كنت يومها جالسا في مكتب جريدة الاتحاد في عكا، حيث عملت مراسلا لها في منطقة عكا، واذا بجرس الهاتف يرن، رفعت السماعة وقلت ألو فجاء الصوت دافئا قائلا: ممكن التكلم مع سهيل قبلان، قلت له، انه يتحدث فقال: يتكلم معك القاضي فارس فلاح اذا ممكن تيجي لعندي عالمكتب عاوزك، وتوجهت اليه وبعد السلام والتعارف قال: دعوتك لاعبر لك عن مدى تقديري واحترامي لالتزامك الحقيقة والموضوعية والدقة في نشر الاخبار التي تستقيها من ملفات المحكمة مع ذكر اسم القضاة وتقديرا لذلك اريد الاشتراك في جريدة الاتحاد، وكان هذا قبل زهاء عشرين سنة ولا يزال مشتركا في الجريدة.
لقد خرج القاضي فارس فلاح للتقاعد من العمل في المحكمة لكنه لم ولن يتقاعد ولن يكل او يمل عن عمل الخير والسعي للاصلاح وتوطيد الوشائج بين الناس والسير في درب السلام والمحبة والصدق لقطف الثمار الطيبة، ويحق له القول سأعيش رغم الداء والاعداء كالنسر فوق القمة الشماء، يوجهني صدق اللسان ولانني صادق وصديق مع ولكلمة العدالة والحق لزرع المحبة وحسن الجوار والتعاون بين الناس، ولقد تلقيت هدية من القاضي المتقاعد فارس فلاح هي عبارة عن كتاب يحمل عنوان “الثروة الحقيقية، الاعمال والاصدقاء والذكرى” وبعد ان قرأته شعرت وكاني به عمل وفق وانطلاقا من مقولة: ياما في السجن من مظلومين، اي ان هدفه وهمه كانا الانصاف والانصاف وبالتالي تعميق جمالية انسانية الانسان، مقتنعا ان الشكاوى خاصة بين المواطنين عداوة لذلك فالاتفاق في البلد خير له وللاهالي وللاستقامة ولتعميق القيم الجميلة لمصلحة الجميع ولان الوفاق يعين على الرزق، بينما العداوة بمثابة قطع ارزاق خاصة السمعة الطيبة والاخلاق والسلوك والمحبة، فالارزاق ليست كسب الاموال وحسب ويقال قطع الاعناق ولا قطع الارزاق فهناك الارزاق المتجسدة بنيل المحبة والاحترام والتقدير والوفاء لاجمل القيم والسلوكيات، والكتاب حافل بالمواقف والقرارات والبت في قضايا كثيرة جدا والتي تشير الى مدى محبة القاضي فلاح للناس وللعدالة ولزرع المحبة والسنابل في حقول القلوب وحواكير الضمائر الخصبة لتعطي اطيب الثمار.
وشرف هو لا يضاهى ان فارس فلاح هو وسام العدالة والكرامة والانسانية المتلألئ الحافل بالدرر النفيسة المجسدة باجمل تعابير الثناء والسلوك والحسن وصدق النوايا وروعة المشاعر، ويجسد جمالية النفس الانسانية عندما تأبى الا ان تكون حمامة ووردة عابقة وشتلة حبق وبلبل يعانق عندليب وطير حجل ويشنفون الاذن باجمل زقزقة وتغريد وهديل على شاطئ الوادي وفي الحواكير، واثبت ان دينه وديدنه هو صالح الانسان وحفظ كرامته وحقه والنتائج البناءه وان ياخذ العدل مجراه في كل قضية، وكم من موقف انهاه بالصلح والتفاهم والمحبة والمصالحة والعناق بين الفريقين المتخاصمين وما دام الانسان يسلك السبيل القانوني وعلى سبيل المثال، القاضي يحترم المتهم وبالتالي الانسان كانسان وهو كذلك يميز بين الانسان وعمله وما دامت الامور هكذا فالدنيا بألف خير وما دام فارس فلاح على قيد الحياة فالدنيا حافلة بالقيم وهكذا المجتمع وهدفه اعمار البيوت وليس هدمها وهو ثري وغني بدماثة ومكارم الاخلاق ويعد الاثرى في هذا المجال، وكان نصب عينيه دائما ان الصلح سيد الاحكام ونجح في تطبيقه في العديد من القضايا خاصة العائلية وانه يجب عدم التمييز بين شخص وآخر فالبريء بريء والمذنب مذنب ومبدأ المساواة بين الجميع يجب ان يكون عدلا ونزاهة واستقامة، فلا يجوز العمل وفق ان احمد يرث واحمد لا يرث، وانما يجب ان يكون العدل اساس الملك.
