السؤال من أي نبات صُنع إكيل الشوك الذي وُضِعَ عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة بقلم: سهيل مخول – البقيعة

1

 

من المتبع وضع إكيل من الذهب المُرَصع على رأس الملك، وعلى الأقل وضع إكيل من أوراق الغار ذات الرائحة العطرة وملمسها الطري وليس إكليلاً من الشوك. ” فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلاً: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: “أَنْتَ تَقُولُ متى 11.

لم يكون اكليل الشوك جزءًا أصيلًا من عقوبة الصلب، بل  إبتكار الجنود الرومان من أجل التسلية  ولزيادة الاستهزاء بيسوع والسخرية منه باعتباره ملك اليهود.   “وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: “السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ” إنجيل متى 27.

علاوة على الإمعان في تعذيبه، إذ لم يكتفوا بوضع إكليل الشوك علي رأسه بل ضربوه على رأسه بالقصبة (انجيل مرقس 15:17 و انجيل يوحنا 19:2) فانغرزت الأشواك في جبينه الطاهر(هذا يدل بأن الأشواك كانت قاسية).  من الصعب تحديد من أي نبات صُنع  إكليل الشوك وذلك لكثرتها في منطقة القدس، هناك من يقول بانها من نبات البلان أو من القندول أو من النبق (السدر) أو العوسج أومن العناب. أنا أستبعد جميع النباتات الحولية و أرجح بأن إكيل الشوك قد صُنع من أغصان العناب. فيما يلي بعض المعطيات عن النباتات الشوكية المحتملة وأسباب استبعادها وألأسباب لترجيح العناب.

 

 

 

البلان أو النتش:

 شُجيرة صغيرة  من العائلة الوردية، الأوراق صغيره جدا و دقيقه و سيقان مليئه بالاشواك، استعملت في لأُتُونُ لصنع الكلس،نجد في بلادنا عائلات اسمها البلان وعائلات اسمها النتشة. ينمو بشكل كبير في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. نبات بري معمر، ينتشر في بلادنا في الأراضي البور وغير متواجد بالقرب من بيوت السكن، يحتاج للضوء لنموه،  أشواكه ضعيفة نسبياً. أستبعد بأن إكليل الشوك صُنِع من البلان كون سيقانها متشغبة جداً ومن الصعب تضفيرها، لأن أغصانها غير مرنة تتكر عند ثنيها لصنع التاج الشوكي. أضف لذلك البلان لا يعيش في الأماكن المبنية والمظللة، لذلك كانت بعيدة عن متناول ايدي الجنود الرومان من أجل صنع إكليل الشوك. الخلاصة: ليس من أغصان البلان  صنع إكيل الشوك الذي وضع عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة .

القندول:

نبات من العائلة  البقولية، شجيرة شوكية معمرة، يصل ارتفاعها أكثر من مترين، تنتشر في المناطق الجبلية لحوض البحر الأبيض المتوسط، تعيش في الأماكن المكشوفة، لانها تحتاج للضوء، تتساقط اوراقها في نهاية فصل الربيع، تُزهر في منطقة القدس في أذار ونيسان، أزهارها صفراء تظهر الشجيرات من بعيد وكأنها مضيئة  كالقنديل ومن هنا جاء اسمها. وكذلك هنا أستبعد بأن إكيل الشوك صنع من أغصانه، كونها لم تكون في متناول ايدي الجنود الرومان لأنها تعيش في الجبال بعيداً غن الأرض الزراعية وبعيداً عن البيوت، أضف لذلك في فترة عيد الفصح يكون القندول في  قمة الازهار ولذلك لا يصلح لصنع إكليل  الشوك من أجل السخرية، حتى ولو كان في متناول أيدي الجنود الرومان لم يتوفر لهم الوقت لإزالة الاوراق والأزهار لصنع إكيل الشوك. الخلاصة: ليس من أغصان القندول  صنع إكيل الشوك الذي وضع عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة .

 

العوسج:

شجيرة شوكية من العائلة الباذنجانية، يصل ارتفاعها في الغالب من 1 الي 2 متر، في سيناء هناك شجيرات من العوسج يصل ارتفاعها  5 أمتار ،من أقاربه الباذنحان والبندورة والفلفل. الأوراق ملعقية ضيقة كاملة خضراء تميل الي الأصفر الفاتح ، الأزهار قمعية بيضاء يميل لونها للأزرق ، الثمار لحمية حمراء في حجم حبة الحمص تقريبا أو أقل. ذُكر العوسج  في إنجيل متى 16:7 “مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟” الشوك هنا العوسج.

وذُكر العوسج في الإصحاح الخامس من سفر القضاة في حكاية قصها يوثام عن اختيار العوسج ملكا للأشجار، وقصد بها الإشارة إلى الأصل الوضيع لأخيه أبيمالك الذي كان قد تم إختياره ملكاً، بالرغم من أن والدته جارية لأن الأشجار اختارت العوسج ليملك عليها.

 قضاة 14:9“”ثم قالت جميع الأشجار للعوسج تعال أنت واملك علينا

“”فقال العوسج للأشجار أن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكا فتعالوا واحتموا تحت ظلي وإلا فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان” قضاة 15:9

هناك من يدعي بأن اكيل الشوك صنع من العوسج للدلالة على أن يسوع المسيح هو الملك. ينتشر العوسج  في الصحاري الحارة مثل سيناء وصحراء يهودا، وكان بعيداً عن متناول ايدي الجنود الرومان لذلك أستبعد بأن إكليل الشوك قد صنع منه. الخلاصة ليس من أغصان العوسج  صُنع إكيل الشوك الذي وضع عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة .

 

 

 

السدر أو النبق:

Ziziphus spina-christi الاسم العلمي للسدر هو:

عرف الإنسان شجرة السدر منذ آلاف السنين. وهي معروفة عند غالبية الناس بشجرة الدوم. موطن شجرة السدر هو الجزيرة العربية  وبلاد الشام والسودان وينتشر في المناطق الصحراوية الأخرى، يحتاج لدرجات حرارة مرتفعة لنموه لذلك لا نجده في جبال الجليل الأعلى وجبال القدس. السدرو من أقارب العناب، وكلاهما أشجار شوكية معمرة يصل ارتفاعها 5-10 أمتار. يتبعان جنس الزفيزف وهما من العائلة  النبقية  الاعتقاد السائد بأن إكليل الشوك قد صنع من أغصان السدر ومن هنا جاء اسمه الدارج “شجرة المسيح ”

Christ’s Thorn Jujube

يكثر انتشار السدر في  بلادنا في غور نهر الأردن وفي سيناء وصحراء يهودا القريبة من القدس، لذلك استبعد وجوده في القدس لأن مناخ القدس ماطر وبارد ولم يغرسه الانسان كنبات تربوي. الخلاصة ليس من أغصان السدر صنع إكيل الشوك الذي وضع عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة .

العناب:

Ziziphus jujubaالاسم العلمي للعناب هو:

موطنه الأصلي الصين واليابان ويزرع في الصين منذ أربعة آلاف سنة ويعتبر من الثمار المفضلة عند أهل الصين. انتشرالعناب قبل الميلاد في بلاد الشام وإيران و جنوب شرق آسيا، وغرس في حدائقهم. توجد أصناف عناب ذات ثمار صغيرة كثمار الزيتون وهناك أصناف ثمارها كبيرة بحجم ثمرة الخوخ وهناك أصناف ثمارها وحجمها كثمار الأجاص.

