يقال فلان “باعه طويل” أي كريم النفس وعلان خيّال الحصان و “في عزيمة من ورا الباب وعزيمة بتقطع الثياب” وفي رأي جدتي ان “أولاد حليب القنينة” تقصد جيل هذه الأيام لم يتربوا على “الفضيلة” ولا يعرفون معنى الواجب وبالكاد الواحد يفتح باب بيته ويقول تفضلوا..
“يكثّر خير الله” تفضلوا ، يا عمي ، تفضلوا على الميسور عفوًا تفضلوا اعرفوا من هو “صاحب الباع الطويل والبيت المفتوح” الذي لم يترك أي ابن حكومة أو صاحب “شأن” الا ودعاه على “عشوة” أو “ترويقة” لرفع “الكلفة” واكرامًا لمقامه السامي ، ولم يفته توديعه بخطبة يشكر بها الحكومة وأسرتها الرشيدة .. ويتمنى للضيف طول العمر وان يبقى “معلوف موقوف مثل خيل الدولة” لخدمة الناس . وكنا نسمعه بعد ذلك يهمس لجدتي: ” بوس الكلب من ثمو حتى تنال مرادك منو”.
لكن جدتي ، هي الأخرى ، كانت تقطع اللقمة عنا – نحن اليتامى – حتى تراضي الحكومة.. فهذا يريد لبنة مزقلطة ، وزوجة ذاك تتوحّم على الفريكة ، وضابط المركز يفضل الزيتون المرصوص على الزيتون المشقّح . وو..
أما نحن فكنا “نسرك” على أسناننا و “مال القزعة” هذا “ينقب أسنانه” وذاك المنجوس “يتلقمس” وآخر يحطط شوالات من الوعود وعدُل من الحسنات ، في وقت لم يفوتنا فيه قولة المثل: “بتغيّم عندنا وبتشتي عند غيرنا” أي في “الموشاب” المجاور.
“فتكم بالحكي” كثيرًا ما اختلف جدي مع جدتي على طريقة تربيتنا إلاّ أن جدتي كانت تقص علينا الكثير من
الحكايات والأساطير والخرافات وكانت تؤكد أنه بالإمكان إسكات الثعالب أو أي كان من انس أو جِن الى درجة اخراسه ومنعه من مواصلة أفعاله ، وذلك عن طريق قلب فردة حذاء – أي صرماي – باتجاهه…
لكن هذه النصيحة لم تأخذ مفعولها مع ضيوفنا من مسؤولي الحكومة…
كانت جدتي تلاحظ ما نفعله فتلحق بنا وتسب وتلعن هذا الزمان وأولاد اليوم وتربايتها…