الوقفة الأولى… الدعوة لمؤتمر ضدّ التجنيد.
طالعتنا صحيفة الاتحاد خلال الأسبوع الأخير بمداخلتين حول قرار ل-“لجنة المبادرة العربيّة الدرزيّة”، لعقد مؤتمر ضدّ التجنيد، وهذا القرار وما حوتهما المداخلتان من طروحات استدعى هذه الوقفات، علّ أن توضع الأمور في نصابها.
الوقفة الثانية… استهلال.
رغم مرور 60 سنة على فرض التجنيد الإجباري على العرب الدروز، ما زال العديد من حملة الأقلام المعنيّون في الموضوع، ورغم كثرة ما كًتب توضيحا، يضربون حابل المرجعيّات القانونيّة بنابلها، وهكذا يفعلون بالوقائع التي رافقت الموضوع، وهذا ليس فقط مسيئا للمعلومة وإنما مسيئا كذلك للموضوع.
قانون التجنيد الإجباري من العام 1949م والذي أقرّ بصيغته النهائيّة عام 1951م، يفرض التجنيد الإجباري على كلّ شاب يحمل الجنسيّة الإسرائيليّة وبلغ الثامنة عشرة من عمره، بغض النظر عن انتمائه القوميّ. ولكن القانون خوّل الحكومة إعفاء أفراد أو مجموعات لدواع مختلفة، وهكذا أعفي كل العرب وبضمنهم الدروز، وبقيّة القوميّات الأخرى من سريان مفعوله عليهم.
حاجة الحركة الصهيونيّة وذراعها العسكريّ لمجنّدين عرب، ملأتها بفتح باب التطوّع ولكن لعدد أقرته طبقا لحاجتها، وهكذا شكّلت وحدة أسمتها “وحدة الأقليّات” من المتطوعين حتّى خلال حرب ال-48 لم يتعدّى تعدادها العشرات خلال الحرب وبضعة مئات قليلة في سنوات الخمسين الأولى، وكان عمادها من الدروز والبدو ولكن فيها الكثير من بقيّة العرب وغيرهم من القوميّات كالشركس وغيرهم.
عوّلت المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة أن تسدّ الحاجة عن طريق التطوّع، لكن هذا لم يحقق هدفها ولأسباب شتّى لا مجال للدخول فيها في هذه الوقفات، بدأت عام 1954م تحيك “إبطال الإعفاء” عن الدروز والمسيحيّين والشركس، وفشلت عند المسيحيّين ونجحت عند الدروز والشركس، ومرّة أخرى لأسباب ليس هذا المكان للخوض فيها، وهكذا تمّ عام 1956م “إبطال الإعفاء” عن الدروز والشركس، وفي نيسان من نفس العام انطلقت عمليّة استدعاء الشباب.
الوقفة الثالثة… المقاومة.
قاومت بين العرب الدروز قطاعات واسعة جدّا هذا الإجراء، عمادها كان الوطنيّون ورجال دين وفي المقدّمة طيّب الذكر الشيخ فرهود فرهود إمام الدروز في الرّامة. غير أن المقاومة فشلت، وأهم الأسباب كانت القمع والتعاون الرجعيّ وغياب الظهير الوطنيّ الفلسطينيّ والسياسيّ.
لم تذوِ جمرة المقاومة رغم ذلك، وكانت تتقّد نارا بين الفترة الأخرى، بدءا ب-“حركة الشباب الدروز الأحرار” التي أطلقها طيّب الذكر شاعر العروبة والمقاومة سميح القاسم أوائل الستينات، ولاحقا بلجنة المبادرة الدرزيّة أوائل السبعينات والتي رأَسها الشيخ فرهود فرهود مدعومة من الحزب الشيوعيّ، ثمّ برزت على الساحة أطر أخرى وطنيّة قوميّة عمادها بعض المؤسسين للجنة المبادرة بعد أن خرجوا منها وشخصيّات مستقلّة، وفي طليعتها حركة “ميثاق المعروفيّين الأحرار” أواخر التسعينات والتي رأَسها الكاتب. وما زال الإطاران الأساسيّان الفاعلان هما الميثاق المنضوي في الحركة الوطنيّة للتواصل، والمبادرة.
وتعذّر حتى الآن إيجاد السّبل للتعاون والتنسيق والمحاولات الكثيرة باءت بالفشل، إلى أن زفّت الأشهر الأخيرة بًشرى لبداية مباركة بمواقف واتصالات “تحت الأضواء”، إلا أنّ ما جاء في المداخلتين الذكورتين أخرج الموضوع إلى الأضواء ويثير الكثير التساؤلات.
الوقفة الرابعة… المؤتمرات.
ليست هذه أول دعوة لمؤتمر ولا أول مؤتمر، وكعيّنة، في العام ال-2001 عقد في عمّان مؤتمر تحت اسم “مؤتمر التواصل القوميّ” وكان قراره الرئيس: “العمل على عقد مؤتمر عربيّ عام ضدّ التجنيد والتجنّد/التطوع”، ولاحقا وًقّعت وثيقة في هذا الشأن بين كل الأطر في بيت طيّب الذكر سميح القاسم، إلا أن الوثيقة أَجهضت ولأسباب شتّى، وعقدت لجنة المبادرة لاحقا في العام 2002 مؤتمرا خاصّا وبحضور عربيّ واسع في يركا.
مؤخرا، أوائل كانون الأول 2016 تلقّت “الحركة الوطنيّة للتواصل” كتابا من لجنة المبادرة عنوانه: “التعاون لعقد مؤتمر ضدّ التجنيد الإجباريّ المفروض المرفوض وظاهرة التجنّد ومشروع الخدمة المدنيّة“. وفي صُلبه: “ندعوكم لتكونوا مكوّن مشارك وفاعل (هكذا في الأصل) لإنجاح هذا المؤتمر الهام“.
جاء ردّ الحركة الوطنيّة للتواصل سريعا وبالإيجاب وعبر تبادل رسائل إلكترونيّة، على أن يُعقد لقاء تنسيقيّ تحضيريّ، وما زلنا ننتظر هذا اللقاء حتّى اليوم. غير أن المفاجأة جاءت بما كتبه عضو سكرتاريا المبادرة جهاد سعد (الاتحاد 2017/03/31) عن قرار لجنة المبادرة تحت عنوان: “مؤتمر إلغاء التجنيد الإجباري وجعله اختياريّا“، وفي صُلب المداخلة تناقض صارخ لما جاء في الرسالة، هذا عدا عن أنّ موضوع الاختيار مرفوض عندنا جملة وتفصيلا. هذا الطرح أثار كذلك حفيظة الكاتب مفيد مهنا المستقل، في مداخلة له تعقيبا (الاتحاد 2017/4/3).
الوقفة الخامسة… خلاصة القول.
إنّنا اختلفنا ونختلف مع لجنة المبادرة في أمور كثيرة وبالذات فكريّا، وفيما يخصّ التجنيد كذلك نختلف حول منطلقات الرفض، ولكن المتفق بيننا أكثر، وصبونا ونصبو إلى أكثر من التعاون على مؤتمر بغض النظر عن ما قيل أعلاه اللهم إلا أن للتعاون أسس لا يمكن تخطّيها. ومع هذا سنشارك في المؤتمر ولا فرق عندنا إن كنّا شركاء أو داعمين، غير أن الأهم من هذا هو ما دعونا إليه سابقا وخطيّا وأمام كل “الوسطاء”، أن المطلوب هو هيئة تنسيقيّة مشتركة واحدة موحّدة تتمثّل فيها كافة الأطر بغض النظر عن خلفياتها وعددها وعدّتها، ولتكن رئاسة هذه الهيئة لممثل يًتّفق عليه ومن لجنة المبادرة، وحتى لا يٌساء الفهم، كونها كإطار لا كأشخاص الأقدم بين الأطر.
بهذا وفقط بهذا تزداد هيبة القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة، بداية أمام حلفائها على الساحة العربيّة، وفي وجه المؤسسة وأكثر من ذلك في وجه أزلامها الدينيّين والسياسيّين، والأهم أمام ضحايا المؤسسة والأزلام، الناس.
بيت خن ـ أوائل نيسان 2017