مسعد خلد
مؤلف “حكايا الحاره” من قرية البقيعه الجليلية، درس موضوع المسرح أكاديميا، شارك في تأليف، تمثيل وإخراج عشرات المسرحيات في مسارح مختلفة، أسّس مسرح الفرح ويديره منذ العام 2014، وفي إطاره قام بالعمل على تأليف، تمثيل، اعداد وإخراج مسرحيات عديدة للكبار وللأطفال الصغار وللشبيبة منها: طريق الأمل، الحكي مش مثل الشوف، شادي والشيطان، الاعتراف، شحرور وسمور، سجن، فوفو وجوجو، مشوار، تراث الماضي، السيارة، خطر، تمهّل، على بالي، صحتين وعافيه، ضيف جديد، العطاء، مَشـّـي، هدّي، أنا والآخر، الآخر، القوي، آلــو، الشارع، انترنيت، المكتبة وآخر أعماله مسرحية “أغبياء عقلاء” والتي تم عرضها على خشبة مسرح المركز الجماهيري في قرية الفنانين والمبدعين البقيعة في شهر حزيران 2017. بالاضافة لذلك شارك الفنان فراس سويد في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، واصدر كتاب “طريق الأمل” مسرحية عام 2000.
“حكايا الحاره” مجموعة نصوص، كتبت بأسلوب ساخر، ينتزع الابتسامة من القلب، ويمكن تأطيرها ضمن (شرّ البليّة ما يضحك) وكما ذكر الشاعر نايف سليم في مقدمته: “يغلب عليها طابع النقد الاجتماعي المقصود والبنّاء”، وأكد شاعر الفقراء على محبة فراس للناس، وتضحيته على حسابه الشخصي، وعلى حساب وقته وصحته، من أجل توصيل ما يعرفه لأفراد مجتمعه، معبّرا عن الواقع في كل كتاباته، مسرحياته، زجلياته وأبطاله…
كتبت مجموعة الحكايا بلغة الراوي العاميّة الدارجة، مما أضفى صبغة من الشعبية ولمسة من الأصالة، لتكون من القلب الى القلب ومن الناس الى الناس، حيث قدّم المؤلف إهداء حميما بقوله: “الى الذين تعصف بهم رياح التجديد والغلاء، ضغوطات الحياة وصعوبة تدبير الحال…”
اذا قرأنا ما وراء سطور حكايا فراس، وتعمقنا في سبر أغوارها، نصل الى نتيجة مفادها أن (الضحكة ليست مجانية) حيث يهدف الكاتب الى تقديمها عن طريق لوحات فنيّة، من ماركة “السهل الممتنع”، مرسومة بحنكة، موسومة بحرفية ومقدّمة على طبق مزركش برموز صائبة، ورسومات هادفة، مزينة بزجليات في مقدمة كل نصّ ونهايته، للتوكيد المعنوي والمغزوي، كأني بها بيت القصيد، ليصل الى القراء، على اختلاف طبقاتهم واختلاف أهوائهم، قاصدا إخراج حكايات حاراته من طور اللغط والوشوشة والهمس، الى العلن حيث أراد لها أن تصل الى كل بيت، على اختلاف القاطنين، من بسطاء، بؤساء، زعماء، تعساء، فقراء، أغنياء الى آخر ما في الأمر من تناقضات، وكل ذلك بنوايا صادقة وغيرة حقيقية على مجتمعنا، لعل يكون بذلك قد ساهم في الاصلاح نحو الأفضل، وإن كان الأمل في التغيير ضعيفا، لكنه رمى بعجينته، فإن لم تلتصق بالحائط، فهي لا بدّ ستطبع فوقه علامات، لا تمحى بسهولة، خاصة مع كونها سهلة الهضم وسريعة الفهم! وعلى سبيل المثال لا الحصر، يرى الناظر الى “حارة العنيف” بانها ليست مجرد قصة (بس مدهوك في نص الشارع)، وبأن أهل “حارة الجوره” خاصة أصحاب الكراجات، يقدمون أجمل آيات الشكر للرئيس والأعضاء على إهمال تصليح الجور، لأنها تدر عليهم الأرباح، بسبب تضرر سيارات المواطنين، في حين (اللي كل اشي فيها زفت الا الشوارع). في “حارة الكنافه” يقدم لنا الكاتب حساب تكاليف حلاوة المنتخبين، من رؤساء وأعضاء ومناسبات، حتى لو كان المصروف فوق الطاقة والمقدور، لأن بياض الوجه أهم من الضروريات الأخرى. ويطلق الراوي أسهم الانتقاد باتجاه ما يدور في مجالسنا المحلية، ووصول أعضاء غير مؤهلين، وانما هدف وصولهم انتزاع مصالح خاصة، وهم من أتباع (ارفع ايد ونزّل ايد) وتكون فترة وجودهم قصيرة، ومع ذلك يصنفهم ضن زمرة (شغيله وبستاهلو كنافه).
وهذا الخط الساخن الذي يفتحه المؤلف في انتقاد المسؤولين، بسبب تجاهلهم لقضايا المواطن وهمومه اليومية، نشمّها بوضوح في أرجاء حارة طلعه وصوت، حارة جرجمونا، حارة المخيطة وغيرها. أما الخط الآخر فهو سلوكي اجتماعي، يهدف الى ابراز التناقضات السلوكية والسيكولوجية التي ترمي بظلالها على أبطال الحكايا، مثل بطل حارة الفرداوي (اللي مش عارف يداوي، معقد عمبيقولو الناس وللمرا ما عندو احساس..) وعبر هذا المجال ينتزع الكاتب الابتسامة البريئة بشكل مجاني، في عصر الدفع قبل الرفع، لكي يدخل البهجة الى قلوب قرائه، في عصر الضغوطات النفسية، المعنوية، المادية، عصر السرعة والجانك فود والكماليات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكو لنا (أبو فركش) من الفقر بعد أن (فضت الجيبه بينما ناريمان إم شلطوفه غرقانه في المكياج، على حساب لحم الجاج، في حارة المكياج). وهذا المنحى الاجتماعي، يوصلنا الى “حارة الاحترام”، حيث يوجه النقد الى جيل اليوم من الناشئة، والذين ابتعدوا عن القيم الاساسية، متجاهلين آداب احترام المسنين، ويقول:”محّوها بالمحايه، والباقي بالصرمايه، عالتربايه التربايه، ويا عيني عالتربايه”! وفي حارة “أبو الشبابيك” نلمس المعاناة التي تذيب سنيّ شبابنا، وتذهب بهممهم في انتظار قسيمة بناء، أو بناء بيت الزوجية بسبب التكاليف الباهضة وطلبات العروس المدللة. أما في “حارة شباب صبايا” فان المؤلف يصب جام غضبه على ظاهرة غربية غريبة، غزت عقول الفتية المقلدين:”اليوم الموظه عند كثار، حلقة مغروزه بمنخار، ووشم مبين زي النار، وبالحاجب حلقات كبار، الله يرحم هالختيار، إلما تْسَمّع عاهالأخبار”!
اذا تابعنا ما تبقى من عناوين حكايا الحاره، نجد أن الكاتب رصد بعين المبدع مواقف اجتماعية مختلفة، وأخرجها الى النور لهدف انساني، بإحساس مرهف وبأسلوب سلس، يتبع للأدب الشعبي، ينقل القارئ بشغف من حكاية الى أخرى، من حارة نقوط الأعراس، الى حارة الأسماء الموديرن، ثم حارة هدوء الأحلام، حارة الأوائل، حارة كلو كباسات وغيرها، لتجد نفسك غارقا في بحر مضامين آسرة، تدفعك رغما عنك، الى متابعة القراءة، وهذا ما حدث معي، عندما تناولت كتاب الصديق الفنان المخرج المسرحي الكاتب فراس سويد، واستغل هذه الفرصة لأقدم شكري على نسختي من الكتاب، مع أعطر أمنيات التوفيق والمزيد من العطاء!