لم يبقَ لدي ما أكتبْ , صرتْ ألج في مجردِ متاهاتٍ , أعانقُ سطوراً فارغةً , وكأني أكتبُ لسلةِ المهملاتِ ، أرمي الكلماتِ في سلة الحاسوبِ الإلكترونيه! أشاطرُها ألمي وجنوني المُزمنين وانحرافاتي المؤقتةَ .
أجلسُ في أحدى المقاهي لعلي أصطاد قصهً ترتسمُ على تقاسيمِ وجوه روادهُ , أو ربما على وجهِ عابرِ سبيلٍ مرَّ بالمكانِ ! أو ربما موقفٍ يوحي إليَّ بتباشيرِ قصةٍ ، ولكن لم يحالفني الحظُ اليومَ ، عبثاً كان انتظاري , فكل الوجوه متشابهة ورمادية ، ومخيلتي أرضٌ جارزٌ عاقر لا تلد الخيالَ ولا تمطرني الأثارة ودقاً نبيذياً ..
كل القصص متشابهة , تُعزف على الإيقاع ذاته , لا شيء جديد , تضايقني سيمفونية الكؤوس وألحان المقاعد الصاخبة! أتساءلَ , هل نضب نبعُ بئر إبداعي ؟!
وعندما ناديتُ النادلَ طالبةً الحساب التفتَ لصوتي أحد الجالسينَ في المقعد المجاور ، كان كما يبدو ينتظر شخصاً ما . لفتَ انتباهي مظهره الخارجي , فأشرت للنادل أن يتريثَ قليلا.
ما الذي جعلني أظن أنه قد يكون وحياً لقصتي! رمقته بعيني متفحصة أدق تفاصيله ! كيف يرتشف قهوته ؟ ملامحه الفتية ؟ وحتى أني تفحصتُ بتظراتي يديهِ , فأنا لا أن أكتب عمن لا يحافظ على نظافة أصابعه ..
ها هو يعيد النظر إليَّ , إنهُ ليس ساذجا كما اعتقدتُ , وكأنه يغازلني ببوح عينيه , يا له من طائش كيف يظن أن عجوزاً تغازلُ شقاوته الساذجه !!؟ ..
يا ترى ما القصة التي يخبئها هذا الشخصُ في أحداقه وبين تقاسيمه الغامضة ! وكأن هذا المقهى يجمعُ قصص رواده , فلكل منهم يوجد قصته الشخصية في شعابِ الحياةِ ..
أبدو مصممة على أن أجعل من نفسي عجوزاً بلهاءَ كي أحاولَ التقربَ منهُ لعلني أسرق من بين طياتِ حديثنا قصتي الآتية ! .
أنادي النادل مرة أخرى وأهمس له بأن يذهب إلى الشاب ويطلب الأذن بأن أنضم اليه أو ان ينضم إلي. أعرف حدودي واخشى أن يرفضني. ابتسم هو بدوره حين سمع النادل ووقف وجاء إلي مع فنجان قهوته.
– مساء الخير يا سيدتي، يشرفني الجلوس معك، فأنتِ لستِ بحاجة أن ترسلي النادل فقد كنت بطريقي إليك، أتظنين أنني لم أنتبه لمغازلتك لي ؟ .
– أنا كاتبة أجلسُ منذ الصباح وأبحث لصحيفتي عن قصةٍ بين ثرثرات المقهى ! ظننت أنني قد أجد عندك ما أبحث عنه ، هل تكون صديقي لعشر دقائق وتخبرني بقصتك! سأكون ممتنة لك وسأدفع ثمن قهوتك وكعكة .
– إنتفض من مكانه وكأني صعقته بطلبي…أتظنين أنك تغويني بفنجان قهوة وكعكة كي تكون قصة حياتي في كتاباتك ! هل تظنين أن رجولتي تسمح بالحديث عن قصتي لكاتبة تافهة مثلك. أنا رجل عندي الكثير من الإناث ، ولست ممن يبحثون عن العجائز! ثم عاد إلى طاولته مسرعاً وهو يردد كلمات غامضة غاضبة..
وقف النادل جانباً يسترقُ السمع ، لا أعرف إن كان يشفق علي أم أنهُ يستعجل الحساب , إقترب مني وسألني : هل تبحثين عن قصة جميلة يا سيدتي ؟ ابتسم بخبث وأضاف: أنا سأكون قصتك هذه الليلة ! ولكن بشرط أن تزيدي لي الإكرامية..