كمال وجمال توأم لا يمكن التفريق بينهما

a1cf74b231100bd22472527e99ea6c8d

(تعليق على قرار بلدية شفاعمرو)

زياد شليوط

اتخذ المجلس البلدي في شفاعمرو في جلسته الأخيرة – الأسبوع الماضي – قرارا، باقامة نصب تذكاري للشهيد المعلم كمال جنبلاط، لكن هذا القرار رغم أهميته وحيويته يبقى ناقصا، طالما يتم تغييب توأم المعلم كمال جنبلاط قوميا ووطنيا وعروبيا وانسانيا القائد العربي الخالد جمال عبد الناصر. وما يشهد على ذلك أن كمال جنبلاط خاطب عبد الناصر في احدى زياراته له في القاهرة بكل تواضع ” أنا ناصري وجئت لأشرب من بئر الناصرية، من النبع رأسا”، فرد عليه عبد الناصر بتلقائية ” بل أنا جنبلاطي اشتراكي وأنت السباق في هذا المجال”.

من المؤسف أن يغيب اسم عبد الناصر عن شفاعمرو، وهو الخالد في القلوب والضمائر رغم 47 سنة من الغياب الجسدي، من العار على بلدية شفاعمرو – باداراتها المتعاقبة – أن تحجم عن اطلاق اسم عبد الناصر على شارع أو ميدان أو مرفق، بينما هناك ميدان يحمل اسم عبد الناصر في الجارة كفرمندا وشارع في الجارة الأخرى كابول. ومن المحزن أن يتم التعامل مع كمال جنبلاط من نظرة طائفية ضيقة، وهو الذي مقت الطائفية وحاربها وكان في رأس القوميين العروبيين وأسس “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وقال عن الطائفية ” القاعدة الطائفية تشكّل حجر عثرة في سبيل الكفاءة”.

وسبق أن انتبه الكاتب نمر نمر في كتابه ” الشهيد كمال جنبلاط” (1) الى مدى عمق وتكامل وجمال العلاقة بين القائدين المعلمين، فأنشأ فصلا منه بعنوان ” بين الكمال والجمال” (صفحات 105-110) وجاء في مقدمته: ” ليس صدفة أن يلتقي البطلان المناضلان جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط حيث كل منهما يتمم الآخر لكثرة نقاط الالتقاء بينهما”.

ويأتي الكاتب على أهم أقوال وسلوكيات عبد الناصر وجنبلاط والتي تؤكد تماثلهما وتطابقهما الفكري والسياسي، والآمال الكبرى التي علقت على قائدين عملاقين تواجدا في فترة عصيبة حافلة بالتحديات، وتمكنا من جمع كلمة العرب على أساس قومي اشتراكي انساني، بشّر بواقع ومستقبل مشرق للعرب عزّ على قوى الاستعمار أن تشهد الشعوب العربية فترة من العزة والكرامة، فعملت على ضرب ذلك العصر ورموزه بكل الأساليب، واعادة العرب الى عصور من الجهل والتخلف والظلامية كما هو حاصل في أيامنا.

فكيف يجوز التفريق بين الكمال والجمال في تاريخنا المعاصر وواقعنا القاهر، كيف يمكن تكريم الكمال وتجاهل توأمه الجمال، وكيف يمكن الاحتفاء بالكمال بينما يتم تغييب شقيقه الجمال؟ لا شك أن كمال جنبلاط يتململ في قبره حيث يتم تحجيمه في الاطار الطائفي الضيق، وهو الذي كان يسبح في الفضاء العربي والعالم الانساني الرحب، بل انه يتألم لتجاهل توأم روحه القائد عبد الناصر. وأظن أن نجله وليد جنبلاط لن يرضى بهذه النقيصة، رغم اشكالية مواقفه من الأزمة السورية، الا أنه قام مؤخرا بتسليم قيادة الحزب لابنه تيمور، وقد خلع عليه الكوفية الفلسطينية موصيا اياه على قضية العرب الأولى.

ومن يود معرفة حقيقة رأي المعلم كمال جنبلاط في الواقع الشفاعمري، ما عليه الا أن يعود لكتابه ” ثورة في عالم الانسان” (2)، والذي يتحدث فيه عن الواقع اللبناني المحكوم بالمعادلات الطائفية البغيضة، فما على القاريء سوى استبدال كلمة لبنان بشفاعمرو ليصل الى الواقع الأليم الذي يتحدث عنه جنبلاط والذي ينطبق على شفاعمرو الى حد الدهشة، وربما نعود الى ذلك في مقام آخر. وكمثال على ذلك أستعير الفقرة التالية التي وردت في كتابه مستبدلا اسم لبنان بشفاعمرو ” ان التكوين الطائفي السياسي يحول دون صيرورة الجماعة الشفاعمرية وحدة وطنية حقيقية، وكيانا سياسيا موحدا وبالتالي شعبا ومدينة” ( ص 118).

صدق الكاتب نمر نمر الذي قال عن القائدين في كتابه: ” عملاقان من عمالقة الشرق، فرقدان عاليان، وكوكبان متلألئان أحدهما صورة طبق الأصل للآخر.” لذا على بلدية شفاعمرو أن تعيد النظر في قرارها المذكور وتعديله بحيث تستكمل الصورة بتكريم ناصر الجنبلاطي وجنبلاط الناصري بشكل يليق بالقامتين الكبيرتين، ويليق ببلدة يدعي أعضاء مجلسها أنهم يعملون لمصلحة البلدة وليس لمصالح فئوية.

(شفاعمرو/ الجليل)

  • نمر نمر – الشهيد كمال جنبلاط، ط 2، نيسان 1978، الأسوار عكا.
  • جنبلاط كمال – ثورة في عالم الانسان، 1967، دار صادر، بيروت.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .