تموت (36)/ زغردي.. زغردي.. لي في العشقِ ركعتان!/ لي في العشقِ ركعتان! (ص37).
ويلفت النظر أسلوبيًّا بروز التكرار في كل مقاطع القصيدة، والتكرار مرتبط في الأساس بالترسيخ (ترسيخ ما يُقال) ولكنه بالإضافة إلى ذلك، يعكس مشاعرَ التوتُّر والانفعال الناشئةَ عن غضبٍ أوكآبةٍ، أو يأس، هذه المشاعر التي تجعل الشاعرَ يدورُ في مدارٍ واحدٍ عدّةَ مرّاتٍ قبل أن يواصلَ مَسارَه.
القصيدةُ الرابعة (مصرعُ مُصارع الثيران في رقصةِ العُري)، هذه القصيدة عودةٌ إلى الحزن والأسى، والعنوانُ نفسه يوضّحُ ذلك، رغمَ كوْنه رمزًا أو استعارة، وقد جاء في بدايتِها: يقول العرّافُ، كلُّ المصابيح انطفأتْ.. ثمّ تلا ذلك بعد عدّة أسطر، بين قوسيْن، صوتُ الشاعر أو صوتُ العرّاف يقول: (لأجلك أندلس أمتطي حصانَ الوعد، أصعدُ الأسوار بأجنحة الشمع، صاعدًا للشمسِ والرُّمحُ في خاصرتي).
إنّ الأنا الشعريَّ هنا يصعد الأسوارَ بأجنحةٍ من شمع، ولا شكَّ أنّها تذوبُ حين تقتربُ من الشمس، كما حدث لأجنحة إيكاروس في الأسطورة اليونانيّة، كما أنّه يصعد للشمس والرمحُ في خاصرته، ومن المؤكّد أنّ صعودًا كهذا محكومٌ بالفشل سلفًا، وهو فشلٌ يُنهي به الشاعر المقطع الأوّل. في المقطع الثاني يكبر الحزن والأسى، ويقول الشاعر: أطفئي المصباح يا شهرزاد/ عبثٌ ما نفعل/ نبضاتُ القلب عبثٌ/ لم نعُدْ نحلمُ بالأجنّة (ص39)/ وبالفارس الآتي على فرسٍ بيضاء (ص40).
المقطع الثالث هو استمرارٌ للمقطعيْن السابقيْن، رغم الاختلاف الظاهريّ النابع من أحلام اليقظة، يقول الشاعر: فاصهلْ صهيلَكَ يا حصان، واصهلْ صهيلَكَ/ بحافرٍ ندكُّ حصونَ الحديد/ يا حصانَ الوعد، طِرْ للشمسِ الأسيرة (ص41). فالحصانُ المخاطَبُ ليس أكثرَ من حصانِ وعد، والشمس التي يطلب منه أن يطير إليها هي شمسٌ أسيرة. في المقاطع الثلاثة الأخيرة تظهر في النصّ شخصيّةٌ جديدة، يُسمّيها الشاعرُ “عازفةَ الجيتار”، وهي شخصيّةٌ مُتمّمةٌ للمَشاهد السابقة.. صبيّة منسيّة الأحزان/ بكتها شحاريرُ الأندلس../ عيناها حفرتان بلا كفن (ص42). ولذلك يعبّرُ الشاعرُ عن انساجمِهِ معها: بكيتُ حينَ بكتْ.
وحين يتحدّثُ عن الغناء بعدَ ذلك، يتحدّثُ بضمير الجمعِ: كنّا نُغنّي/ أبي عادَ حاملًا حصانًا من ورق (ص43)/ وهذا لحصانُ يُشكّلُ بلا أدنى شكَ، مَثلًا لكلّ الأحلام التي ذُكرَ فيها الحصانُ سابقًا، كما أنّ الفعلَ “عادَ” في الجملةِ نفسِها يُشكّلُ مَثلًا لكلّ أحلام العودة الحقيقيّة، ومن هنا تنتهي القصيدةُ بالأسطرِ التالية: يعود،.. يُسندُ رأسَهُ المُتعبَ/ فافرحي يا دارُ، في وحشةِ الليل/ أبي عاد .. أبي عاد.
وهي نهايةٌ تُعبّرُ عن يأسٍ شديدٍ مؤلم، يُضافُ إلى كلّ مظاهر الحزن والأسى، وهو يأسٌ نابعٌ من خيبة الأمل ومن عدم الرضا عندَ الشاعر، عمّا تحقَّقَ من عودةٍ في تلك الفترةِ التي كُتبت فيها القصيدة، وهي سنوات الثمانين (فالقصيدة كُتبت سنة1985).
في القصيدةِ الخامسةِ “ثلجٌ ستائرُكِ هذا المساء”، تستمرُّ المشاعرُ الرماديّة التي برزتْ في القصائدِ السابقة، مع اختلافِ الرموز المستعملة، كما يستمرُّ أسلوبَ التكرار الذي يرتبط بهذه المشاعر، فهي تتحدّثُ عن فارس الشرق القديم الذي لم يعُدْ شاعرَ القبيلة، فارسٍ مضى عنه الدفءُ وارتحل، وعن أميرةِ العشق المُحنّط، وعن قنديل العشقِ الذي انطفأ، وعن ليل الفجر الذي رحلت رياحُ الشوقِ عنه، وتُختتمُ بالأسطر التالية: ما عاد في القلب رنّات للوتر/ ما عاد في الأفق سِحرٌ للسَّحَر/ ورمادُ العشقِ بعيدًا.. بعيدًا.. قد سقط/ خريفيّةٌ شاحبةٌ كلُّ الكلمات/ ميتٌ وجهُ ذاكَ القمر (ص47).
القصيدة السادسة “رقاع إلى صلاح الدين”، هي خطابٌ مُوجّهٌ إلى القائد صلاح الدين، باعتباره رمزًا للخلاص. في المقطع الأوّل من هذا الخطاب، يتحدّثُ الشاعرُ عن صمودِهِ أمامَ الجلّاد، رغمَ ما يحدث، فلا يجثو ولا يركع، ثمّ يعرضُ في المقطع الثاني، أمام القائد صلاح الدين، مظاهرَ هذا الزمن الرديء، وممّا يقوله: عن شبابيكي تلكَ السنابلُ ما رحلتْ/ صارتِ النعاجُ ذئابًا في الميادين صالت (ص49).
ثمّ يطلب منه العودةَ لتقديم الخلاص المطلوب، وهي عودةٌ عجائبيّةٌ رمزيّة، ومع ذلك فإنّ الشاعرَ يرى، كما يبدو، أنّ هذا الإيمانَ يتحقّقُ، والقلبٌ هو الوسيلةُ الوحيدةُ المُتاحةُ التي تُقدّمُ الرجاءَ في هذا لزمن الذي تنعدم فيه الوسائلُ الواقعيّةُ للخلاص. ثم يتحدّث في المقطع الثالث عن التتار الجُدد قائلًا: كالنّملِ جاءتْ جحافلُهم/ مِن هنا مرّتْ كالجرادِ علوووووجٌ وعلوج (ص50).
وبالرغم من أنّ هذه الجحافلَ أطفأت كلَّ النجوم، فإنّ قنديلَ الأحلام الخاصّ بالمخاطب لم ينطفئ، وهذا المخاطبُ يمكن أن يكون فردًا هو الشاعر نفسه، ويمكن أن يكون شعبًا هو شعبُ هذا لشاعر، والسبب الذي جعل هذا القنديل لا ينطفئ هو الأمل المُستمَدّ من أحداث الماضي، قياسًا على ما كان يقول: كانوا هنا.. هنا كانوا صلاحَ الدين/ ثمّ في الأفقِ البعيدِ غابوا كالزبد. وما حدث في الماضي يمكن أن يحدث في الحاضر، ولكن ذلك منوطٌ بسيّد الأزمان كلها، فلسيّد الأزمان كلّها الأمرُ من قبلُ ومن بعد.
القصيدة الأخيرة “ترانيمٌ رماديّةٌ في الولهِ الوحشيَ الأوّل”، قصيدةٌ مختلفةٌ من ناحية المضمون اختلافًا كثيرًا، فالشاعر فيها يتحدّث عن عنصر البراءة خارجَ أقفاص المدينة، مقابل عصر الزيف والأقنعة في مدن الرصاص، مُعبِّرًا عن حنينه المستمرّ إلى العصر الأوّل، وعن نفوره الشديد من العصر الثاني. في المقطع الأوّل تتحدّثُ الأنا الشعريّ عن ذاته، وعن المغنّي بين الأمس واليوم قائلًا: بالأمسِ كنتُ المُغنّي، حالمًا بين أجفان السفوح/ واليومَ قد نُضت مزاميرُ الغناء (ص53)، مستخدِمًا تناصًّا يُذكّرُنا بقصيدة النهر المتجمّد للشاعر ميخائيل نعيمة حين يقول: يا نهرُ، هل نضبَتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخرير؟ أم قد هرمتَ وخارَ عزمُكَ فانثنينا عن المسير/ بالأمس كنت مُرنّمًا بين الحدائق والبحور/ تتلو على الدنيا وما فيها أحاديث الدهور/ بالأمس كنتَ تسيرُ لا تخشى الموانعَ في الطريق/ واليوم قد هبطت عليك سكينة اللحد العميق/ كيف ضاع الصوتُ منّي؟/ كيف ضاع الصوتُ من صوت المغني؟ كيف غاب؟
وهو يترك هذا التساؤل دون جواب، وينتقل الى المقطع الثاني حيث يتحدث عن أقفاص المدينة، وعن مدن الرصاص التي تغتاله قائلًا: إنه اصبح غريبا لا يفهمه أحد، وهنا يتذكر الكوخ السعيد، الكوخ الصغير، رمز الحياة لقروية البريئة، والنقيض لأقفاص المدينة، فيوجّه إليه نداء في سطرين متتتاليين، وفي المقطع الثالث يوجه الخطاب الى راعية، ويطلب منها ان تسكب في القلب دفئًا من اغانيها الساحرات، وان تنزع ناب ذئب للصقيع، “فالشتاءات في الليل البهيم قد غيبت ضوء القمر (ص54).
ثم يخبرها ان القلب قد تهاوىمنذ الخريف، وفي المقاطع الثلاثة (الرابع الى السادس) يستمرّ الشاعر في توجيه الخطاب الى الراعية، طالبًا منها أن تأتي الى الطبيعة، لكي يُغنّيا معًا لعنابرها، للبحر، للروابي الخضر، لنوارس البحر، للوله الغجريّ، للمراعي المُعشوشبة، لزهر اللوز، للأيائل الجميلة، وكلها تمثل عناصر الطبيعة التي يعتبرُها النقيض التامّ لمدن الرصاص، ثمّ يُحدّثُها عن الحُبّ، وهو “ملحُ الأرضِ وسرُّ الحياة” قائلًا لها: وأنا أحبُّ كِ يا ابنةَ الغابات.. (ص55)، ويواصلُ الحديثَ عن الحبِّ حتّى آخر المقطع السادس، وفي المقطع السابع يتوجّهُ إلى الراعية، ثمّ يبدأ الحديث عن نفسه قائلًا: صرتُ المُهرّجَ الباكي (ص56)/ صرتُ الغريبَ لا يعرفُهُ أحد/ في نوبةٍ من سعالٍ ولُهاث/ أواجهُ ظلّيَ الممسوخ (ص57)/ وجهي الآن ما عادَ وجهي/ يفجؤُني وجهٌ مستعار (ص58).
وفي سياق هذا الحديث عن نفسه، يورد عن الآخرين، بين قوسيْن، حديثًا هجوميّا، فهُم مومياءاتٌ، أشباحُ أمواتٍ بقلوبٍ محنّطةٍ وعيونٍ من زجاج سميك، وكل الوجوه اكتست بالأقنعة (59)، وبعد هذا وذاك، يتوجّهُ إلى الراعية مرّةً أخرى، وكأنّها المخلصُ القادرُ على مواجهةِ هذه السلبيّات: أعيديني إليّ، أعيدي إليَّ سماوات الطفولة/ وانشري شراعًا لأرض البراءة (ص58).
ثمّ يقارن بين جمالِها والجمالَ العصريّ، فيرفعُ جمالَها إلى أعلى الدرجات، ويُنزلُ الجمالَ العصريَّ إلأى أسفل الدرجات، وفي ختام المقطع نسمع صدى المُغنّي، يُعيد ما سبقَ قوْله: ضاعَ صوْتي/ ضاع ظلّي/ صار ليوجهٌ مستعار (ص59)، ويُسمعُ صوتُ الجوقة تؤكّكُ رغبات المغنّي: أعيدوا الوجهَ لسيّدِهِ/ أعيدوا إليَّ تاجَ براءتي/ أعيدوا إليَّ كوخَ الفرح (ص59)
وتصبح هذه الرغباتُ هي الطلباتِ الأخيرةَ التي يرجو الشاعرُ المغنّي أن تتحقّق، دونَ أيِّ ضمانٍ لذلك، فالترانيم التي تضمُّها هذه القصيدة هي بحسب العنوان “ترانيم رماديّة”، وليس أمام الشاعر المُغنّي إلّا الصبر والأمل، ويبدو أنّه ليس وحيدًا في هذا المجال، وأنّ الذات الفرديّة هنا تُمثّلُ قطاعًا واسعًا من أبناء هذا المجتمع، ولكننا مع ذلك، إذا قارنّا بين هذا المجال وبين المجال السياسيّ القوميّ الوطنيّ الذي تناولته القصائد السابقة، رأينا بلا أدنى شكّ، أنّ المجالَ السياسيَّ يُمثّلُ القطاعَ الأوسعَ، ويُعبّرُ في كثير من المواضع عن الذات الجماعيّةِ تعبيرًا شاملًا، من ناحية الأسماء ومن ناحية المواقف. وأخيرًا، وبعد هذا الحديث المُطوّل، أرجو أن اكونَ قد أعطيتُ صورةً واضحةً عن جانب المضمون في هذه القصائد، وفتحتُ البابَ بقدرٍ كافٍ للدّخولِ إلى الجوانب الأخرى، وهي كثيرة، ولكم كلّ الشكر والتقدير.
مداخلة د. صالح عبود: رقاعٌ إلى صلاح الدّين: يا صلاحَ الدينِ عكّا/ قدْ وَفَتْ عَهدًا وَصَكَّا/ أَنجَبَتْ في السّورِ صَبرًا/ دَكَّتِ الضّغناءَ دَكَّا/ سَاحِلًا فيها أرَاهُ/ قَدْ غَدَا للسّورِ وِرْكا/ سُورُها بَأسٌ وَأنْفٌ/ في ذُرَى الأمجادِ حكَّا/ علَّمَ الأعداءَ دَرسًا/ مزَّقَ الأنواءَ فَكَّا/ حُسْنُكِ الجَذَّابُ غَضٌّ/ لَم يُصبْهُ الدَّهرُ وَعْكا/ قَدْ كُفِلتِ في رِجالٍ/ كُلُّهمْ ضَحَّى وَزَكَّى/ كَيْ تَدومي في صُدورٍ/ أَمنَ حَقٍّ ليسَ شَكَّا/ قَدْ كُفيتِ في نَظيرٍ/ ذِمَّةً حُبًّا وَنُسْكَا/ فالنَّظيرُ في هواكِ/ صَنَّفَ الأقوالَ سَبكَا/ مُدرِكًا أنَّ الحياةَ/ في هَناءِ العيشِ عكَّا/ في هَوى عكَّا نَظيرٌ قانتٌ قدْ كَفَّ شِرْكَا (مجزوء بحرِ الرمَل).
مجموعةُ رقاعٍ إلى صلاحِ الدينِ، توليفةٌ شعريّةٌ عكّيّةٌ سورُها وجعٌ وساحلُها تأوُّهُ ومِدادُها الدّماءُ السائلةُ من دواةِ الرزايا، تَشرأِبُّ حروفُها رغمَ غرقِها في سحابِ البلايا، تَعزفُ نشيدًا سُباعيًّا وَموتًا وَغَصبًا إيقَاعيًّا يُكفِّنُ الواقعَ في بلادِ صلاحِ الدينِ الخصبةِ بكفّارِها ومنافقيها وطوابيرِ الخونةِ والمارقينَ والمرتزقةِ من علوجِ التاريخِ الذي عجَّلَ بِهمْ إليها، حتّى غدتْ مثوًى لهم وَمُقامًا.. تقعُ مجموعةُ أخي وصديقي الشاعرِ والبَحّاثةِ الأصيلِ المتأصِّلِ نظير أحمد شمالي ضمن ستّينَ صَحيفةً تضمُّ سبعَ قصائدَ هي على الترتيبِ الذي كسر فيه الشاعرُ التتابع الزمانيّ لنظمِها وتأليفها: القصيدةُ الأولى بعنوان: “لفاطمةَ أغنيةٌ موقوتةٌ في مخدعِ السلطانِ”، وهيَ مخاضُ عامٍ وأشهرٍ ثلاثةٍ على وجهِ التقريبِ، تترامى في أربعةَ عشرَ مقطعًا، كلُّ قطعةٍ منها تتناولُ صورةً شعريّةً دقيقةً تُفصحُ عن الحالِ العسيرِ المُتوعِّرِ والواقعِ الكؤودِ العُضالِ الذي بَلَغهُ الوطنُ العربيُّ، ورزحَ تحتَ سلطانهِ الصّفيقِ المَوْبوءِ.. يستهلُّ شاعرُنا العكّيُّ المتسوِّرُ قصيدَتَهُ ومجموعتَهُ بالصورةِ الشعريّةِ القاتمةِ الآتيةِ، فيقولُ: “يا فاطمة! أيُّ ليلٍ داهمٍ نَحنُ فيهْ؟! والعُمرُ منَّا قد تهاوى قبلَ إطلالِ الصباحْ! مِزَقًا مِزَقًا تَشَتَّتْنَا مِنْ بعدِ بأسٍ شديدْ! أيَا وطنًا تناوشتهُ أنيابُ الذئاب! مَنْ عاثَ في الوطنِ “المفدَّى” الفسادْ! مَنْ مزَّقَ الوطنَ الممتدَّ كالبحرِ تحتَ شمسٍ لا تغيبْ؟! مُستَضعَفينَ أصْبحنا، نِعاجًا لا تُقاتلْ!! أشدَّاءُ أمسَينا إذا قاتلَ بعضُنا بَعضًا، وفي سيوفِنا حلَّتْ حُمَيَّا الدماءْ، رُحماءُ إذا طلَّ التتارْ! وسيوفُنا بوجهِ التتارِ قدْ غدَتْ لعبةً منْ خَشَبْ! كَغُثاءِ السيلِ صِرنا بعدَ عِزٍّ واقتدارْ، نَعامًا ندسُّ الرأسَ في الرملِ جُبنًا في وَضَحِ النّهارْ!”..
يصوّرُ شاعرُنا العكّيُّ في نصّهِ الفاتحِ دُجْنةَ الواقعِ العربيِّ وإسوادَدَهُ، فيأتي على تشيّعِ العربِ وتفرّقِهمْ، ويذكرُ نزفَ الوطنِ المستديمِ في ليلٍ نجومُهُ العلوجُ وكواكبُهُ الكُرَبُ المتهاويةُ، في وطنٍ يُطيلُ لَيلَهُ هديرٌ من دماءِ المواطنينَ الفئرانِ، الذين سامَتهُمْ محاكمُ التفتيشِ العربيّةِ الوطنيّةِ نارَ الهزائمِ والانكساراتِ النفسيّةِ الغالبةِ/ والمواطنُ الذي يصهلُ مُهرًا وقهرًا عربيًّا أصيلًا، يُفَدْفِدُ فوقَ مروجِ تاريخِهِ حالمًا بزمانٍ لمْ يُغادرْ ذاكرَتَهُ المتحصّنةَ بالنسيانِ، والوطنُ يَئِنُّ وَيَستَعبرُ من حالِ الفُرقَةِ وقيودِ الشوكِ وعرباتِ الجنودِ.
يصوِّرُ في سياقِ قصيدتِهِ الاستهلاليّةِ في مجموعتهِ “رقاعٌ إلى صلاحِ الدينِ” صورةَ العربيّ المنفيِّ المطرودِ من وطنهِ الذي لم يبقَ منهُ إلّا نشيدٌ وعلمٌ وطاغيةْ، فيستعيدُ ضمنَ مجالاتِ ذاكرتهِ الصّدئةِ المحترقةِ ببرودِ الوطنِ، ومن خلالِ بصيرةِ شاعرٍ يتألّمُ ورقُهُ من وجعِ الكلماتِ، وتبكي حروفُهُ من حُرقةِ البداياتِ وفَجعةِ النهاياتِ، وهوَ يخاطبُ نفسَهُ أكثرَ من مرَّةٍ واحدةٍ، وذلكَ شأنٌّ جليلٌ فيهِ، فيقولُ: “أُدعى عليَّ بنَ عُصفورْ”، ثمَّ يُردفُ: “أجلْ أُدعى عليَّ بنَ عُصفورْ”، وتراهُ يعلّلُ اسمَهُ ونعتَهُ ونسبَهُ تعليلًا يقتحمُ القضيّةَ ويُجملُ البيّنةَ أيَّما إجمالٍ، فتسمَعُ مِنهُ زقزقةً رقيقةً يقولُ فيها: “أجلْ، أُدعى عليَّ بنَ عُصفورْ، لا، لم تَخُنّي الذّاكرةْ، كالعصافيرِ كنتُ أجوبُ البلادَ بلادي بطولٍ وعرضْ، وأهلي أَسْمَوْني عَلِيًّا كما النفوسُ الأبيّةُ في المعالي”، فيجتمعُ في قناعِ الشاعرِ رجلٌ علويٌّ يستعلي في معالي الوطنِ والسماءِ، ولا تكتملُ عَلَوِيَّتُهُ إلّا بفاطمةَ التي نُحرَتْ مرَّتين: مرّةً بسكّينِ غدرٍ، بَعدَ أنْ قرَّبَها أهلُها قُربانًا دونَ أنْ تدمعَ لهمْ عينٌ! فتبّتْ يدُ قومٍ قتلوا فاطمةَ ولم يَرْعَوْا فيها ذمّةً وإلًّا.. فاطمةُ البغداديّة العربيّة الشاميّة، يستبيحها مع كلِّ عصرٍ جحفلٌ من مُغُلٍ جُدُدٍ، يظهرونَ بأسماءَ وَبِزَّاتٍ عسكريّةٍ حاقدةٍ تَحشْرجَتْ مِن سُمومِها وَكُرهِها شرايينُ دِجلةَ والفراتْ. تُقتلُ فاطمةُ وَزُناةُ العربِ كلُّهمْ يصفّقونَ في حفلِ اغتصابِها قُربانًا للوطنِ، والحياءُ الذي اُقتُلِعَ منهم غابَ في سديمِ العبوديّةِ المعاصرةِ المُخدِّرَةِ، هُمُ السُكارى الّذينَ استباحوا نَخْبَ الخيانةِ العربيّةِ الوسيمةِ واستمرؤوا العربدةَ المتأصّلةَ في غرائِزِهمِ الموقَّرَةِ الساقطةِ، همُ الدُمى الخرساءُ كأهلِ الكهفِ، كمسمارٍ قعيدٍ، أبدًا لا ينطقونْ!
يستنهضُ الشاعرُ فروسيّةً غائبةً في زحمةِ العُهرِ العربيِّ المُذَقَّنِ بِذقونِ الخديعةِ والضلاليّةِ الإِفْكِيَّةِ، طالبًا منْ فارِسِ الغضبِ القادمِ أن يُحرقَ بِجَمرةِ غضَبِهِ الحقِّ لصوصَ الغدرِ الغاصبينَ، وأنْ يدوسَ بِنعلَيهِ تيجانَهُمُ الكاذبةَ.. ينتهي الشاعرُ في قصيدتِهِ الاستهلاليّةِ في مجموعتهِ المُحبَّرَةِ رِقاعًا إلى صلاحِ الدينِ بنداءٍ بعيدِ المدى لفاطمةَ التي ما ماتتْ رغمَ زَعمِهمْ، مُذكِّرًا إيّاها ونَفسَهُ أنّهُ لمَّا يَمُتْ، أنَّ عليًّا حيٌّ يا فاطمةْ!
كانتْ تلكَ حَسوةُ طائرٍ في صَخَبِ مخاضِ قصيدةٍ استغرقَتْ صاحِبَها عامًا وأكثرَ، ولو أردتُ الوقوفَ عندَ ما فيها من صورٍ ودلالاتٍ وتوظيفاتٍ تراثيّةٍ مُحكمةٍ، تنضحُ جميعًا عن شاعريّةِ نظيرٍ العكّيّةِ الوسيمةِ السّمراءِ، لو أزمعتُ ذلكَ، لَطفِقتُ أُلَملمُ وقتيَ إلى وَقتِكمُ جميعًا لَعلِّي أصيبُ الذي أُرجِّيهِ وَلعلِّي لا أدركُهُ!
لي معَ عنونةِ قصائدهِ وِقفةٌ تختزلُ كثيرًا منَ الكلامِ والإبهامِ المُبَيِّنِ، وبعضُ الإبهامِ في مذهبي ومذهبِ شيوخِنا، وقدْ تمنبرتُ المنبرَ الحيفاويَّ السّاعةَ في حضرَةِ كوكبةٍ منهمُ.. أقولُ: بعضُ الإبهامِ أوضحُ سبيلٍ للبيانِ والتبيينِ، وهوَ ما فطِنَ إليهِ شاعرُنا النظيرُ في كثيرٍ من سياقاتِ نصوصهِ السبعةِ في مجموعتهِ “رقاعٌ إلى صلاحِ الدينِ”، إذ يقعُ عنوانُ القصيدةِ الأولى: “لفاطمةَ أغنيةٌ موقوتةٌ في مخدعِ السلطانِ” ضمن العناوين المختزلَةِ للنصّ، رغمَ أنّ العنوانَ في بِنيَتهِ الاسميّةِ الإسناديّةِ لا يكفلُ للقارئَ من خلالِ عتبةِ النصِّ الأولى إحاطةً بما وردَ في مجملِ النصِّ، لكنّهُ يفعلُ ذلكَ على وجهٍ سليمٍ لدى القارئِ الواعي الذي أحاطَ بعد قراءَتهِ النصَّ قراءةً سياسيّةً وتاريخيّةً مشفوعةً بمنظومةٍ منَ التِقَنيّاتِ التفكيكيّةِ لعناصرِ النصِّ، ولا سيّما الموتيڤاتُ التراثيّةُ المحوريّةُ في سياقِهِ، إذ يُحيلُ العنوانُ المختارُ للقصيدةِ الأمِّ القارئَ إلى فهمٍ لدورِ فاطمةَ المحوريَّ في النصِّ، وهو ما قد يغفلُ عنهُ فيما لو التفتَ إلى موتيڤاتٍ أخرى مجاورةٍ لموتيڤِ فاطمةَ في القصيدةِ. هذا التعالقُ النصّيّ المكينُ ينسحبُ في رأينا على عناوينِ القصائدِ المتمِّمةِ لنصوصِ المجموعةِ الشعريّةِ، وَلكمْ معشرَ السيّداتِ والسادةِ أن تُخضِعوا ذلكَ لقراءاتكمُ التي أثقُ بها أكثرَ من ثقتي بِقراءَتي في الأمورِ، فانظروا إلى أيْنُ تؤولُ بكمُ قراءاتكمْ وتمحيصكمْ.
عرَضَ شاعرنا النظيرُ من خلالِ توظيفاتٍ تراثيّةٍ موزّعةٍ وموظَّفةٍ في نصوصهِ كثيرًا منَ الصورِ الشعريّةِ والدلالاتِ المنسولةِ من حدودِ الواقعِ، فأدّى ذلكَ بحرفيَّةٍ مقنعةٍ تعكسُ انتماءَهُ وتقديسَهُ لتراثِه العربيِّ المجيدِ، ويكادُ القارئُ يلحظُ ذلكَ عنْ وعيٍ منهُ من خلالِ الألفاظِ والمستوى اللّغويِّ والضبطِ الاصطلاحيِّ لكثيرٍ من المصطلحاتِ التاريخيّةِ المرهونةِ بالتراثِ العربيِّ وحضارةِ المسلمينَ في العصورِ الوسيطةِ، ويشهدُ على إشباعِ قصائدِ المجموعةِ بالتراثِ العربيِّ والإسلاميِّ ما يردُ فيها من مجالاتٍ للتعالقِ النصِّيِّ أوِ التناصِّ الأدبيِّ الذي يُحيلُ القارئَ لدى تسكِّعهِ بينها، يُحيلُهُ إلى وقائعَ وشخصيّاتٍ ومحطّاتٍ تاريخيّةٍ تدخلُ في صميمِ التاريخِ والتراثِ..