والعدالة يجب ان تنفذ وتطبق وترى النور دائما وعندها يكون العدل فعلا سائدا في الرعية وكم من قضية مما تبين من قراءتي للكتاب انتهت بالمصالحة والممالحة وعلى سبيل المثال، كان عقاب الزوج في احداها تقديم الورود على مدى شهر وكل يوم لزوجته وهكذا كان وفي هذا دلالة حتى تكون الورود متبادلة بين الجميع في قضايا اعلى واكبر وخاصة بين الدول وكل هدفه تعميق ثقة المواطن بالجهاز القضائي من خلال عدله وان يكون كل قرار بمثابة درس يستخلص منه المتهم النتائج والعبر وان لا يعود الى طريق السوء، وزار في احدى المرات معتقلا خرج من السجن وهكذا اقتضت الظروف الاجتماعية فقيل له: اشكرك على الزيارة، ما كنت اتوقع ذلك، فانت الحاكم والزائر والمهنئ واجابه قائلا: انني حاكم في المحكمة لكنني اشعر انني احد الناس ومع الناس ومن الناس خارج المحكمة، وهذا السلوك يعتبر مدرسة في الاخلاق والسلوكيات وهو مشبع بعبارة ما اجمل ان يحترم الناس بعضهم البعض دون فرق في اللون والمعتقد والدين والاتجاه فالجميع احبة وابناء الله يدعون، وهذا الذي كان يوجهه في اصدار الاحكام اي توطيد الوشائج بين الناس ودفعهم للسير في طريق الخير والصدق والمحبة ويبرز ان الجميع بحاجة الى المحبة الحقيقية مع الاخلاص والوفاء.
وحبذا لو قلنا في المجتمع قلل من المجاملة واكثر من المحبة خاصة ان اهل السماح ملاح وكلنا من بعض ولبعض ولا فرق بيننا وكلنا اخوة واهل وعلى الانسان ان يطلب ويسعى دائما عمل والى عمل الخير من المهد الى اللحد كما العلم يطلب ولو من الصين ومن المهد الى اللحد لانه خير سلاح في الحياة ونور للناس وةبه ترتقيها الامم، وهناك قضايا كثيرة اجل البت فيها عمدا لربما لانت المواقف واشتعلت العواطف وتقاربت الاراء والقلوب، لقد غرفت الكثير من قراءتي للكتاب وكأنني شديد الظما واغرف من عين ماء في قريتي، اعتبر بانني عانقت كثيرا القاضي فارس فلاح عندما كنا نلتقي وتشعر بعناقه بالدفء الابوي والانساني وتصرفه نابع من قناعة ان الصداقة وراحة النفس ورضا واحترام متبادل والصديق وقت الضيق.
ومن هذا المنطلق اصدر القرارات وسجله حافل بالاعمال الخيرية والانجازات والمساهمات الفعالة في العديد من المجالات ولكي يترك اثره الطيب دائما كانت اعماله ومواقفه بمثابة نسمات عابقة ينعفها في ارواح ونفوس ومشاعر الناس وكأنه يسعى دائما للوصول الى التسوية قبل اصدار الحكم فالسيرة الحسنة كالشجرة الطيبة خاصة الزيتونة لا تنمو بسرعة لكنها تعيش طويلا وتعطي الثمار الطيبة ومن ثمارهم تعرفونهم، وفارس فلاح عشق الدنيا لا لشيء الا لانه كان يؤمن ولا يزال يؤمن بان الحياة بذل وعطاء وتضحية من اجل الانسانية كافة لا فرق عنده بين هذا وذاك او بين دين ودين وطائفة اخرى، الكل عنده سواء ولا يألو جهدا في مشاركة الناس جميعا افراحهم واتراحهم مثبتا بسلوكه في كل موقع تبوؤه انه الرجل المعطاء الكريم الشامخ المتسامح ذو المروءه بكل ما تحملها من معنى وصفات، فاليك مني، من جرمقي تحية وباقة من ورد وقبلة في الخد وامنية بالعمر المديد ومواصلة العطاء الرائع طيب الثمار وكثير الغلال.