استخدم العناب في الطب الصيني منذ  2500 سنة على الأقل، وقد عرفته الشعوب القديمة، وقيل إن الجنود الرومان الذين كانوا في القدس ايام المسيح صنعوا تاجاً من شوك العناب وضعوه على رأسه، وكانوا يحيطون معسكراتهم به  وبالسدر، لمنع الناس من الاقتراب منهم اجتنابا لشوكه وقد عرف العرب العناب قبل الاسلام. ورد ذكرالعناب في الشعر الجاهلي فقيل

كأن قلوب الطير رطبا ويابساً  ***  لدى وكرها العناب والحشف البالي

وفي بداية العصرالأموي في قصيدة وأمطرت لؤلؤاً – ليزيد بن معاوية:

وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ *** ورداً ، وعضتْ على العِنابِ بِالبردِ

ذُكر العناب في الطب العربي القديم وذكرت حسناته، فقال عنه داود الانطاكي  ” ينفع في خشونة الحلق والصدر والسعال واللهيب والعطش وغلبة الهم وفساد مزاج الكبد والكلى والمثانة واورام المعدة” أما ابن سينا في القانون فقال “جيد للصدر والرئة وزعم قوم انه نافع لوجع الكلية والمثانة” وقال ابن البيطار “نافع من السعال والربو ووجع الكليتين والمثانة ووجع الصدر”.

العناب أشجار شوكية مُعمرة،متساقطة الأوراق في فصل الخريف، غُرست في الحدائق للإستفادة من ثمارها، كانت معروفة لأهل البلاد قبل الميلاد ، أضف لذلك في شهر نيسان تكون الأغصان خشبية جرداء ، ذات أشواك بارزة، يمكن ثني الأغصان من أجل تضفيرها  لصنع التاج الشوكي “وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ”.

لذلك من الأرجح بان إكيل الشوك الذي وضع على هامة سيدنا يسوع المسيح صنع أغصان اشجار العناب. وذلك استناداً للمعطيات السابقة ولتتبع إكليلالشوك تاريخياً

تتبع إكليل الشوك تاريخيًا:

أولى المعلومات تبين أن إكليل الشوك هذا كان في القدس عام 409 بعد الميلاد. أزيلت من إكليل الشوك بعض الأشواك  و تم إهداءها لعدة حكام أوروبيين . في  سنة  1063 ميلادية نقل إلى القسطنطينية .  في سنة 1238 قام الإمبراطور اللاتيني بالدوين الثاني Baldwin 2 بتقديم إكليل الشوك للملك لويس الحادي عشر ملك فرنسا ، و هذا الأخير بني كنيسة حتى يضعه فيها. خلال الثورة الفرنسية حفظ أكليل الشوك في Bibliotheque Nationale  حتى عام 1806 ميلادية حيث تم نقل هذا الإكليل الذي أصبح قليل الأشواك إلى كاتدرائية نوتردام بفرنسا و هو محفوظ هناك إلى الآن .
الخلاصة:

  • بقاء إكيل الشوك مئات السنين يشير بأنه صنع من أغصان خشبية، ومن المعروف بأن الخشب نسيج نباتي قوي جداً بطيء التبلية، بذلك هو شبيه بهذه الصفة بعظام الانسان والحيوان.
  • إنتزاع اشواك من الإكيل وتقديمها هدايا هذا يُشير بأن الأشواك كانت كبيرة وخشبية بحيث يمكن إنتزاعها، وهذا ينطبق على أشواك العناب. ونستبعد بأن إكيل الشوك صنع من نباتات حولية.
  • من الناحية البيولوجية، أغصان العناب مناسبة لصنع إكليل الشوك، لأنها خشبية ولينة وعليها أشواك.
  • أكانت شجارالعناب، متوفرة في جميع المُدن والقرى في عهد سيدنا يسوع المسيح كشجرة تربوية، وليس من المستبعد بأن يكون في فناء بيت قيافا او أمام بيت الوالي الروماني شجرة عناب، ولذالك كانت في متناول أيدي الجنود.
  • حسب جميع المعطيات السابقة إكليل الشوك الذي وضع على هامة سيدنا يسوع المسيح صنع من أغصان شجرة العناب.

إِكلِيلٌ مِن شَوكٍ وُضِعَ عَلى هامَةِ مَلِكِ المَلائِكَة

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .