الشَّطْرَنْجُ أَو الشِّطْرَنْجُ لُعْبَةٌ ذِهْنِيَّةٌ شَهيرَةٌ، لا بَلْ هي أَشْهَرُ الأَلْعابِ الذِّهْنِيَّةِ في العالَمِ! واللَّعِبُ يَتِمُّ على رُقْعَةٍ مُرَبَّعَةٍ مُقَسَّمَةٍ الى اثْنَينِ وثَلاثينَ مُرَبَّعًَا بِالأَبْيَضِ، والى مِثْلِهِا بِالأَسْوَدِ. وبِثَمانِيَةِ جُنودٍ أَو(بَيادِقَ) وبِقَلْعَتَينِ أَو(رُخ) وبِفيلَينِ وَوَزيرٍ أَو (مَلِكَةٍ) وبِمَلِكٍ أَو(شاه).. يَقومُ بِاللَّعِبِ لاعِبانِ اثْنانِ، بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُما الحِجارَةُ الّتي أَسْمَيناها سابِقًَا. لِهذِهِ اللُّعْبَةِ- كَمَا لِكُلِّ لُعْبَةٍ – قَواعِدُ وأَهْدافُ.. وهَدَفُ اللّاعِبِ هُنا أَنْ يُحَرِّكَ حِجارَتَهُ بِحَيثُ يَصِلُ الى التَّغَلُّبِ على الخَصْمِ بِانْتِصارِ مَلِكِهِ وحَصْرِ المَلِكِ في مُرَبَّعٍ لا يَسْتَطيعُ التَّحَرُّكَ؛ لِتَنْتَهيَ اللُّعْبَةُ بِتَسْجيلِ نُقْطَةٍ واحِدَةٍ لِصالِحِ الرَّابِحِ. مُلَخَّصُ هذهِ اللُّعْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ أَنْ يَموتَ الجَميعُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْتَصِرَ مَلِكٌ ويُحاصَرَ آخَرُ؛ ناسينَ أَو مُتَناسينَ أَنَّ هذهِ اللُّعْبَةَ لُعْبَةٌ ذِهْنِيَّةٌ قِتالِيَّةٌ لا أَكْثَرَ!
لَنْ أَدْخُلَ بِتَفاصيلِ تاريخِ نَشْأَةِ لُعْبَةِ الشَّطْرَنْجِ، وأَكْتَفي بِذِكْرِ بَعْضِ الآراءِ فَقَطْ.. فَقَدْ قيلَ إِنَّها خَرَجَتْ مِنَ الهِنْدِ، وقيلَ هيَ لُعْبَةٌ صينِيَّةٌ ومِنَ الصّينِ انْتَقَلَتْ الى أَوروبّا وباقي أَقْطارِ العالَمِ. وعَلى الأَرْجَحِ إِنَّها لُعْبَةٌ هِنْدِيَّةٌ.. فَقَدْ انْتَبَهَ أَحَدُ وُزَراءِ أَحَدِ مُلُوكِ الهِنْدِ الى حالَةِ المَلَلِ الحاصِلَةِ لِمَلِكِهِ فَفَكَّرَ بِإيجادِ ما يُسَلّيهِ، ويُزيلُ عَنْهُ حالَةَ المَلَلِ تِلْكَ؛ وبَعْدَ تَفْكيرٍ طَويلٍ تَوَصَّلَ الى هذهِ اللُّعْبَةِ، فَفَرِحَ المَلِكُ كَثيرًَا وأَحَبَّ أَنْ يُكافِئَ وَزيرَهُ الذَّكِيَّ، فَقالَ لَهُ: اطْلُبْ! فَقالَ الوَزيرُ: لا أَريدُ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً، بَلْ أُريدُ حَبَّةَ قَمْحٍ في المُرَبَّعِ الأَوَّلِ ثُمَّ تُضاعِفُ لي عَدَدَ الحَبّاتِ في كُلِّ مُرَبَّعٍ بَعْدَ ذلِكَ. فَاسْتَهانَ المَلِكُ بِطَلَبِ الوَزيرِ الى أَنِ اكْتَشَفَ أَنَّهُ لا يَسْتَطيعُ تَلْبِيَةَ الطَّلَبِ لِضَخامَةِ الرَّقْمِ الَّذي سَيَتَوَصَّلُ إِلَيهِ والمُكَوَّنِ مِنْ عِشْرينَ رَقْمًَا، وهذا يَكْفي لِتَغْطِيَةِ اليابِسَةِ بِالقَمْحِ الى ارْتِفاعِ (11 ) مِلِّمِتْرًِا.
مَعَ احْتِرامي وتَقْديري لِهُواةِ الشِّطْرَنْجِ، وبِالرَّغْمِ مِنْ كَونِها لُعْبَةً ذِهْنِيَّةً عالَمِيَّةً أَراها لُعْبَةً تُنَمّي الطّاقاتِ القِتالِيَّةَ عِنْدَ اللّاعِبين!! لا بَلْ هيَ انْتِصارٌ لِلْمُلوكِ والقادَةِ.. وما أَبْعَدَها عَنْ طَبَقاتِ الشَّعْبِ المَسْحوقَةِ والمَغْلوبَةِ على أَمْرِها، والمَنْكوبَةِ بِمُلوكِها وبِحُكّامِها!
أَنْتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبْرِ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ اللُّعْبَةُ عَنْ عَرْشِها…!
(البقيعة/الجليل)