نأتي الآن إلى قصيدةٍ حيّرتني وَشيّبت وجداني حتّى خالَطني منها ما يُخالطُ العليلَ من داءٍ ودواءٍ، تلكَ كانتْ قصيدتُكَ التي اخترتَ لها عنوانَ المجموعةِ برمَّتها: “رقاعٌ إلى صلاحِ الدين”، وهي قصيدةٌ تثيرُ جدلًا سأضربُ صَفحًا عنهُ، إزاءَ شخصيّةِ صلاحِ الدينِ، الذي باتَ أسطورةً وحُلُمًا يستمدُّ طوباويَّتهُ وعِرفانَهُ من التأريخِ وسراديبهِ المتضاربةِ، هوَ رجلٌ وقائدٌ وعابدٌ وماجدٌ حاكَ التاريخُ والنقدُ التاريخيُّ لهُ هيئَةً قشيبةً ساميةً وأخرى أصغرَ وَأهونَ، والناسُ فيهِ بينَ رجلينِ كما هوَ حالُ أعظمِ العظماءِ دَومًا!
قصيدةُ “رقاعٌ إلى صلاحِ الدينِ” تتألّفُ من مقاطعَ ثلاثةٍ غيرَ تزامنيّةٍ، إذ كُتبَ مقطعها الأوّل والأقصرُ في مطلعِ عامِ 2011 بعنوان: “عهد”، وهي لوحةٌ شعريّةٌ تتعهّدُ الصمودَ أمام الجلّادِ، يتعهّد فيها الشاعرُ بالوقوفِ أمامَ المكارهِ وهوَ قائمٌ لا يجثو لأحدٍ ولا يركع! أمّا المقطع الثاني في القصيدةِ ذاتِها، فقد أُلِّفَ عام 2000 وهو بعنوان: “حرائق الذاكرة”، وفيه نشهدُ نداءً شعريًّا ينتهي بالشاعرِ إلى دعوةِ صلاحِ الدينِ إلى حطّينَ جديدةٍ، وهوَ يركبُ لهيبَ ذاكرتهِ الجماعيّةِ، يَرقبُ البحرَ مُخاطبًا إيّاهُ وهوَ يصفُ حالَهُما، فيُبصرُ ذاتَهُ في حالِ البحرِ الحزينةِ بعدَ أن هجرَتهُ نوارسُ الحياةِ، فرحَلَتْ معها حقيقةُ البحرِ منَ البحرِ، وَخلَّفتِ البحرَ دونَ بحرٍ، شأنهُ شأنُ الإنسانِ، الذي رحلَ من ذاتهِ، ومن إنسانيّتهِ، فَخلَّفَ الإنسانَ دونَ إنسانٍ!
تكتملُ القصيدةُ معَ المقطعِ الثالثِ فيها، وهو بعنوانِ “من هنا مرّوا”، وقد كُتبَ هذا المقطعُ عام 2017، ورهَنَ الشاعرُ في تراخيهِ الزمنيِّ دورةَ التاريخِ الذي يُعيدُ نفسَهُ أحيانًا، والشرقُ يا سادتي، حافلٌ بعودتهِ وَرجعتهِ المكروهةِ، بَيدَ أنَّ عودتهُ تلكَ لا تخرجُ عن كونها قدَرًا مُقدَّرا وقضاءً مُبرَمًا أبرمتهُ السماءُ لحكمةٍ طُوِيَتْ عنْ أهلِ الأرضِ، إذ مرَّ التتارُ من البلادِ، وعاثوا فيها خرابًا وفسادًا في كلِّ مرّةٍ اجتاحوها فيها، ثمَّ تراهم يغيبونَ ويعودونَ من جديدٍ، بأسماءٍ أخرى وأعوانٍ آخرينَ، وصلاحُ الدينِ المُنتظرُ مُنتظَرٌ! الانتظارُ والقعودُ سيّداتي وسادتي، عقيدةٌ وطريقةٌ تشكّلُ في ذاتها معركةَ الشرقِ الحقيقيّةِ، التي يخوضها قَومُها وهمْ يُسلمونَ قِيادَهم للسماءِ! وقدْ رأيتكَ في قصيدتكَ هذهِ وغيرِها، متمرِّدًا ثائِرًا وصوتُكَ المكتوبُ في رُقاعٍ إلى صلاحِ الدينِ، يقولُ مدَويًّا: كفانا كفانا! فصلاح الدينِ فينا نحنُ، والنصرُ والهزيمةُ من عندِ أنفسنا نحنُ! والأمرُ للهِ من قبلُ ومن بعدُ! بذلك يُنهي الشاعرُ قصيدتَهُ المُحيّرةَ التي وَقفتُ وَاسْتوقَفتُكم عندها، إذ تراهُ يَختمها بِإشارةٍ تناصّيّةٍ يُقلِّدُها وسامَ التسليمِ لأمرِ من لا يُردُّ لهُ الأمرُ، للهِ الواحدِ القادرِ دونَ خلقهِ على