مشاهد من الماضي الجميل،شمس المَغارب بقلم : إعتدال فلاح حسين

اعتدال فلاح حسين

تجمّعت نساءُ القرية في القبو الواسع، الكل يبكي.
أمي تبكي، تنوح وتشوّح بيدها حاملة منشفة صغيرة.
كان يومها موت جدي، والد أمي الذي قضى بحادث طرق، ورحل وهو في عزّ شبابه.
أذكر عندما كنت صغيرة، قبل مَغيب الشمس بقليل، جالسة أنا على شباك القبو الخشبي العريض، أراقب بكاء أمي المرير على فقدان والدها وموته المفاجئ، وإذا بالشمس تمدّ خيوطها الحمراء أمامي من الشباك، تدخل لتصل إلى وجه جدّي وتزيده نورا وإشراقا.
دُهشت لهذا المنظر الغريب،
حاولت أن أمسك الخيوط وألعب بها.
أمدّ يدي أكبش كبشة، أفتح يدي اراها فارغة، ألعب.. أعيد.. أفشل
ألعب.. أعيد.. أفشل
وبسرعة حاولت أن أضمّ الخيوط بكلتا يديّ إلى صدري لعلّي أحمل وأحضن شيئا،
ولكن بدون جدوى.
شعرت بتَعَب شديد، ركنتُ رأسي بزاوية الشباك لأستريح،
فجأة رأيت رجالا كبارا وصغارا يبكون، يدخلون القبو يرفعون جدّي، ويُخرجونه محمولا على أيديهم والنساء تبكين بحرقة ووجع وألم.
وقفت بسرعة على رجليّ أتأمل مشهد خروجهم بالتابوت من الباب الغربيّ ناحية الشباك، مشوا إلى جهة الغرب ناحية الشمس، رجالُ الدين يتقدّمون الجنازة يرتلون صلوات دينيّة ، وباقي المشيّعين يمشون بهدوء والحزن باد على كل الوجوه.
أدرت وجهي نحو التابوت أراقبُ الشمس التي خفَتَ نورها، وقاربت على المغيب مرّة، وأراقب التابوت مرّة أخرى.
مددتُ نظري بعيدا بعيدا حتى اختفت الشمس واختفى التابوت معها.
يومها كنت صغيرة لم أدرك معنى موت إنسان رحل عن الوجود، ولن أراه ثانية، ولم أكن أعرف أنّ للموت قيمة كبيرة عند أهل البلدة.

(الرامة)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .