منذ قديم الزمان، امتلكت ثمرة التفاح جاذبية الناس لها ورويت عنها الأساطير والمعتقدات فتعلق ذكرها بالسر والسحر. وكانت بوابة للحب والحرب وللمعرفة. ويبدو أنها كانت من أقدم الفواكه التي تعرف إليها البشر، وقد تكون هي ثمرة شجرة المعرفة التي أكل منها آدم وحواء، تُظهر الأبحاث العلمية أن الإنسان في العصر الحجري أكل ثمار التفاح، وكان الإنسان يحفظ ثمار التفاح لكي يأكلها في فصل الشتاء، فكان يحفظها في مكان لا تصله أشعة الشمس ويصله الهواء فتبقى حية لمدة تفوق الشهرين، ولكنها تذبل قليلاً ولكنها تبقى محافظة على خواصها الطبيعية، اما لحفظها لفترة طويلة، فكانت تُقطع وتجفف بأشعة الشمس.
التفاح الزراعي أو التفاح الشائع (الاسم العلمي:Malus domestica ) هو نوع نباتي يتبع جنس التفاح وهو من الأشجار الزراعية المُثمرة وأكثرها انتشاراً في العام، ينتمي للعائلة الوردية من أقاربه العليق، الورد الجوري، السفرجل والأجاص. شجرة التفاح صغيرة نسبياً متساقطة الأوراق في فصل الخريف، يتراوح ارتفاعها من 3 إلى 12 متراً، أورق شجرة التفاح مرتبة بالتناوب اي على كل عقدة ورقة واحدة ، حافة الورقة مسننة. نزهر أشجار التفاح في في فصل الربيع ، الأزهار بيضاء اللون تميل للون الزهري ، للزهرة خمسة بتلات (أوراق التويج) وخمسة أوراق كاس، يصل قطر الزهرة 3 سم. يحتاج التفاح لكي يُزهر الى وجبات من البرد في فصل الشتاء لذلك تنجح زراعته في الجليل الأعلى وفي هضبة الجولان. تنضج الثمار في نهاية الصيف وبداية فصل الخريف، هناك أَصناف التي تنضج في بداية الصيف.
مصدر اشجار التفاح الشائع (Malus domestica) من الشجرة الحرجية أي البرية (Malus sieversii)، والتي توجد في آسيا الوسطى (اليوم هي تركيا) وفي جنوب كازاخستان وطاجيكستان بالإضافة إلى منطقة شينجيانغ في الصين. أول أشتال أشجار التفاح التي تم نقلها بهدف غرسها للزراعة، كان سنة 300 قبل الميلاد حيث نقلها الاسكندر الكبير من آسيا الصغرى الى مقدونيا. وأقدم شجرة تفاح غرست وعرف تاريخ غرسها، هي التي غرسها ستيفنت سنة 1647 في مانهاتن بالولايات المتحدة وبقيت تثمر حتى صدمها قطار الذي خرج عن السكة الحديدية سنة 1866، يوجد في العالم 7500 نوع من التفاح، وما زالنا نشاهد أصناف جديدة يتم تطويرها سنوياً. الدول الأوائل المنتجة للتفاح هي الصين حيث تنتج أكثر من 27 مليون طن سنوياً، ثم الولايات المتحدة التي تنتج أكثر بقليل من 4 مليون طن سنوياً ثم ايران 2.6 مليون طن سنوياً، ثم تركيا 2.3 مليون طن سنوياً ، ثم روسيا 2.2 مليون طن سنوياً، ثم وايطاليا 2 مليون طن سنوياً. أما الدول العربية الرئيسية المنتجة للتفاح فهي مصر، المغرب وسوريا.
فوائد التفاح: لثمار التفاح فوائد كثيرة، التفاح يقوي الدماغ والقلب، والمعده، ويفيد في علاج آلام المفاصل ويوقف القيء، ويقلل من عسر التنفس ويصلح الكبد، وينقي الدم من السموم، ويقوي عضلة القلب، وبذوره تقتل ديدان الجهاز الهضمي. التفاح غني بفيتامينات أ، ب، ج ويحتوي على مواد سكرية وبروتين ومواد دهنية وبكتينية وأحماض عضوية وأملاح معدنية مثل البوتاسيوم و الكالسيوم، والصوديوم وغيرها وهي ضرورية لتغذيه الخلايا وإنمائها وتقوية العظام ، يعتبرالتفاح مصدر مهم لتخليص الجسم من السموم كما أن عصيره يقتل الفيروسات والبكتيريا والميكروبات في الجسد. وهناك مثل انجليزي يقول ” تفاحة كل يوم، تغنيك عن الطبيب” وهناك مثل آخر يقول “لو أكلت تفاحة قبل النوم، فسيأتيك الطبيب متسولاً لرغيف خبز”.
استعمالات التفاح: تؤكل ثمار التفاح وهي طازجة ،التي تتواجد في الأسواق طيلة أيام السنة، كونها تحفظ في البرادات وتحافظ على منظرها وطعمها، كما وأن ثمار التفاح صالحة للتعليب وللعصر. يُشرب عصير التفاح طازجاً ( سيّدر cider ) وهو بدون كحول أو محفوظاً. كما ويمكن تخميره لإنتاج خل التفاح ولإنتاج العصير الذي يحتوي على الكحول، ولصناعة نبيذ التفاح. ويستعمل التفاح في صناعة الكثير من الحلوى مثل كعكة التفاح.
من أشهر ما ذكرت به أشجار وثمار التفاح عبر العصور، من قصص ووقائع، للتعبير عن الرغبة في الخلود البشري كأشخاص وبين خلود المعرفة والعلم أذكر ما يلي:
تفاحة افروديت:
في الأسطورة اليونانية، دُعيت هيرا وأثينا وأفروديت إلى عرس ثيتس ولم تُدعَ إليه إيريس – إلهة النزاع ، فغضبت وقررت بث الفرقة والنزاع بين الإلهات الثلاث، ووضعت تفاحة ذهبية كُتب عليها للأجمل، لتختلف الإلهات الثلاث حول مَن منهنّ الأجمل. ولحل النزاع قرر زيوس اللجوء إلى تحكيم أجمل البشر من الرجال، وكان هذا الرجل هو باريس ابن ملك طروادة. وللتأثير على قراره، أغرته هيرا بالسلطة، ووعدته أثينا بالحكمة والمجد، وقالت له أفروديت إنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضل الأخيرة وأعطاها التفاحة.
حققت أفروديت وعدها لباريس، وأخذته إلى طروادة من جديد، وقدمته إلى أهله الذين ابتهجوا بعودته أميراً. ولتوفي دينها أرسلته إلى إسبارطة، فاستغل غيبة ملكها منيلاوس وأغوى زوجته هيلين التي فاقت كل نساء الدنيا جمالاً، وهرب بها إلى طروادة. انقسمت الآلهة فساعد بعضهم اليونانيين وساند بعضهم الآخر الطرواديين، وكانت المعركة الشهيرة أي معركة طروادة.
تفاحة آدم وحواء: عند انتشار الديانة المسيحية في اوروبا، كانت الرسومات والايقونات من اهم الوسائل لتعليم وترسيخ الديانة المسيحية والتي شملت العهد القديم والجديد، جاء في العهد القديم ذكر شجرة المعرفة ولم يحدد نوعها في سفر التكوين جاء: “قال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها”. أما رسموا اوروبا نتيجة تاثير الاساطير اليونانية وغيرها فرسموا حواء ممسكة بالتفاحة والأفعى خلفها وآدم بجانبها.
وقد تبين بان قصة آدم وحواء والتفاحة كانت معروفة قبل الديانات التوحيدية ” يقول الباحث الهولندي يوهانس دي مور، هو أن قصة آدم وحواء قديمة جدا، قصة تطورت على مدى القرون، وتغيرت حتى وصلت إلى التوراة وبعدها الإنجيل والقرآن. هل يعني هذا أنه علينا الآن أن نستخلص أن القصة لم تأت من الله مباشرة؟ لا يظن يوهانس دي مور ذلك، وهو شخص مسيحي متدين. بل يعتقد أنه حتى ولو كانت قصة آدم وحواء قد نشأت وتغيرت عبر العصور، فهي تبقى مستوحاة من الله. وفي نفس الوقت، يعتقد أنه من غير الممكن تفسير هذه القصة في القرآن والإنجيل بشكل حرفي، ومن الأفضل التعاطي مع مثل هذه القصص على شكل استعارات تشير إلى حقيقة دينية أعمق.”
تفاحة بياضاء الثلج:
تحتل التفاحة التي أكتها بيضاء الثلج، مساحة كبيرة من الخيال الشعبي وبسبب هذه التفاحة دخلت بيضاء الثلج بسبات عميق. كانت التفاحة في هذه القصة السلاح الذي استخدمته زوجة أبيها الساحرة للتخلص منها لتبقى أجمل امرأة على وجه المعمورة. وإذا كانت التفاحة الإغريقية أداة لتحديد أجمل امرأة بين الإلهات فإنها صارت في قصة بياض الثلج أداة للتخلص من أجمل فتاة. تعيد هذه القصة سرد المرويات المتعلقة ببدء الخليقة مرة أخرى من خلال الأمير الشاب الذي أعاد الحياة لبياض الثلج بقبلة على فمها، بما يشبه نفخ الروح في آدم.
تفاحة نيوتن: تفاحة نيوتون – العالم الانجليزي الشهير، ابن مزارع، في المزرعة كانت أشجار كثيرة، هل بالفعل ما سقط كانت تفاحة؟ أم انها اسطورة ام حقيقة؟ ، لقد شاهد الكثير من الأشياء التي تسقط ، تفاحة خلود المعرفة والعلم وليس خلود الجسد. فقوانين الجاذبية التي
توصل اليها نيوتون ما زالت صحيحة وتدرس في المدارس وفي المعاهد ولذلك نيوتون خاد بعملة وانتاجه وليس بجسده.
تفاحة آبل: هذه التفاحة المقضومة صارت رمزاً لواحدة من أبرز الشركات التي تُعنى بالمعرفة والتطور والتكنولوجيا، معيدة إحياء العلاقة بين المعرفة والتفاحة الواردة في الأساطير القديمة.
فسر العديد من خبراء التكنولوجيا أن السبب الأساسي في اختيار التفاحة لأنها تَرمز لمفتاح المعرفة الأول الذي جعل نيوتن يتوصل لسر جاذبية الأرض والقوانين الأساسية في عالم الفيزياء والتي تعزى لها العديد من النظريات في العالم، فلولا تفاحة نيوتن لما توصل العالم إلى كل هذا التطور التكنولوجي والتقني، الذي وصل اليه اليوم.
ولماذا التفاحة مقضومة؟ للإجابة على هذا السؤال نستذكر مقولة بسيطة و شهيرة قالها مؤسس شركة آبل ستيف جوبز وجعلها ميثاق شركته الضخمة وهي كما جاءت على لسان ستيف جوبز ” جمال كل شيء ليس في الاكتمال، كذلك هي الحياة لو أنها اكتملت لنا لما شعرنا بأي انجذاب لها ” وعلى ما يبدو أن هذه المقولة قد انعكست على شعار آبل العالمي.
: Big Apple مدينة نيويورك – التفاحة الكبيرة
لا يربط مدينة نيويورك أي سبب مباشر للتفاح، يعود السبب لاكتساب مدينة نيويورك في الولايات المتحدة لقب التفاحة الكبيرة، لقب التفاحة الكبيرة أطلق على مدينة نيويورك لأول مرة من قبل الصحفي الرياضي جون فيتزجيرالد في عشرينات القرن العشرين الماضي ، حيث كان فيتزجيرالد صحفياً يعمل في تغطية أخبار سباقات الخيول لصالح جريدة نيويورك مورنينج تيلجراف. وبعدها استعمل في سيقات إضافية. أما في سبعينات القرن الماضي ارتبط اللقب رسمياً بالمدينة، عندما قررت السلطات المعنية الترويج للمدينة باستخدام لقب التفاحة الكبيرة، حيث رأت السلطات أن هذا اللقب يعكس صورة إيجابية مشرقة عن المدينة، بدلاً من الصورة السلبية التي كانت سائدة في حينه عن هذه المدينة.
البقيعة – تموز 2017