أنْ يُغيّرَ ما يصعبُ تغييرهُ في حالٍ دامتْ طويلًا، هكذا يُغلقُ الشاعرُ بابَ القصيدةِ إذ يقولُ: “دارَ الزمانُ دَورَتهُ، أيْ بُنَيّْ، فَلِسيِّدِ الأزمانِ كُلِّها الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ”، تناصٌّ مع آيةٍ قرآنيّةٍ وردت في سورةِ الروم في قولهِ تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: “ألم، غُلبتِ الرومْ، في أدنى الأرضِ وهمْ مِنْ بَعدِ غَلَبِهمْ سَيغلِبونْ، في بضعِ سِنين، للهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومنْ بعدُ، ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون” صدق الله العظيم، وقد وظّفَ شاعرُنا النصَّ القرآنيَّ والنصَّ التراثيَّ بأسلوبٍ مُقنعٍ وجادٍّ يخدمُ المعنى والإيحاءَ في كثيرٍ منم سياقاتِ قصائدهِ في مجموعتهِ رقاعٌ إلى صلاحِ الدينِ… ينصرفُ شاعرنا للتناصِّ في شواهدَ شعريّةٍ عديدةٍ في مجموعتهِ، ولعلَّ من أبرزِ حقولِ التناصّ الشعريِّ عندهُ الحقلُ التراثيُّ الدينيُّ، وذلكَ جليٌّ في التناصِّ الدينيِّ الكتابيِّ، ومثالُهُ قولُهُ في قصيدتِهِ: “مراثٍ على عتباتِ القادسيّةِ”: “واستعبدَتْنَا أمَّةٌ تزني وترمي بالحجرْ!!”، وتناصّهُ القرآنيُّ الجدليُّ في قصيدتهِ: “صلاحُ الدين: المراثي والأهازيج”، إذ يقول: “أَسْرِجي الخيلَ، أمُّ الشهيدِ، أعدِّي مِنْ رباطِ الخيلِ، كَفكفي عن عينيكِ دمعةً، دَعي البكا، زَغردي.. فما قتلوهُ وما صلبوهْ”، وتناصُّهُ الحديثيُّ المنسولِ من تراثِ أدبِ الحديثِ النبويِّ المتواترِ الصحيحِ، وذلكَ في قصيدتهِ “لفاطمةَ أغنيةٌ موقوتةٌ في مخدع السلطان”، إذ يقول: “كغثاءِ السيلِ صِرنا بعدَ عزٍّ واقتدارٍ، نعامًا ندسُّ الرأسَ في الرملِ جُبنًا في وضحِ النهارْ!!”، ولشواهدِ التناصِّ بنوعيه: الدينيِّ والسياسيّ شواهدُ أخرى من اليسير على القارئِ التعرّضُ إليها..
استوقفَتني قطعةٌ رَدَّت إليَّ سعادتي التي بدَّدَتْها قصائدُكَ المثخنةُ جِراحًا ونواحًا وَتَهافتًا أخي النظير، تلكَ القطعةُ المقتبسةُ مِن قصيدَتكَ الفاتنةِ “ترانيمُ رماديّةٌ في الولَهِ الوحشيِّ الأوّلِ”، إذ تقولُ فيها مخاطبًا الراعيةَ: “وأنا أُحبُّكِ، يا ابنةَ الغاباتِ، كما الحبُّ في البدءِ كانْ، بشوقِ الأرضِ لِترياقِ المطرْ، الحبُّ قاموسُ اللغاتِ، حيٌّ لا يموتْ، الحبُّ بدءُ اللغاتْ، هوَ رُخُّ البعثِ يصحو من رمادْ، هوَ بعثُ البعثِ، وهوَ حيٌّ لا يموتْ، الحبُّ يبقى لا يموتْ، الحبُّ يبقى.. لا يموتْ”..
ختامًا، أشكرُ لكَ أخي النظيرَ، أن جمعتَ شملَ تلكَ القصائدِ في مجموعتكَ رقاعٌ إلى صلاحِ الدينِ، وقدْ كانت قبلها ضمنَ أوراقكَ المتراكمةِ التي لم تجدْ لها سبيلًا لغيركَ، فاصنعْ خيرًا بِأنْ تنشرَ مخطوطاتِكَ المكنوزةِ في خُطاطاتِ تراثكَ العكّيِّ والإنسانيِّ الخليقِ بالقراءَةِ والكشفِ والتجرُّدِ منْ وعثاءِ الانتظارِ.. شكرًا لكم..